قصي همرور يكتب عن الشهداء
الثوار طلّاب حياة، وهي طلب عزيزٌ عندهم لدرجة أنهم، في خضم طلبها، مستعدون لمواجهة خطر فقدان البقاء، وهو خطرٌ حقيقي إذ أن بعضهم فعلاً يلتقيه. ذلك لأن الحياة التي يطلبونها هي الحياة الكريمة الحرة، المفعمة بالممكنات، لا مجرّد البقاء.
ويبقى من خلفهم، في دربهم، يمجّدونهم. يمجّدون الشهداء ولا يمجّدون الموت. يمجّدون الشهداء ويتمنّون أن يكونوا قد ودّعوا آخر شهيد، وأن يبقى البقية لكي يبنوا شروط الحياة التي دفع الشهداء من أجلها الغالي النفيس. لكن قوى اللؤم والطغيان تأبى إلا أن ترفع ثمن الحياة، لأجل مصالحها الضيّقة وخيالاتها الشائهة.
مُجمل الثورات في التاريخ والحاضر تمجّد شهداءها، ليس احتفالاً بالموت وإنما احتفالاً بالحياة الكريمة وغلو ثمنها والتضحيات من أجلها. هذه ليست ثقافة موت وإنما ثقافة حياة. وتمجيد الشهداء يعني أنهم ما زالوا أحياءً بيننا، فقلنا:
شهداءنا ما ماتوا، عايشين مع الثوار
وهذا ليس حصرا على مجتمعاتنا في المنطقة فحسب، بل أن إحدى أشهر نداءات الثورة الأمريكية:
اعطني الحرية أو اعطني الموت
give me libety or give me death
(في لقاء تلفزيوني مع مالكولم اكس، قيل له إنكم متطرفون وتدفعون الناس للتطرف، فقال لهم العبارة أعلاه، وهي من صلب التاريخ الأمريكي الذي تحتفي به المؤسسات الرسمية، ويقولون لولاه لما كانت الولايات المتحدة الدولة “الحرة” التي هي الآن.. ثم قال لهم: أليس هذا تطرّف؟)
فعبارات الثوار التي يرددونها، مثل:
‘شجر النضال حيقوم، دم الشهيد الري’
هي تثمين للحياة وتمجيد للشهداء، فدم الشهيد لم يذهب هدراً وإنما سقى أِشجاراً ستؤتي ثمارها ولو بعد حين، والشهداء من هذا الوقت وحتى ذلك الوقت سيبقون أحياء، مكرّمين، في ذاكرتنا وفي ألسنتنا وفي حرصنا على جعل دمائهم لا تهراق في غير طائل…. إلى أن نلحق بهم، فبقدر ما هي الحياة الكريمة الحرة عزيزة، بقدر ما هو مفهوم أن من لم يمت بالسيف مات بغيره، وهذا الوجود سيرورة تتضمّن الحياة والموت معاً.
وللحديث شجون….
