تنظيم PKK (الإرهابي)، والذي تأسس عام 1974 كان يضع نُصب عينيه هدف إقامة دولة كردية على أراضٍ مقتطعة من أربع دول في المنطقة هي (تركيا – العراق – إيران – سورية)، بحجة غير حقيقية، وهي أن أراضٍ من هذه الدول هي أراضٍ كردية، تمّ إلحاقها بالدول الأربع في اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.

هذا التنظيم الإرهابي اختار منذ البداية العمل المسلح ضد الدولة التركية، بغية فصل منطقة الجنوب الشرقي من البلاد لصالح مشروعه، ولهذا بدأ يقوم بعمليات عسكرية ضد قوى الجيش والأمن في هذا البلد، اعتقاداً منه، إنه يستطيع تحقيق قاعدة ارتكاز له وسط الحاضنة الكردية في تركيا، هذه الحاضنة التي ترفض أن تنجرّ خلف أوهام سياسية قد تدمّر وجودها، ونسيجها الاجتماعي التاريخي.

عمليات تنظيم PKK ضد مؤسسات الدولة التركية دفع الأخيرة إلى محاربة هذا التنظيم ذي التوجهات الانفصالية، فهو تنظيمٌ يستخدم العنف المسلح غير المشروع وغير المبرر، وبالتالي تندرج أعماله ضمن مربع الأعمال الإرهابية، وقد تبنّت الولايات المتحدة وتركيا وعددٌ آخر من الدول الغربية تصنيف هذا التنظيم بأنه ليس حزباً سياسياً، بل تنظيما وميليشيا إرهابية تستخدم العنف غير المبرر لتحقيق أهدافها، ووضع بناء على ذلك على قوائم الإرهاب الدولية.

تركيا أعلنت الحرب على هذا التنظيم الإرهابي، وطاردته على أراضيها، لكنه اتخذ من أقصى الشمال العراقي القريب من الحدود التركية والسورية (جبال قنديل) أوكاراً له، محتمياً بوعورة المنطقة، ليجعل أوكاره قاعدة انطلاق لشن عملياته الإرهابية على تركيا؟

التنظيم الإرهابي لم يكتف بنشاطاته في تركيا، بل دفع إلى تشكيل ذراع سورية له تعرف اختصاراً بـ PYD، والذي أنشأ بأوامر من التنظيم الإرهابي الأم (PKK)، وهي ميليشيا تحمل السلاح من أجل ذات الهدف الذي يسعى لتحقيقه تنظيم PKK الإرهابي.

PYD (الإرهابي) الذي تأسس عام 2004، لم يكن حزباً سياسياً سورياً بأهدافه، بل منذ البداية كان يعتبر منطقة الشمال الشرقي من سورية منطقة كردية أطلق عليها تسمية مزيفة هي (روج آفا) ، أي غرب كردستان، وهي أكذوبة حقيقية، حيث كانت المنطقة عبر تاريخها منطقة للسريان والقبائل العربية، التي أقامت فيها بعد أن صارت بلاد الشام جزءًا من دولة الإسلام.

PYD الإرهابي مليشيا على علاقة نفعية مع النظام الأسدي، وقد اختاره الأخير بعد تفجّر الثورة السورية، ليكون بديلاً عنه في منطقة الجزيرة السورية، لقمع المظاهرات الشعبية المؤيدة لتغيير نظام الاستبداد بنظام دولة مؤسسات ديمقراطية تعددية، وتحويل المنطقة قاعدة ارتكاز أولى لمشروع دولة ما يسمى بدولة "كردستان الكبرى".

إن عمليات مهاجمة الأراضي التركية التي تقوم ميليشيا PKK من خلال قيادتها لما يسمى PYD، هي تهديد ليس لتركيا فحسب، بل تهديد للديمغرافية السورية في هذه المنطقة، حيث يتمّ تغيير البنية السكانية من خلال التهجير القسري، ومحاولة إرساء بنية سياسية وسكانية جديدة فيما يُطلق عليه تسمية شرق الفرات، عبر بناء ما يسمى بالإدارة الذاتية التي تريد ميليشيات قسد وميليشيات PKK من إرسائها تشكيل نواة غير معلنة لمشروع الدولة الكردية، التي تحلم بها جماعة عبد الله أوجلان أو الـ PKK.

مشروع الدولة الكردية انطلاقاً من منطقة شمال شرق سورية ليس تهديداً لوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية فحسب، بل تهديد للأمن القومي التركي، من خلال محاولة فصل جنوب شرق تركيا لصالح مشروعه، وهذا أمر يقف خلف عمليات تركيا ضد هذه التنظيمات العابرة للوطنية التركية والسورية.

تركيا التي تقوم بعملية تنمية اقتصادية واجتماعية وعلمية شاملة منذ عام 2002، على قاعدة برنامج تنموي شامل، وضعه حزب العدالة والتنمية الحاكم، جعلت أوربا والولايات المتحدة تندفع لعرقلة هذه التنمية، فالغرب الأوربي والأمريكي ينظر إلى مشروع التنمية التركي على أنه مشروع سيقلّص من نفوذهم الاقتصادي والسياسي والعسكري، ولهذا ورغم تصنيفهم لتنظيم PKK بأنه ميليشيا إرهابية إلا أنهم يمدّون هذه الميليشيا بالسلاح والأموال والدعم الإعلامي، حيث يصوّرون كذباً، أن تركيا التي تقف مع الجيش الوطني السوري التابع للحكومة المؤقتة تحارب الأكراد في سورية.

تركيا لا تحارب أكرادها أو أكراد العراق، وهي لا تتعرض للمكون الكردي في سورية أو على أراضيها، بل تتعرض وتحارب ميليشيا إرهابية هي ميليشيات الـ PKK وميليشيات PYD. هذه المليشيات لا تشكّل خطراً على تركيا فحسب، بل هي خطرٌ وجودي على سوريا والعراق وغيرها من الدول.

هذا الخطر العابر للوطنية التركية والوطنية السورية، دفع تركيا إلى المطالبة بحزام أمني على طول حدودها مع سوريا بعمق ثلاثين كم داخل الأراضي السورية، لمنع أي نشاط معاد للدولة التركية أو معادٍ لوحدة واستقلال سورية.

الحزام الأمني وافقت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولكنهما لم يلتزما بتنفيذ تعهداتهما حيال فرض انسحاب ميليشيات ال PKK إلى عمق 30 كم، وهذا ما يدفع تركيا في ظلّ غياب حكومة سورية تمثّل البلاد وتستطيع حماية حدوها إلى فرض هذا الحزام بالتعاون مع الجيش الوطني السوري الذي تتحالف معه ضد قوى الإرهاب.

الأوربيون لا يريدون أن تنجح تركيا في فرض الاستقرار الأمني على حدودها، ولهذا هم يدّعون أن تركيا تحارب الأكراد في سوريا، وهذا كذب وافتراء صريحين، فتركيا التي تقع على حدودها المباشرة مدن الدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية وهي مدن يعيش فيها الأكراد السوريون إلى جانب مكونات سورية أخرى لم تقم بقصف هذه المدن، بل كانت تختار بدقة شديدة أهدافاً عسكرية لميليشيات ال PKK المعادية لها.

فلماذا إذاً يسلّح الأمريكيون تنظيماً يصنفونه إرهابياً؟ ولماذا تفتح أوربا مدنها لاستقبال هؤلاء الإرهابيين وتحميهم، لا بل تقدم بعض دول أوربا مساعدات لهذه التنظيمات الإرهابية التي تعتدي على أمن دولة حليفة لأوربا في حلف الناتو؟

شعوب أوروبا أحوج لتركيا كدولة ناهضة، لا تشكّل أي تهديد للأوربيين، في وقت بعض حكومات أوروبا تتآمر على تركيا واستقرارها وتطورها الشامل، من خلال إيواء الإرهابيين التابعين لمليشيا PKK، مثل الذي تفعله السويد وفنلندا وغيرهما، ومن خلال حملات الكذب والافتراء لبعض الحكومات الأوربية، التي تدّعي زوراً أن تركيا تحارب الأكراد، في وقت يشكّل فيه أكراد تركيا مكوناً رئيسيا في هذه الدولة، التي تتعايش فيها كل مكوناتها على أرضية وطنية واحدة.

بقي أن نقول إن أوربا الغربية معنية بمراجعة سياساتها حيال الدولة التركية، وحيال حقها في محاربة الإرهاب الذي تتعرض له من تنظيم PKK المصنًف بالإرهابي، وتحديداً محاربتها له على حدودها مع سورية، فعدم تصحيح هذه السياسة سيزيد من الهوّة بينها وبين حليفها في الناتو تركيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي