الدروس الخصوصية: تقنين المراكز التعليمية الخاصة في مصر بين مؤيد ومعارض

صدر الصورة، Getty Images

لا يزال الجدل دائرا في مصر بشأن إعلان وزير التربية والتعليم عن مقترح لتقنين مراكز الدروس الخصوصية، التي زاد الإقبال عليها بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة.

حتى وقت قريب، كانت السلطات تحارب وتجرم مراكز الدروس الخصوصية - أو ما يعرف بـ "السناتر" التعليمية - وتسعى للقضاء على هذه الظاهرة لمنع تعرض "الطلاب وأولياء الأمور للاستغلال"، ولضبط العملية التعليمية، بحسب ما ذكر مسؤولون في بداية العام الدراسي الحالي.

وقد ناقش مجلسا النواب والشيوخ في مصر هذا الأسبوع المقترح الذي قدمه وزير التربية والتعليم في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأعلن من خلاله أن الوزارة تدرس تقنين مراكز الدروس الخصوصية.

وقال حجازي: "أعلم جيدا أن الدروس الخصوصية تضع عبئا ثقيلا على كاهل الأسر المصرية، وتجهد الأسر بنحو 47 مليار جنيه، لا تراها الدولة ولا الوزارة".

  • التعليم في مصر: هل يسد المتطوعون العجز في عدد معلمي المدارس؟

لكن هذا الإعلان أثار عدة مخاوف بين كثير من أولياء الأمور، والمعلمين، ومختصين في مجال التربية والتعليم، فضلا عن عدد من نواب مجلسي البرلمان والشيوخ، الذين طالبوا بحضور الوزير لاستجوابه بشأن ذلك المقترح.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • لعبة الموت: تحذيرات وغضب من خطر تحدي "كتم الأنفاس" على حياة الطلاب
  • وفاة الطفلة بسملة تثير غضبا عارما في مصر ودعوات لسن قوانين أكثر صرامة لحماية الأطفال
  • روسيا وأوكرانيا: هل تعمل موسكو على "غسل أدمغة" الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرتها؟
  • نتائج الثانوية: "غش عائلي" يثير جدلا في مصر

قصص مقترحة نهاية

فكثيرون يرون في تلك الخطوة - إن تم تنفيذها - تخليا من الحكومة عن دورها في دعم وضبط المدارس الحكومية والتعليم النظامي فيها، وعن القيام بدورها في "إدارة وتقديم الخدمة التعليمية"، ما قد يحول التعليم إلى سلعة لا يقدر على شرائها إلا من يملك المال اللازم لها.

"ضغوط مالية على أولياء الأمور"

انتقدت عضوة مجلس النواب المصري ريهام عبد النبي، في حديثها لبي بي سي، هذه الفكرة واعتبرت أنها تزيد من "الضغوط المالية على أولياء الأمور".

صدر الصورة، Getty Images

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

وأضافت بالقول إن تقنين مثل هذه المراكز التعليمية الخاصة والاتفاق مع شركات لإدارتها "سيضع الأسر تحت رحمتها".

ويقول محمد عامر، وهو أحد معلمي اللغة العربية بمدرسة حكومية في محافظة الجيزة، لبي بي سي إن هذه المراكز التعليمية الخاصة "تنهي دور المدرسة؛ فبعض المعلمين سيقدمون مادة علمية متواضعة في المدرسة لأنهم سيعتمدون بعد ذلك على الدروس الخاصة خارج أسوارها".

كما تقدم علاء عصام، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بطلب إحاطة لرئيس المجلس بشأن تصريحات مسؤولي وزارة التربية والتعليم بشأن تقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية.

وقال عصام في خطابه لرئيس المجلس: "هل من الأفضل تقنين مراکز دروس خصوصيه تعلم الطلاب الحفظ والتلقين، أم انتظام العملية الدراسية التي تهتم بالرياضة والثقافة وتنمية المهارات وتربية النشء؟".

وأضاف: "نحن أمام أزمة كبيرة في التعليم، ويجب أن تكون المدرسة هي المكان الأساسي للتعلم والذي نضمن من خلاله بناء جيل قادر علي تنفيذ استراتيجية الدولة في التنمية والتقدم".

وكان من بين أبرز المنتقدين لهذا المقترح الحكومي أيضا الإعلامي عمرو أديب، الذي قال عبر برنامج يقدمه عبر فضائية إم بي سي الخاصة، إن وزير التعليم أعلن "استسلام الحكومة المصرية للدروس الخصوصية،" وأضاف: "لم تكن هناك مقاومة كبيرة لهذا الكلام... منذ عام كان هناك وزير يغلق هذه المراكز".

وتهكم أديب من قول الوزير إن هذا الأمر سيخفف من الأعباء على أولياء الأمور، متسائلا "لماذا تبقى أبواب المدارس مفتوحة؟! فلتغلقوها إذا".

أما بعض أصحاب مراكز الدورس الخصوصية فيتشككون في إمكانية إخضاعها للتقنين بشكل كامل، نظرا لكثرة عددها وانتشارها الواسع في ربوع مصر، واعتماد كثير من الطلبة وأولياء الأمور عليها.

ويقول وليد، وهو صاحب أحد مراكز التعليم الخاصة في القاهرة، لبي بي سي، إن الأمر لن يكون سهلا، لكنه يؤيد الإشراف التربوي الكامل على مثل هذه المراكز "من أجل إبعاد غير المتخصصين" عنها.

ويضيف قائلا: "هذا هو الحل، لأن التعليم مجال له أهمية خاصة وكيان خاص".

صدر الصورة، Getty Images

خطوة في الطريق الصحيح

لكن عاصم حجازي، الأستاذ في كلية التربية بجامعة القاهرة، أشاد في حديثه لبي بي سي بهذا المقترح، وقال: "وزارة التربية والتعليم في هذا الوضع سيكون لها الحق في الإشراف والمحاسبة والتقييم".

وأضاف قائلا: "الواقع العملي يفرض نفسه على البلد، وبالتالي يجب أن نتصرف من خلال عملية التقنين هذه" لمراكز الدروس الخصوصية.

وليس هناك تقدير محدد لعدد مراكز الدروس الخصوصية في مصر، لكن بعض الصحف المحلية أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 إغلاق ما يقرب من 100 ألف مركز خلال ذلك العام.

أما عصام حسين، وهو مدرس فيزياء في محافظة القاهرة، فيقول لبي بي سي إنه يوافق على هذه الخطوة، لكن بشروط.

ويرى حسين أن من يملك أي مركز تعليمي خاص "يجب أن يكون متخصصا، أو تربويا. فهناك مالكون لهذه المراكز يأتون بالمدرس الذي يستطيع أن يجلب أكبر عدد من الطلاب بأي وسيلة. ولذا، فهذه المراكز يجب أن تكون مقننة".

وطالب حسين بمراقبة ما يقدمه المعلم في المدرسة أثناء اليوم الدراسي، لأن هناك بعض المعلمين يوفرون مجهودهم صباحا حتى يتمكنوا من إعطاء الدروس الخصوصية في باقي اليوم، وفقا لقوله.

وأردف قائلا: "هذه المراكز ستزيد من فرص المدرسين المجتهدين، وطالما أن هناك إشرافا تربويا، فهذا مكسب للطالب وللعملية التعليمية".

التعليق على الصورة،

يوجد في مصر الآلاف من مراكز الدروس الخصوصية التي كانت تغلقها السلطات حتى وقت قريب

وتعاني العملية التعليمية في مصر، خاصة في مرحلة ما قبل الجامعة، من مشكلات عديدة من بينها اعتماد أغلب طلاب الثانوية العامة بصورة كبيرة على تلك المراكز الخاصة، في مقابل الغياب عن صفوف الدراسة في المدارس الحكومية.

وفيما يراه البعض "تراجعا" عن البدء في تنفيذ هذا المقترح، قال وزير التعليم المصري فى اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب الثلاثاء، في حضور عدد من عمداء كليات التربية، إن قصده من طرح هذه الفكرة كان لبدء حوار مجتمعي حولها.

وقال الوزير إن الدروس الخصوصية "أمر واقع منذ عقود، وهي عرض لمرض، وعلينا معالجة المرض". وأكد أن طرحه حول تقنين مراكز الدروس الخصوصية هو مقترح وليس قرارا للتنفيذ الفوري.

وأضاف الوزير: "المدرسة هي المكان الطبيعي للتعليم والتعلم؛ والتي يتم فيها تنفيذ جميع الأنشطة التعليمية".

وربما هذا ما يريد أن يسمعه كثيرون من أولياء الأمور من أجل تهدئة مخاوفهم من أن يتراجع الدعم الحكومي للمدارس العامة والتعليم النظامي، في ظل أعباء اقتصادية متزايدة.