بمناسبة الذكرى السادسة والستين لتأسيسها شهر مايو/أيار المنصرم بعث العاهل المغربي محمد السادس برسالة إلى قواته المسلَّحة أعلن فيها عزم بلاده "إعطاء الأولوية للدفع قدماً بمخطط تجهيز وتطوير القوات المسلحة الملكية"، ذلك عبر برنامج يرتكز على "توطين الصناعات العسكرية وتنمية البحث العلمي".

فيما هو ذا المسار الذي قررت المملكة السير فيه خلال السنوات الأخيرة، إذ تعتزم تخفيض كلفة صادراتها العسكرية وتعزيز سيادتها في ميدان السلاح، بدخول نادي الدول المصنعة له. وهو ما حضَّرت له عبر سن قوانين تؤطر هذا القطاع الصناعي الجديد، وكذلك برصد أرصدة مالية ضخمة لتطويره.

وشهد قانون الموازنة المغربي الجديد للسنة السابعة زيادة ملحوظة في الميزانية المرصودة للدفاع. ما ربطه الوزير المكلف، عبد اللطيف لوديي، بحاجة الصناعات العسكرية إلى تمويل ضخم، وأعلن إنتاج بلاده أولى المُسيرات العسكرية الحربية.

ميزانية الدفاع المغربي الضخمة

مستوى قياسي جديد تسجله ميزانية الدفاع المغربية، حيث بلغت حدود 17 مليار دولار برسم قانون المالية لسنة 2023. سيخصص منها غلاف 5.7 مليار دولار كاعتمادات أداء لإدارة الدفاع الوطني، "من أجل تغطية خدمة الدين العسكري وأداء المستحقات المترتبة عن العقود طويلة المدى على مستوى الإنجاز"، حسبما أوضح تقرير لجنة الخارجية والدفاع الوطني بالبرلمان المغربي.

بينما حصة الأسد من ميزانية الدفاع المغربي رصدت تحت بند "اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم وتطوير صناعة الدفاع"، التي خصص لها غلاف مالي قدر بـ11.2 مليار دولار. أي بزيادة ناهزت 47 مليون دولار عن قانون الموازنة برسم السنة الماضية.

بالمقابل هي المرة السادسة في ظرف سبع سنوات التي تسجل فيها هذه الميزانية زيادة ملحوظة. حيث انتقلت من 5.21 مليار دولار (بالسعر الحالي لصرف الدرهم المغربي) في قانون مالية سنة 2016، إلى 10.23 مليار دولار في مشروع قانون مالية سنة 2020، أي ما يفوق الضعف خلال أربع سنوات. ثم استقر سنة 2021 بانخفاض طفيف بلغت قيمته 330 ألف دولار.

وعاودت ميزانية تسليح وإصلاح معدات الجيش المغربي للارتفاع في سنة 2022، إذ خُصّص لها غلاف مالي بقدر 10.80 مليار دولار، بارتفاع بلغ قدرة 610 ملايين دولار عن الميزانية السابقة لسنة 2021.

أسلحة "صنع في المغرب"

من جانبه عزا عبد اللطيف لوديي الوزير المكلف إدارة الدفاع الوطني المغربي خلال اجتماع اللجنة البرلمانية هذه الزيادة في ميزانية 2023 إلى اتجاه الدولة نحو الصناعات الدفاعية، معلناً أن بعض الأنشطة الصناعية في هذا المجال بدأ بالفعل، منها "صناعة الأسلحة والذخائر وصناعة الطائرات المسيرة القادرة على أداء مهام الاستخبارات والاستطلاع والهجمات المسلحة وصيانة الطائرات العسكرية".

وأوضح الوزير أن المغرب يسعى من خلال هذه الإجراءات إلى "حث الشركات الدولية على إنجاز مشاريع استثمارية بالمغرب، وذلك في إطار التزاماتها التعاقدية بخصوص الصفقات المبرمة معها" لشراء أسلحة ومعدات عسكرية.

وفي سياق هذه الإجراءات التي جرى تطبيقها من أجل تمكين البلاد من دخول نادي الدول المصنعة للسلاح، دخل القانون المنظم للصناعات العسكرية حيز التنفيذ في أغسطس/آب المنصرم. والذي بموجبه يجري تنظيم صناعة الأسلحة وفتح الباب للشركات المتخصصة لاستيراد وتصدير المعدات العسكرية تحت وصاية لجنة مختصة لـ"العتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة".

مُسيرات وصواريخ جو-جو

وفقاً لما صرح به الخبير الأمني محمد شقير في حديثه لأسبوعية "الأيام" المغربية فإن المغرب منذ 2017 وهو يسعى لـ"توطين الصناعات العسكرية" على أرضه، ليصبح "قوة صناعية بالمجال الحربي على غرار دول إسلامية كباكستان". وأضاف شقير أن هذه المساعي "ترتبط برغبة المغرب في تقليل كلفة استيراد الأسلحة، بخاصة قطع الغيار والأسلحة الخفيفة".

في ذات السياق كشف الخبير المغربي أن المملكة "تراهن على نوع خاص من التصنيع العسكري الذي يتمثل في الطائرات بدون طيار (...) إلى جانب تطوير بعض أنواع الطائرات المقاتلة كـF5 وF16، وكذلك بصدد تصنيع صاروخ جو-جو قصير المدى".

ويرتكز المغرب بشكل أساسي في تطوير صناعاته العسكرية على الشراكات التي يربطها مع دول متقدمة في هذا المجال.

وحسب مصادر محلية فإن الطائرات بدون طيار التي سيستغرق تصنيعها في المغرب عدة أشهر ستعمل على أداء مهمتين أساسيتين: الهجوم والاستطلاع. مبرزة أن من شأن هذا المشروع أن يجعل من المغرب أول دول قارة إفريقيا بإنتاج طائرات بدون طيار. كما سيجري بناء أنظمة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لتسليح الجيش المغربي بتقنيات جديدة أكثر حداثة، وفق ما كشفت عنه في وقت سابق مجلة "أتالايار" الإسبانية.

من ناحية أخرى، في أبريل/نيسان الماضي وقعت الحكومة المغربية مع شركة "لوكاهيد مارتن" الأمريكية اتفاقاً بإنشاء وحدة صناعية في القاعدة الجوية بن سليمان غرب المملكة. والتي ستمتد مساحتها إلى 15 ألف متر مربع، وستنفذ عمليات صيانة وتطوير وإعادة بناء مقاتلات F16 وC130 هيركوليس الأمريكية.

كما أعلن الفرع المغربي للشركة البلجيكية "Sabca"، المتخصص في الصناعات الجوية، عن إنشاء مصنع جديد بمنطقة النواصر، والذي سيعمل على تجميع هياكل الطائرات، منها مقاتلات شركة "داسو" الفرنسية.

TRT عربي