الشاعر سامح درويش المولود ببورسعيد والمقيم بها والذي كانت رحلاته أشبه بتجوال طائر مالك الحزين، حط في مدن البحر، لتنتقل للإسكندرية ويلتقط كثير من خصوصيات البحث الفلسفي والشعري في قصيدة نثر الفصحى والعامية. 

أصدر أكثر من خمسة عشر ديواناً عن الترحال والهجرة وصوت تلاطم الأمواج الذي صنع أسطورته الخاصة في عمق الدلالة والتأوييل المفرط ليقدم شهاداته عن الهجرة والغربة في فضاءات التغريب، تم تكريمه أكثر من سبعة مرات من جهات مصرية وعربية، تحدث للدستور فى هذا الحوار.

بعد خمسين عاما من رحلتك مع الشعر والأدب، تقول عن البدايات؟ 

  بدأت فى بورسعيد، كان أبي أستاذا للغة العربية ويمتلك مكتبة جيدة امتدت إليها يدي وأنا صغير، وأذكر  كتاب المدرسة ( المنتخب من أدب العرب )، ثم المدرسة التى لازلت أذكر مكتبتها و أتذكر أستاذا للغة العربية بالإعدادية تعهدني لما رأى اهتمامى بالأدب العربي والشعر، علمني عروضه وتولاني بالنصح وكان عمري ثلاثة عشر عاما، وجاء الميلاد الثاني وبداية النضج بالإسكندرية التي كنت طالبا بجامعتها بعد تهجير أهالي بورسعيد خلال حرب الاستنزاف عام 1969، التقيت أستاذي شاعر الإسكندرية الكبير عبد المنعم الانصاري الذي كان متحمسا لي ومشجعا وقدمنى إلى المحافل والمنتديات الأدبية.

- حدثنا عن رحلة الشعر والعيش مابين الإسكندرية / بورسعيد؟

لن انسى أن الإسكندرية كانت تتحول إلى العاصمة الحياتية والشعرية في الصيف، فكان الانصاري يصحبني معه إلى مقهى بترو لندوة توفيق الحكيم حيث التقيت وجالست العظماء، الحكيم، نجيب محفوظ وحسين فوزي وغيرهم، نشرت أول أعمالي بمجلة زهور الملحق الادبي لمجلة الهلال وكان يرأس تحريرها الشاعر صالح جودت وكنت طالبا بالجامعة في بداية عام 1973، وبدأ إذاعة قصائدي عبر الأثير  بصوت الشاعر فاروق شوشة، ثم جاءت فترة عملي بالجزائر بعد التخرج لتضيف أبعادا جديدة ورؤى مختلفة.

_  بعد 9 أعمال شعرية تنحو صوب قصيدة النثر في لغة ما بعد الحداثة،أين انت من خارطة الشعراء والمثقفين وخاصة و أن كبار النقاد قد تناولوا أعمالك ·؟

 لست بعيدا عن الحركة الشعرية والساحة الادبية لكن إن كان لحضوري القليل من أسباب فهو يعود لوجودي في بورسعيد بعيدا عن دائرة الضوء وصخب الحركة في القاهرة، كما أنني لا أجيد التزاحم بالأكتاف ولاأحب فرض نفسي على أحد وأترك الأمر لعملي الذي يفرض نفسه دون تدخل شخصي لأن هدفي من الكتابة أن يبقى عملي لأعيش بعد الموت · 

لاأستطيع أن اضع نفسي في مكان على خارطة الشعراء، أنا واحد من قافلة الشعراء التي بدأت بالمهلهل وامرئ القيس مرورا بأبي تمام والمتنبي ثم شوقي وصولا إلى نزار وعبد الصبور وحجازي ومن جاء بعدي، وأتمنى أن يبقى صوتي كما بقيت أصوات المجيدين من قبلي وأشكر من تناولوا شعري بالنقد لأن أهمية النقد هي تسليط الضوء على العمل الفني وتفسيره و تحليله ما يساعد على بقائه .

_ حدثنا عن اجواء السفر والارتباط بالبحر في شعرك وحياتك ومشوارك الوجودي؟ 

· من الصدف التي دبرها القدر لي أن يكون الميلاد في بورسعيد على شاطئ المتوسط ثم تهجيري وفترة الدراسة والميلاد الثاني في عروس البحر المتوسط، وذهابي للعمل طبيبا بالجزائر أيضا على شاطئ المتوسط،  فارتباطي بالبحر لم ينقطع وقد غنيت كثيرا لطائري الذي تقمصته وهو النورس فأصدرت ديوان ( عودة النورس ) و ديوان ( هكذا غنى النورس ) بجانب قصائدي المرتبطة بهذا الطائر الذي يذكرني بكروان العقاد. 

_ ماذا عن المشهد الثقافي في بورسعيد؟

 · قبل الحديث عن المشهد الثقافي في بورسعيد اود الحديث عن هذه المدينة الاستثناء كما سماها صديقنا الأديب الراحل قاسم عليوة، فقد حباها الله بموقع فريد في ملتقى ثلاث قارات، وكانت في فترة ليست بالبعيدة مدينة كوزموبوليتانية وشهدت خلال عمرها الصغير أحداثا لم تشهدها دول مما انعكس في تعدد الرؤى والثقافات لتجد في بورسعيد حركة ثرية لشعر العامية وسرد قصة والرواية، بجانب الحركة المسرحية النشطة لكن وجود شعر الفصحى للاسف محدود، ولاأريد الخوض في البحث عن الأسباب لكن هناك أصوات شعرية في شعر الفصحى متميزة على رأسها أحمد الأقطش.

_  في ظل الاستعداد لمؤتمر أدباء الاقاليم، ماهو المطلوب من فعالية تمثل عيدا لكل الكتاب وخاصة أنك كنت عضوا بالإمانة في دورة من دوراتها؟

  لاأستسيغ مسمى مؤتمر أدباء الأقاليم، هو مؤتمر أدباء مصر لأن الأول ليس له إلا مدلولا جغرافيا لكن لي تحفظ على المؤتمرات التي انعقدت أخيرا لانها تحولت لنوادي للادب في الاقاليم، مما جعل التمثيل فيها متفاوت المستوى و جلب كثير من الصراعات بعيدا عن القيم الابداعية الحقيقية، كذلك اتمنى أن يعاد النظر في لوائح نوادي الأدب لنبتعد بها عن العيوب التي تغلغلت فيها و جعلت كثير من الكتاب الحقيقيين يبتعدون عن المشهد .

_ فيما يخص مسألة الأجيال في الكتابة الروائية والشعرية، ماهو موقفك من هذه المسميات ولمن تنتمي؟ 

· مسألة تسمية الأجيال مرتبطة بمراحل زمنية وبداية ظهور الصوت وهي تسمية غير دقيقة ولا أرى لها داعيا، فالمبدع يتجاوز إبداعه ووجوده الزمن والأجيال مسميات لا معنى لها ولا دلالة و كما قلت انتمي لقافلة الشعراء التي بدأت منذ امرئ القيس ومن قبله وصولا إلى من هم أصغر مني، كلهم أحباب وأصدقاء وأساتذة لا أنسى أبدا في الشعر حامد البلاسي ومحمد صالح الخولاني، في القصة قاسم مسعد عليوة، في شعر العامية محمد عبد القادر.

_ ارتبطت بكثير من المثقفين، فمن الأقرب ابداعيا وإنسانيا لقلبك؟

  تربطني الآن في بورسعيد روابط مع مجموعة أطلقنا عليها صالون حديث الأربعاء لأنها تلتقي كل أربعاء، من الأساسيين الروائي السعيد صالح، القاص صلاح عساف، الشاعر أحمد الأقطش.

  _هل هناك تصور ما يخص سامح درويش عن الجوائز سواء مسألة المنح أوالمنع؟

  الجائزة بلا شك شئ جميل يسعد بها الفائز لكنها ليست غاية المراد لأنها تعتمد على اعتبارات كثيرة أهمها ذائقة لجنة التحكيم وتوجهاتها، ثانيا قد يتقدم المبدع للجائزة بعمل يعتبره من وجهة نظره الأفضل بينما لديه أفضل منه ، فهي عملية ملتبسة، أنت تعلم أن الكثير من الجوائز تمنح مجاملة والاعتبارات تغيرت لكن الاعتبار الرئيسي هو جودة العمل والاستحقاق .

من صاحب الفضل فى تقديمك لعالم الشعر والابداع؟

 • كثيرون لكني أدين بالفضل الكبير لشاعر الإسكندرية عبد المنعم الانصاري، أاستاذي صالح جودت أول من شجعني ونشر شعري، كما أدين بالكثير أيضا لصديقي وأستاذي الشاعر فاروق شوشة، وبفضل أستاذي وصديقي الناقد الدكتور يوسف نوفل الذي كتب عني وسلط الضوء على أعمالي.