أعادت عملية القدس المزدوجة، الأربعاء، إلى أذهان الكثير من الإسرائيليين مشاهد التفجيرات التي غابت لسنوات طويلة ولا يريدون أن تتكرر من جديد.

فعلى مدى سنوات طويلة هاجم فلسطينيون أهدافاً إسرائيلية بعمليات طعن ودهس وإطلاق نار ورشق بالحجارة كرد فعل على الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية، لكن المشاهد الأكثر إيلاماً للإسرائيليين هي عمليات تفجير الحافلات والمراكز التجارية التي تكاد تكون قد اختفت كلياً منذ أكثر من 15 عاماً.

وأدى دوي انفجارين كبيرين في القدس الغربية بالتزامن مع دوي صافرات سيارات الإسعاف والشرطة إلى إثارة صدمات قديمة في نفوس كثير من الإسرائيليين.

وكان إسرائيلي واحد قد قُتل وأصيب 19، بينهم 3 إصاباتهم خطيرة بعد انفجار عبوة ناسفة قرب موقف للحافلات في حي جفعات شاؤول، قبل انفجار مماثل في حي راموت.

وقال روني شاكيد، الخبير والمحلل الأمني والباحث في الجامعة العبرية بالقدس: "ما جرى تسبب بحالة من الخوف في إسرائيل من أن عمليات التفجير قد عادت".

وأضاف شاكيد للأناضول: "الناس يخشون عودة تفجيرات الحافلات والمراكز التجارية"، مشيراً إلى أن "العمليات ليست بالأمر الجديد، فعلى مدى السنوات الماضية وقعت عمليات دهس وطعن وإطلاق نار".

وأضاف: "الجديد هو عودة التفجيرات من ناحية ومن ناحية أخرى قرب تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل".

وأشار شاكيد إلى مخاوف من تدحرج الأمور إلى ما لا يريده الطرفان إذا ما اشتدت العمليات بالتزامن مع تصاعد التصريحات اليمينية المتشددة في إسرائيل.

وتابع: "الجو الحالي مشحون جداً، الأصوات اليمينية المتشددة تتعالى وهناك دعوات فلسطينية لتصعيد العمليات، وهذا ما ينعكس بنفسه على الأجواء السياسية بشكل عام".

أجواء مشحونة

وعلى مدى سنوات طويلة غطى روني شاكيد الأحداث في الأراضي الفلسطينية، ومن بينها الانتفاضتان الأولى والثانية، لصالح وسائل إعلام إسرائيلية.

وقال شاكيد: "لم يسبق لي أن شاهدت اجتماعاً للحكومة الإسرائيلية بحضور أجهزة الأمن بعد عملية كهذه كما حدث اليوم (الأربعاء)".

وأضاف: "هكذا اجتماعات حكومية كانت تُعقد بعد عمليات صعبة جداً يموت فيها العشرات".

وتابع: "أعتقد أن الجو العام فرض عقد مثل هذا الاجتماع وفي نهاية الأمر فإن الحكومات تتغير، لكن الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) لا يتغيرون وهم، سواء في الماضي أو الآن وغداً، سيسعون إلى منع عمليات".

ورأى شاكيد أن "التصريحات العنيفة من كلا الجانبين والتهويل الإعلامي يخلق أجواء مشحونة ستكون لها انعكاساتها الخطيرة على الطرفين".

وقال: "التصريحات الشديدة تخلق توقعات وهو ما سيفرض على الحكومة اتخاذ إجراءات، فماذا يريد الناس من الحكومة؟ إطلاق عملية عسكرية أو فرض إغلاق كامل على الضفة الغربية؟"

وأضاف: "كما هو معلوم فإن الحل السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين غير ممكن حالياً، لكن في الوقت نفسه فإن التشديد يولّد الانفجار، وعلى كلا الطرفين التعامل مع الأمور بحكمة".

بصمات جديدة

وأظهرت تحقيقات أولية في الانفجارين أنه جرى استخدام عبوتين ناسفتين في الهجوم فُجّرتا عن بُعد.

وفي حين أن هجمات الانتفاضة الثانية كانت تنفذ من أشخاص يفجرون عبوات ناسفة على أجسادهم في الحافلات والمقاهي والمراكز التجارية، فإن هذه العبوات جرى تفجيرها عن بُعد.

وقالت صحيفة جيروزاليم بوست: "كانت القنبلة الموضوعة في موقع الهجوم الأول في القدس صباح الأربعاء قوية تحتوي على متفجرات ومسامير معدنية سوداء لزيادة الأضرار".

من جهتها قالت صحيفة "هآرتس": "يحمل التفجير المزدوج الذي وقع في القدس يوم الأربعاء بصمات خلية عدائية ماهرة نسبياً".

وأضافت: "كان على شخص ما أن يخطط للهجوم مسبقاً: جمع المعلومات الاستخبارية، وإعداد القنابل، ووضعها في محطات حافلات منفصلة، والمغادرة دون أن يجري القبض عليه، ثم تفعيل الأجهزة عن بُعد في غضون فترة زمنية قصيرة".

وأشار المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل، إلى أن "هذا ليس عملاً عدائياً منفرداً، ومن المشكوك فيه أن هذا عمل مجموعة محلية جديدة مثل عرين الأسود في نابلس".

وأضاف: "ولن تكون مفاجأة إذا تبين أنها خلية من القدس الشرقية، لعوامل مثل حرية التنقل والإلمام بالمواقع المستهدفة، والتي ربما تلقت مساعدات ودعماً مالياً من جهات أخرى".

وقال هارئيل: "الانفجاران أثارا ذكريات قديمة مؤلمة، ففي العقود العديدة الماضية لم تكن هناك حوادث مؤلمة للإسرائيليين مثل تفجير الحافلات أثناء الانتفاضة الثانية".

سؤال كبير

من جهته كتب نير حسون، المحلل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "كادت القدس أن تنسى المناظر التي شوهدت صباح الأربعاء في موقع الهجمات عند مدخل القدس".

وأضاف حسون: "يتجول ضباط شرطة من فرقة المتفجرات بحثاً عن بقايا القنابل والدراجات المحطمة وشظايا الزجاج والصخور المنتشرة على مساحة كبيرة، والاختناقات المرورية الضخمة بسبب إغلاق الطرق المؤدية إلى المدينة".

وأردف: "ليس الأمر أن إسرائيل قد نسيت حقاً ماهية الهجمات العدائية، فقد وقعت عشرات من هذه الهجمات بالقدس في السنوات الأخيرة، لكن لم يكن أي منها مثل هذا الهجوم، لا في الوسائل أو الموقع أو الضحايا".

وتابع: "كسرت هجمات هذا الصباح كل تلك القواعد، هجوم جهنمي متكامل على الطرف الغربي من القدس بالمتفجرات، التي يتضح أنها جرى تفجيرها عن بُعد، دون انتحاري".

ولفت إلى أنه "بالنسبة إلى معظم المقدسيين البالغين، فإن مشاهد صباح الأربعاء تذكرهم بفترات أخرى، الانتفاضة الثانية، فترة الخوف في القدس".

وقال: "خلال ذلك الوقت كانت هناك قاعدة معروفة في القدس مفادها أنه إذا سمعت ثلاث صفارات متتالية من سيارات الإسعاف، فقد حدث هجوم عدائي وتحتاج إلى البدء في التحقق من مكان عائلتك".

وأضاف: "في الغالب، كانت عمليات انتحارية أسفرت عن إصابات جماعية في حافلة أو في مقهى".

وتابع حسون: "السؤال الكبير الذي حلّق فوق القدس هذا الصباح هو ما إذا كانت هذه مجرد بداية عهد جديد بهجمات عدائية فضلنا نسيانها؟ هل نحن في بداية موجة جديدة؟".

ماذا تقول الشرطة؟

وقال المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي إن التفجيرين اللذين وقعا في القدس الغربية صباح الأربعاء "لا مثيل لهما" منذ سنوات عديدة.

وأضاف شبتاي في بيان: "هذا الصباح ليس سهلاً، هجوم إرهابي كهذا لم يحدث منذ سنوات عديدة، هجومان متتاليان"، على حد تعبيره.

واستناداً إلى بيانات الشرطة، وقع تفجير أول بعبوة ناسفة قرب محطة للحافلات قرب بلدة "جفعات شاؤول" قبل تفجير آخر بعبوة ناسفة أيضاً في راموت بالقدس الغربية أيضاً.

وقالت الشرطة في بيان: "وفق مصادر طبية أصيب خلال الهجومين 19 شخصاً، بينهم 4 في حالة خطيرة، و1 في حالة متوسطة، و10 في حالة خفيفة، و4 من مصابي الهلع".

وأضافت: "للأسف الشديد جرى تحديد وفاة أحد الجرحى بعد وقت قصير من نقله إلى المستشفى".

وبعد تفقده لموقع الانفجار قال المفوض العام للشرطة الإسرائيلية شبتاي يعقوب: "نعمل الآن من أجل منع انفجار آخر".

TRT عربي - وكالات