المرأة المصرية كيف تتخلص من بقايا الماضي؟..نشر بتاريخ 1972/1/23
المرأة المصرية كيف تتخلص من بقايا الماضي؟..نشر بتاريخ 1972/1/23
مع نهاية القرن العشرين, ومع عصر التكنولوجيا والعلم الحديث, مازالت بقايا التمسك بالأفكار والعادات العقيمة معيبا ويدعو أحيانا إلي السخرية منا.. والغريب أن التعليم والتقدم الفكري لم يستطع بعد أن يلغي الأفكار والعادات والتقاليد التي لا تتمشي مع الفكر السليم.. فأغلب العادات والتقاليد والأفكار والخرافات أحيانا تنتشر بين المتعلمات, ويقومون بها دون وعي أو تفكير أو مراجعة للنفس ووضع حد لها..
وأول العادات والتقاليد التي تتمسك بها وتتمسك المرأة المصرية, ما تعودنا علي القيام به في الأعياد.. العيد في البيوت المصرية معناه أنواع معينة من الأكلات, والحلوي, وملابس جديدة, وزيارات للأقارب والجيران.. عادات التمسك بعمل الكعك وأنواع البسكويت والصواني, وأكل البيض والفسيخ والبصل وورق العنب في عيد شم النسيم وأكل القلقاس والقصب والبرتقال واليوسفي في عيد الغطاس مثلا..
وعادات شراء الملابس الجديدة في العيد, رغم أن كل أسرة يجب أن تخطط ميزانية معينة لبند الملابس لأفراد الأسرة في موسم الصيف وموسم الشتاء.
* وعادات الذهاب إلي المقابر في الأعياد لزيارة الموتي وتوزيع المأكولات علي الفقراء.. والواقع أن المقابر أصبحت تمتلئ بالأفراد والمتخصصين في الحصول علي هذه المأكولات وبيعها للآخرين..
لم تسأل أي سيدة مصرية نفسها أبدا ما معني الذهاب إلي المقابر, وما معني أو الغرض من زيارتها في الأعياد.. هل يشعر الميت بهذه الزيارة؟.. هل يستفيد الفقراء فعلا مما يوزع داخل المقابر.. ومهما كانت السيدة متعلمة ومثقفة, فهي تهز كتفيها وترفض مناقشة هذه التقاليد, مكتفية بأنها لا تستطيع أن تتخلف عن الذهاب إلي المقابر, وأن الأقارب كلهم يفعلون ذلك, فلماذا تشذ هي عنهم.
وعادات التفاؤل والتشاؤم بعبارات أو وجوه أو أحداث معينة مازالت راسخة في الأذهان, وما زادت تسيطر علي العقول.. فكثيرون منا يشعرون بالخوف والقلق طوال اليوم, لأن إحدي عيونهم رفت, وهذا معناه أن شيئا غير مرغوب فيه سوف يحدث.. أو يتشاءمون لأنهم شاهدوا قطة سوداء في الصباح أو لأن كوبا أفلت من بين أصابعها فانكسر, أو لأن غرابا أصدر أصواته فوق منازلهم أو رؤوسهم ويرددون في صوت خفيض.. اللهم اجعله خير.
وعادات عمل عروسة من الورق وملئها بالدبابيس من عيون كل الأفراد الذين يعتقد الشخص أنهم شاهدوا الشيء وحسدوه, ثم القيام بحرق هذه العروسة في النهاية.. مثل هذه العادات شاهدت أما جامعية تقوم بعملها لتقي ابنتها الطفلة الجميلة من عيون الحاسدين الذين شاهدوها وتسببوا بعيونهم الحاسدة في مرضها, وحين حاولت مناقشتها في جدوي عمل هذه العروسة وتخريمها ثم حرقها, فنظرت إلي مستنكرة أول الأمر ثم متسائلة.. وفي النهاية وجدتها غير قادرة علي أن تعطي تفسيرا منطقيا لمثل هذا العمل, سوي أن الكبار وذوي الخبرة قبلنا يفعلون ذلك.
أما أبواب الحظ التي مازالت تحتل الجرائد والمجلات, فهي طبقا للإحصائيات التي أجريت في الخارج وداخل بعض الجرائد المصرية, أهم الأبواب التي تلقي رواجا وإقبالا من القراء.. وحين سأل البعض عن أسباب قراءة أبواب الحظ, قال البعض إن قراءتها للتسلية فقط, أما البعض الآخر فأكد أنه يؤمن بقراءة باب الحظ.. فهو إذا وجد أن صفقة رابحة سوف تعقدها هي حظه في ذلك اليوم, سعي بكل الطرق إلي تحقيق هذه النبوءة. وإذا كان خسارة مادية كبيرة وغير متوقعة, هي كلمات الحظ, ظل طوال اليوم قلقا, يخشي حدوث هذه الخسارة المادية.. ورغم أن أغلب نبوءات أبواب الحظ لا تحدث مطلقا إلا أن المؤمنين ينسون ذلك تماما, ويتابعون حظوظهم في يومهم الجديد, ويتأثرون بها ويصدقونها..
حتي أعمال الشعوذة والدجالين تجد لها سوقا رائجة بين بعض المتعلمات والمثقفات اللواتي يلجأن إليهم لاستعادة زوج, أو الحصول علي زوج, أو العلاج من العقم والحصول علي طفل أو لإيذاء فرد يكرهونه.. وكثير من الحوادث التي نقرأها في الصحف عن الدجالين, نكتشف من بين ضحاياها عددا من المتعلمين والمثقفين..
ويقول علماء النفس إن مثل هذه العادات والتقاليد والاعتقادات تكون من القوة والرسوخ بحيث يصعب التخلص منها.. وأن الفرد قد يرفضها بعقله وتفكيره, ولكنه عمليا وعاطفيا يرتبط بها ولا يستطيع التخلص منها, حتي لو أراد ذلك.. إنه يجد نفسه منساقا إلي التأثر دون وعي أو أرادة..
ولكن العلم يؤكد أن مثل هذه الأفكار لا تتلاءم مع العصر الحديث, ولا تتمشي مع المنطق السليم.. والأخطر من كل ذلك أن هذه الأفكار والعادات تعوق التقدم في كثير من الأحيان, وقد تؤدي إلي رفض بعض الأفكار العلمية التي تتعارض معها.
ولقد ظلت المرأة المصرية تعاني وتخضع لهذه الأفكار والعادات, وظلت سنوات متهمة بالعاطفية وعدم الخضوع للمنطق وللتفكير العقلي السليم.. وقد آن الأوان لأن نفكر مرة ومرات قبل أن نقدم علي عمل ما, حتي لا تسيطر علي أعمالنا وتصرفاتنا هذه الأوهام والخرافات التي لم تعد تتناسب مع الفتاة المتعلمة التي تعيش في نهاية القرن العشرين..