العشاء الأخير


العشاء الأخير

د. عثمان برسي

ما يمكن فعله لمكون (التسوية) هو إعادة قلب وإعادة تركيب مفاهيمهما للسلطة والحرية، وليس بأي حال من الأحوال توقيع (صكوك) منظومة الحق والحقيقة التي تنتج العدالة، كما تم توقيعها في الماضي القريب، عندما وقع المدنيون (صك) وفاتهم بالتحالف مع الطائفية، ويوقعونه في حاضر مشهد ثورة التغيير اليوم في دعوة (العشاء الأخير).

في الأصل العقد الإجتماعي هو تعبير عن الإرادة العامة.. والذي ينتج جوهرياً منظومة الحق والحقيقة، وخارج هذا السياق هي التسوية الجارية الآن والتي تعني حرفياً الإعلان عن نهاية (السياسة).. أو بتعبير أصيل (موت الثورة) الناتج عن موت (السياسة)..

بيد أن دينامية (التسوية) في الأصل قدمت إمكانات فكرية لتشريح التسوية تاريخياً بتجاوز السؤال عن مشروعية ووجود السلطة الرمزية للجيش في (مارينا) السياسة، إلى جغرافية فكرية جديدة تتعلق بسؤال مشروعية (قحت)، ووجودها نفسه، تلك المشروعية التي عجزت (قحت) عن انتزاعها عندما خرقت السلطة التشريعية وهو ليس خرق في السلطة المادية بوصفها مبنى، بل خرقت التشريع بوصفه سلطة (معنى)، وهي بذلك وجهت أقسى الضربات لديناميات التغيير، وذلك نعزوه إلى أن قحت من حيث المصدر تشكلت على أساس أنها سلطة (اللامعنى) والذي يحيل مقالنا إلى نتيجة واضحة: ((أن قحت صناعة)).. متجاوزة تأسيس منظومة الحقيقة والحق في تسويتها الأولى لتقفز في تسويتها الثانية كنتيجة إلى ممارسة وظيفة (الحارس) للسلطة السياسية وسلطة الثروات عبر مصادرتها سلطة (العدالة) على بنود يقينياتها كحالة طارئة على المشهد الثوري، أيضاً بتجاوز منظومة (الحق) عبر ديناميات الخداع والتلاعب بمفاهيم العدالة الانتقالية وممارسة العرف السوداني كمخالصة (للتسوية)، وبالتالي فهي متصور سياسي يتم تصنيفه كجماعة ضغط، ولكن تناقضها محاولاتها الارتقاء إلى السلطة حتى لو جاءت مدفوعة..

ولا جدوى الآن من مقاربة الواقع السياسي بعتاد وعدة مستنفدة من خلال سلطة رمزية طارئة مثلتها قحت بمؤسسات لعبت دوراً في التعمية أو عبر آليات مارست فعلها بامتياز، أفضت إلى تقهقر ثوري وتراجعات خطيرة على مستوى تأسيس منظومة الحق والحقيقة، أسهمت في إنتاج وإطلاق أسوأ السلطات في مسار التغيير الثوري الحاضر، فالتسوية قدمت لحركة التغيير جميلاً عظيماً هو أنها أفضت على يد (حراسها) أنفسهم، إلى لفت العقل السياسي لحركة التغيير (لوضع) مشروعية قحت وشرعية وجودها نفسها (في الطاولة)، بعد أن ساهمت أبنيتها المعيقة في التأسيس (لاستراتيجية خلط الأوراق) في 25 أكتوبر، إلى ركوب حركة التغيير الثورية صهوة الجواد فكسبت سباق (السياسة) المنطلق في لحظة 19 ديسمبر، والذي أفضى إلى انطلاقة مميزة كسب فيها معركته الدستورية الهامة بتأسيس منظومة الحقيقة تاريخياً بإبعاد بيروقراطية الجيش عن الشأن السياسي، كمأزق بنائي أسسه (المدنيون) عند افتتاح دولتهم عشية الاستقلال، وتجاهد قحت عبر تسويتها لاستعادته لحماية سلطتها وإن كانت منزوعة الشرعية والمشروعية.

ولا ينبغي هنا نسيان وجه من وجوه الخديعة، أن قحت قدمت نفسها نقيضاً للعسكر.. دولة (رئيس الوزراء) مقابل دولة (الجنرال)، غير أن السلطة بوصفها منظومة الحق لم تتغير، وكذا علاقاتها بالأشياء والأحداث والأفعال، لأن مفهوم التسوية هو مفهوم يعاد تحويله وتشكيله باستمرار، وبالتالي الثورة الفكرية التي تستعر الآن هي ثورة التغيير على ذاته والذي تم تشكيله على عجل في 2019، والتي مثلتها (مشروعية قحت الطقوسية الرمزية) وارتكازها التقليدي (الجيش).

كانت (صدمة) التسوية الأولى هي المدخل للتغيير، وتحولت العملية الثورية برمتها الآن إلى تغيير (مفهوم) التغيير نفسه، والتي تنبئ بصورة قاطعة/ حاسمة عن ميلاد العقل السياسي المؤسس لسلطته والتاريخ، الآن تم إسدال ستار المسرح عن عبث قرن كامل من تاريخ الحركة السياسية السودانية عملت باستمرار جهدها لتضييق منظومة الحقيقة وأنظمة الحق.

تاريخ الخبر: 2022-10-29 00:23:14
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

أضرار لقاح "أسترازينيكا" تسائل آيت الطالب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:17
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:20
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية