منذ عقود، أثار الموقع الاستراتيجي لألبانيا قلق الإيطاليين الذين سعوا جاهدين لضمها لممتلكاتهم. فمن خلال السيطرة على أراضي ألبانيا، ستتمكن إيطاليا من إغلاق المنافذ المطلة على البحر الأدرياتيكي كما ستحصل أيضا على موطئ قدم بالبلقان الذي عاش طيلة العقود السابقة على وقع توترات سياسية تسببت عام 1914 في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
توترات بين ألبانيا وإيطاليا
قبل الحرب العالمية الأولى، ساندت إيطاليا فكرة إنشاء دولة ألبانية مستقلة. وفي خضم النزاع العالمي ما بين عامي 1914 و1918، تدخلت القوات الإيطالية بأجزاء هامة من الأراضي الألبانية لمنع البلاد من الوقوع بقبضة الجيش النمساوي. وعقب توقيع معاهدة فرساي عام 1919، رفض الإيطاليون مغادرة أراضي ألبانيا متسببين في أزمة بالمنطقة تزامنا مع اندلاع مواجهات مسلحة بين الجيش الإيطالي والمقاومين الألبانيين. وتحت وطأة الضغوط الدولية، وافق رئيس الوزراء الإيطالي جيوفاني جيوليتي (Giovanni Giolitti) عام 1920 على سحب قوات بلاده من ألبانيا خالقا بذلك أزمة سياسية بإيطاليا.
مع صعود الفاشيين بإيطاليا عام 1922 واستلام الدوتشي بينيتو موسوليني لزمام الأمور، اتجهت إيطاليا للاستثمار بألبانيا. وما بين عامي 1922 و1923، سيطرت القوات الإيطالية على جزيرتي كورفو (Corfu) وسازان (Sazan) فارضة بذلك مزيدا من الضغوط الجغرافية على ألبانيا التي رضخت منتصف العشرينيات ووقعت اتفاقية دفاعية مع الجانب الإيطالي.
مطلع الثلاثينيات، تزايدت حدة التوتر بين إيطاليا وألبانيا. فخلال تلك الفترة، رفض الملك الألباني الرضوخ لمزيد من الضغوط الإيطالية واتجه في الآن ذاته لتوقيع اتفاقيات دفاعية وتجارية مع اليونان ومملكة يوغوسلافيا. وأمام هذا الوضع، أمر موسوليني بإرسال مجموعة من السفن الحربية الإيطالية قبالة سواحل ألبانيا مهددا إياها بالحرب.
غياب ردود الفعل الدولية
عقب قيام أدولف هتلر بضم النمسا لألمانيا عام 1938 واحتلاله لتشيكوسلوفاكيا وسط رضوخ دولي لمطالبه، اتجه بينيتو موسوليني لضم ألبانيا للممتلكات الإيطالية. ومتجاهلا تحذيرات الملك الإيطالي فكتور إيمانويل الثالث (Victor Emmanuel III)، أرسل موسوليني تحذيرا أخيرا لألبانيا طالبها من خلاله بقبول وجود الجيوش الإيطالية على أراضيها لأغراض دفاعية واستراتيجية.
ومع عدم تلقيها لأي رد، أرسلت إيطاليا يوم 6 أبريل 1939 سفنها لإجلاء رعاياها من ألبانيا وسط مخاوف دولية من استعداد موسوليني للقيام بعمل عسكري ضد الألبان.
وباليوم التالي، باشرت إيطاليا بعملية غزو الأراضي الألبانية حيث أمر موسوليني بإرسال حوالي 100 ألف عسكري إيطالي، بقيادة الجنرال ألفريدو غوزوني (Alfredo Guzzoni)، مدعومين بعشرات الدبابات والقطع الحربية البحرية والطائرات نحو ألبانيا التي امتلكت جيشا قليل العدد وسيئ التسليح. وخلال اليومين التاليين، حقق الإيطاليون تقدما سريعا بألبانيا التي عجزت قواتها عن صد الإيطاليين.
بحلول يوم 9 ابريل 1939، ألقت إيطاليا بالآلاف من المظليين على العاصمة الألبانية تيرانيا (Tirana) وسط غياب شبه تام للجيش الألباني. وبعد معارك وجيزة أسفرت عن مقتل 12 جنديا إيطاليا، تمكن الإيطاليون خلال نفس اليوم من إخضاع تيرانيا لسيطرتهم.
يوم العاشر من نفس الشهر، أرست إيطاليا حكومة عميلة لها بتيرانا. وقد افتقرت هذه الحكومة للصلاحيات الكافية لتسيير شؤون البلاد حيث أوكل الإيطاليون مهمة تسيير الشؤون الداخلية والخارجية لألبانيا لحاكم عسكري إيطالي عيّنه موسوليني. وبالأيام التالية، أهدى موسوليني التاج الألباني للملك الإيطالي فكتور إيمانويل الثالث الذي حصل بفضل ذلك على لقب ملك ألبانيا.
على الصعيد الدولي، لم تثر عملية غزو ألبانيا أية ردود فعل تذكر حيث أوكلت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية جانبا هاما من اهتماماتها للتوسع الألماني بأوروبا وسط مخاوف من قيام هتلر بالتدخل عسكريا ببولندا. وقد جاء رد الفعل الوحيد من قبل البابا بيوس الثاني عشر (Pius XII) حيث دعا الأخير القوات الإيطالية لاحترام الألبانيين وممتلكاتهم دون أن يدين عملية الغزو.
