انتصار الشيطان


يحكى الأديب الكبير توفيق الحكيم فى إحدى قصصه الفلسفية، والتي جاءت تحت عنوان “إبليس ينتصر” عن صراع بين ناسك وإبليس، والتي أرى أنها تعبر عن حال الواقع الآن، فقد أصبح الجميع منشغل بإثبات الإيمان و عقيدته الخاصة والدفاع عن الله كأنه الوحيد الذى يعرفه ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبحت للأسف مصدر للاحداث والأخبار لكثير من المواطنين بل وأصبحت كأنها منتدى عالمي كل شخص يدافع عن رأيه سواء كان عالم أم جاهل بما يتحدث عنه، فالهدف أصبح إثبات الذات وليس الله.

ولنعود إلى قصة الأديب توفيق الحكيم والتي تحكى عن ناسك عرف أن هناك شجرة يعبدها الناس فأحضر فأسا ليقطع هذه الشجرة حتى لا تضل الناس ولكن هاجمه إبليس دفاعا عن الشجرة وصارعه و هزم الناسك إبليس ولكنه تعب من المصارعة فذهب ليرتاح على أن يعود غدًا.

وجاء الناسك فى الغد وواجهه إبليس مرة أخرى وهزمه الناسك ولكنه تعب فعاد الى منزله وهكذا لعدة أيام حتى فكر ابليس في حيلة لأنه رأى أنه لن يستطيع هزيمة الناسك وعندما جاء الناسك ووجد إبليس ينتظره أمام الشجرة وهم أن يصارعه قال له إبليس، ألم تتعب من الصراع بيننا وهل تعتقد أن الناس سيتركونك بعد قطع الشجرة، فكان رد الناسك أنه تعب ولكنه لا يريد أن تضل الناس، فاقترح عليه إبليس أن يعطيه دينارين كل صباح ولا يتعب نفسه بالمجئ مرة أخرى .

ووافق الناسك وظل لمدة شهر يستيقظ كل صباح ليجد تحت وسادته دينارين حتى استيقظ ذات يوم ولم يجد الدينارين، فقال لقد خدعني إبليس واخذ الفأس ليقطع الشجرة، وعندما وصل وجد إبليس ينتظره وعندما هم ليصارعه هذه المرة هزمه إبليس هزيمة مرة، وهنا سأله الناسك عن سبب قوته، فكانت إجابة إبليس أنه عندما جئت أولًا كنت تدافع عن عقيدتك فصرعتني، أما الآن تدافع عن مصلحتك فصرعتك.

هذا ما نجده الآن للأسف، فكل شخص مهما سمى نفسه سواء مدافع أو ناشط أو مؤمن فهو يدافع لأجل مصلحته فمنهم من يريد نشر آرائه الغريبة في الصحف ومنه من يريد زيادة المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي فيحصل على مكاسب مادية أو على الأقل معارف شخصية يستطيع من خلالها أن يقضي مصالحه ومنهم للأسف من ينتمى الى من يريد صناعة الفتن داخل الوطن الواحد .

ولكن أكثر ما يستفزني ممن يدافعون عن الله أنهم لا يعرفونه ولم يحاولوا حتى قراءة الكتب التي تتحدث عن الله أو صفاته وتعاليمه بل نجد هؤلاء جالسين على الاريكة بمنزلهم وبيدهم فنجان القهوة يعانون من الملل، لا يذهبون إلى بيوت العبادة إلا فى المناسبات، ويدعوا الآخرين للثورة على التعاليم الموجودة أو الهجوم على أشخاص لمجرد أن عبروا عن آرائهم وكأنه غير مسموح لأحد التحدث أو تخويف المتحدث ليتراجع عن عقيدته التي لم يطلب أحد غيره بالانتماء لها وكأنهم نصبوا انفسهم حراس للإيمان، فأقول مع الشاعر والأديب جبران خليل جبران “أيها المراؤون، توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الإنسان، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله ” .

فالأفضل لهؤلاء بدلًا من الاعتراض على كل شئ الدفاع عن الإنسان والعمل على إرساء مفاهيم الحب والتسامح وقبول الآخر لخلق مجتمع أفضل بدلًا من نشر خطاب الكراهية ليس فقط ضد الآخر المختلف عقائديا ودينيا بل بين الآخر من نفس العقيدة والدين .

ومع هذه المواقف والأحداث المتتالية التى نراها بشكل مستمر اطالب الجميع بالخروج خارج هذا الصراع والنظر بتمعن، واؤكد لك أنك لن تجد جملة تعبر عن هذا الواقع أفضل من “انتصار الشيطان” الذي يشغلنا بمصلحتنا عن كل المبادئ التي تنادي بها الأديان من محبة وسلام .

تاريخ الخبر: 2022-12-11 09:21:41
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

43.4% نسبة استخدام الإنترنت في أماكن العمل السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:24:09
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 57%

33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:24:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

47% نمو مطابقة محطات الوقود للمواصفات والمقاييس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:24:11
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية