الشيوعي والاتفاق الإطاري بين منزلتين 


الشيوعي والاتفاق الإطاري بين منزلتين 

زين العابدين صالح عبد الرحمن 

معلوم في الفكر السياسي أن السياسة لا تقبل الفراغ، وأيضاً لا تقبل حالات السكون والجمود، باعتبارها عمل اجتماعي يعنى بمصالح الناس، وهذه المصالح هي التي تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، وأيضاً بين المجتمع وحكامه.

لذلك تجد أن حركة الفكر تسير بخطى متسارع في المجتمعات التي تنشأ فيها نزاعات وصراعات بين القوى المختلفة بهدف إيجاد معالجات لها، ونجد أن الدول الديمقراطية استطاعت أن تؤسس مواعين مختلفة لكي يدور فيها الصراع ويحسم من خلال الأدوات الديمقراطية، وفي السودان بسبب الفترات الطويلة للأنظمة الشمولية، قد تم إضعاف الأحزاب السياسية وبالتالي أضعفت المساهمات الفكرية من قبل هذه الأحزاب، الأمر الذي يجعل الأزمات السياسية تأخذ فترات طويلة دون إيجاد حلول لها.

والقوى التي تتصدى لها تواجه بكيل من الاتهامات والتشكيك، حتى تنفض يدها من أي عمل يشرع في البحث عن الحلول، والغريب في الأمر؛ أن القوى التي تعترض على مثل هذه الاسهامات، لا تقدم أي مشاريع تهدف لإحداث اختراق في الأزمات، فقط ترفع شعارات في اعتقادها هي الحلول.

إن الأحزاب التقليدية (الشيوعي– الأمة– الاتحادي– الإسلاميين) تعاني إشكالية غياب الفكر، وهي محتاجة لمراجعات فكرية، إن حزب الأمة أثر فيه غياب الإمام الصادق المهدي، والإسلاميين غياب الترابي، أما الشيوعي والاتحادي أزمتيهما أكبر في القضايا الفكرية، هذا الغياب هو الذي يطيل أمد الأزمات.

إن الاتفاق الإطاري الذي أسهمت في إنجازه قوى الحرية والتغيير (المركزي) ووقع عليه المكون العسكري وبعض الأحزاب والفعاليات الأخرى، ووجد تأييداً من المجتمع الدولي، يعتبر مساهمة سياسية بهدف الخروج من الأزمة والسير في طريق عملية التحول الديمقراطي، والمصطلح نفسه (اتفاق إطاري) يؤكد أنه (Frame) يحتوي على العديد من الموضوعات التي تعتبر قضايا خلافية تحتاج لحوار بشأنها من قبل القوى السياسية المختلفة، وأيضاً يعتبر خطوةً متقدمةً لأنه يخلق الأرضية المطلوبة للحوار.

والذين قدموا الاتفاق الإطاري لم يقولوا هذا اتفاق سياسي نهائي سوف تؤسس عليه الفترة الانتقالية، بل كانوا حريصين في تحديد المصطلح (اتفاق إطاري) يقبل الحوار للتطوير وأيضاً للحذف. فدعاة الديمقراطية من المفترض أن لا يرفضوا أي حوار هادف للتوافق من أجل التحول الديمقراطي.

إن الحالة الثورية التي يتحدث عليها الزملاء في الحزب الشيوعي لا تخدم عملية التحول الديمقراطي، هي تخدم مرحلة من المراحل التي تؤسس عليها مرجعيتهم الفكرية. ونسأل الزملاء لكي يجاوبونا فكرياً، أين تلتقي عملية التحول الديمقراطي مع مرجعيتهم الفكرية في أي مرحلة من المراحل؟ ومتى تسقط الديمقراطية لكي تفسح المجال لقيام ديكتاتورية البوليتاريا؟

وصف الأستاذ صديق يوسف القيادي في الحزب الشيوعي، التوقيع على الاتفاق الإطاري من خلال حديث له جريدة (السوداني) بالتصالح بين عناصر متشاكسة (الحرية والتغيير والمكون العسكري)، مؤكداً “أنه يعد تراجعاً عن ثورة ديسمبر المجيدة. والتوقيع على مشروع تسوية سياسية خطوة متوقعة منذ 25 أكتوبر الماضي منذ أن كانت قوى الحرية والتغيير وحدها، والآن تمت إضافة عناصر أخرى جديدة إليها، وهي المؤتمر الشعبي، الاتحادي الديمقراطي (الأصل) وأنصار السنة، وبعض البيوتات من عناصر النظام السابق”.

نسأل الأستاذ صديق؛ هناك فترة سنة كاملة لماذا عجز الحزب الشيوعي أن يقدم مبادرة للحوار الوطني تعد مخرجاً من الأزمة السياسية؟ طوال هذه الفترة كان الحزب الشيوعي يتحدث عن شعارات معلقة في الهواء دون أن ينزلها على الأرض لكي يختبر مفعولها، من الغرائب أن يتحول حزب سياسي له خبرة طويلة في العمل السياسي إلى معلق فقط على الأحداث، ويفشل في أن يقدم رؤية تتفاعل معها القوى السياسية، وتجعلها إطاراً يجري الحوار حول القضايا المطروحة فيه، للوصول لتوافق يعيد البلاد لمسار عملية التحول الديمقراطي، في ظل الأزمة التي تتحكم فيها القوى العسكرية، ومطالب من القوى السياسية أن تحدث اختراقا في الأزمة السياسية، وتملأ الفراغات التي تحدث نتيجة لتراجع في العمل السياسي من قبل الأحزاب، حتى تعتري الشارع حالة من الضعف يستفيد منها المكون العسكري، لأن ضعف الشارع سوف يخل بتوازن القوى مع العسكر، لكن ظل الزملاء عاجزون عن خلق الأحداث التي تثمر سياسياً، وأصبح عملهم منصباً فقط في التعليق على الأحداث أو تبخيسها.

وفي محطة أخرى: يقول الأستاذ فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي لجريدة (الجريدة) “الصراع الدائر الآن بين معسكرين الأول يتمسك بثورة ديسمبر، وتحقيق أهدافها المتمثلة في (حرية– سلام– عدالة) والآخر يمضي نحو التسوية السياسية” ويضييف قائلا “يجب على الحراك الثوري الاستمرار وصولاً للعصيان المدني” هذا حديث يجافي الحقيقة. إذا كانت قوى الحرية والتغيير المركزي منذ اليوم الأول للانقلاب هي داعية لهزيمة الانقلاب عبر وسائل شتى من خلال تصور هادف لعملية التحول الديمقراطي، وهذا الحراك استطاع أن يكلل بالنجاح، ويوافق المكون العسكري الخروج من العملية السياسية، ويوقع على اتفاق إطاري مفتوح للقوى السياسية أن تتحاور بشأنه وتطوره حتى تلتف حوله أكبر قاعدة اجتماعية، وبين زملاء رفعوا شعار الجذرية دون أن يقدموا رؤيةً للشعار، الأمر الذي يدل على غياب العقول المفكرة في عضوية هذا الحزب لكي يستطيع أن يخدم الرؤية الحزبية فكرياً، أو أن العقل المفكر تراجع بسبب صعود العناصر التنفيذية للقيادة، الأمر الذي أحدث تراجعاً ظاهراً في أداء الحزب وتراجع فاعليته السياسية.

إن الحديث الذي درج القول به من قبل الأساتذة فتحي فضل وطارق عبد المجيد وكمال كرار والأستاذة آمال الزين هو وصف للحالة من وجهة نظرهم، ويغيب عنها التناول الفكري الذي يشخص الحال ويقدم حلولاً لها، إن واحدة من أعمال العقل المفكر فحص الأدوات التي يعتمد عليها الحزب الشيوعي في تحقيق أهدافه إذا كانت صالحة أم بها أعطاب تجعلها غير فاعلة، وأيضاً مراجعة الشعارات التي يطلقها الحزب ومدى تأثيرها على الشارع والعملية السياسية، لذلك ليس غريباً أن يبخس الحزب أعمال الآخرين، ويكتفي بذلك، وهي ثقافة منتشرة بين الزملاء.

وفي لقاء آخر في قناة (البلد) قال الأستاذ كمال كرار إننا نؤمن بأن الصراع الذي يدور في المجتمع هو صراع طبيقي، لكن في هذه الفترة نعمل من أجل عملية التحول الديمقراطي مع الآخرين، ما هي المبادرة التي قدم الحزب الشيوعي للعمل من أجل الوصول للتحول الديمقراطي، فقط مصطلح (الجذرية) يريدون من القوى السياسية فقط أن تتعلق بأهداب ستائر الجذرية فقط، كأنها رسالة مقدسة، لا يعرف كيف تتم عملية الوصل بينها وبين عملية التحول الديمقراطي. يجب على الزملاء مراجعة مواقفهم وسياساتهم، وإفساح الطريق للشباب هؤلاء قادرين أن يسهموا إسهامات فكرية تعيد للحزب دوره في العمل السياسي وتقديم المبادرات التي تخرج البلاد من أزماتها. ونسأل الله التوفيق وحسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2022-12-12 06:22:58
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

بينهم طفلة.. 4 شهداء في قصف للاحتلال على منزل برفح الفلسطيني

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 09:22:01
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 09:21:38
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

العدد الورقي الأسبوعي لجريدة وطني بتاريخ 12/5/2024

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 09:21:36
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 09:21:37
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

تدابير‏ ‏الخلاص‏ ‏قرار‏ ‏وبالقيامة‏ ‏انتصار

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-13 09:21:35
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية