الاتفاق الإطاري.. هل يمنع العسكر من التسلل للسلطة؟؟


يعول السودانيون على الاتفاق الإطاري الموقع بين المدنيين والعسكر الانقلابيين في 5 ديسمبر الحالي، لاستعادة المسار المدني الديمقراطي وإبعاد العسكريين عن السلطة، لكن السؤال هو هل سيفلح الاتفاق في منع العسكر من التسلل للسلطة؟!

الخرطوم: علاء الدين موسى

وقع المدنيون والجيش السوداني في الخامس من ديسمبر الحالي، اتفاقاً إطارياً، على أمل الوصول إلى اتفاق نهائي في غضون أسابيع، تنشأ بموجبه سلطة مدنية كاملة بالتزامن مع خروج العسكر من العملية السياسية. غير أن التساؤلات تثور حول المنافذ التي قد يعود من خلالها العسكر إلى السلطة أخرى، خاصة ما يتعلّق بمنصب رأس الدولة أو مجلس الأمن والدفاع.

وبعد أكثر من أسبوعين على توقيع الاتفاق الذي يمهِّد لإنهاء انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، واستعادة التحول المدني الديمقراطي، لم يبارح الاتفاق مكانه، ولم يتقدّم أي خطوة للأمام- بحسب مراقبين.

شروط وتحذيرات

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، تحدث اليوم الأربعاء خلال حضوره ختام تمرين عسكري بقاعدة المعاقيل العملياتية، شمالي البلاد، عن شروط متصلة بالاتفاق النهائي.

وقال إن القوات المسلحة لن توافق في مرحلة الاتفاق النهائي للعملية السياسية، على أي بنود يمكن أن تنال مما وصفها بثوابت البلاد.

وأشار إلى أن القوات المسلحة تريد أن تقود العملية السياسية إلى حكومة مستقلين تستطيع أن تنقل البلاد نقلة حقيقية إلى الأمام.

وبشأن الاتفاق الإطاري، قال البرهان إنه ليست هنالك تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض، وإنما هي نقاط تم طرحها “نرى أنه يمكن أن تساعد على حل التعقيدات السياسية الراهنة”.

وأضاف “وافقنا عليها ضمن اتفاق سياسي إطاري يصب في مصلحة كل السودانيين دون إقصاء لأحد، وينبغي ألا تحاول أي جهة أن تختطف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية دون الآخرين، أو أن تسعى لاختطاف السلطة من جديد”.

ونوه إلى أن القوات المسلحة لن تمانع في المستقبل أن تعمل تحت إمرة “حكومة منتخبة” يختارها الشعب وفقاً لانتخابات حرة وشفافة.

ولفت إلى أنها ستتعاون حالياً مع القوى السياسية لاستعادة التحول الديمقراطي بشرط ألا تحاول أي منها اختطاف المشهد السياسي لوحدها.

تعين رئيس الوزراء

ورغم أن التسريبات أكدت أن تعيين رئيس الوزراء سيتم منتصف ديسمبر الحالي، إلا أن الواقع يكذب ذلك، لوجود خلافات بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، خاصة فيما يتعلق بعملية العدالة الانتقالية وإصلاح المنظومة العسكرية التي تم إرجاؤها في الاتفاق الإطاري لمزيد من المناقشات.

وقالت مصادر مطلعة لـ(التغيير)، إن منصب رئيس الوزراء انحصر حتى الآن بين وزير العدل في الحكومة السابقة نصر الدين عبد الباري، ووزير المالية السابق أيضاً إبراهيم البدوي.

وأشارت إلى أن عبد الباري الأقرب لتولي المنصب  بفضل السند  الدولي الذي يجده بجانب قبول طيف واسع من المدنيين والعسكرين له.

وأكدت المصادر أن  التوقيع على الاتفاق النهائي سيكون بعد أسبوعين بعد التوافق على جزء كبير من القضايا محل الخلاف.

وقالت إن الاتفاق أمن على إبعاد القوى التي كانت مشاركة لنظام البشير حتى لحظة سقوطته، وينحصر دورها بالمشاركة في الشأن السوداني والترتيب للدستور الشامل.

ويتخوف مراقبون من أن يتولى رئاسة مجلس السيادة شخص موالٍ للعسكر أو ضعيف الشخصية لتمرير تعليمات العسكر والانحياز لهم ضد المدنيين، كما يتخوفون من استغلال المكون العسكري لأحزاب سياسية لتكون بمثابة (النفاج) ليتسلل عبرها إلى السلطة من جديد، رغم أن الاتفاق أقر ضرورة خروج المكون العسكري.

رفض الفلول

فيما أعلن الناطق باسم المجلس المركزي جعفر الحسن، تمسكهم بموقفهم الرافض لإشراك القوى التي كانت جزءاً من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

وقال لـ(التغيير)، إن مركزي التغيير حسم هذا الأمر تماماً باعتبارها لا تؤمن بالتحول المدني الديمقراطي.

وكان رئيس حزب الأمة، رئيس تحالف ميثاق التراضي الوطني مبارك الفاضل أعلن نيته التوقيع على الاتفاق الإطاري.

وكان الفاضل أحد المشاركين في حكومة البشير البائدة حتى لحظة السقوط.

وقالت تقارير صحفية، إن قيادات بالمجلس المركزي اجتمعت مع قيادات عسكرية نافذة، وناقشت فيه ضرورة إبعاد الفاضل من الاتفاق، لأن سيعمل على ضربه من الداخل كما فعل في التجمع الوطني الديمقراطي وقوى الاجماع والفجر الجديد.

لكن المكون العسكري رفض الإقصاء، وأكد أن الاتفاق مفتوح لكافة القوى السياسية عدا المؤتمر الوطني المحلول- حسب التقارير.

سيطرة العسكر

ويثير تمسك العسكر بإشراك الجميع بما فيها الأحزاب التي كانت جزءاً من نظام البشير، الشكوك التي تبدو وجيهة لمحللين سياسيين وخبراء.

وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. صلاح الدومة، إن الغرض من إشراك الفلول هو سيطرة المكون العسكري على الحكم بالسودان.

وأضاف لـ(التغيير)، بأن المكون العسكري غير جاد في تسليم السلطة للمدنيين رغم الضغوطات التي تمارس عليه من المجتمع الدولي.

وتابع: “المكون العسكري لديه أحزاب وجماعات سيعمل على إشراكها في الاتفاق الاطاري حتى تنفذ اجنده الرامية إلى إعاقة التحول المدني الديمقراطي”.

وزاد: “من الاستحالة ابعاد العسكر من الشهد وأن السياسة هي فن الممكن في إدارة الدولة”.

ضعف المدنيين

ويرى الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عبد الرحمن ابو خريس، إن تسلل المكون العسكري للسلطة يحدث عندما يحتدم الصراع والتشاكس بين  المدنيين.

وقال لـ(التغيير)، إن تدخل العسكريين في السلطة يعود لضعف المدنيين وغياب الرؤية لمعالجة المشكلات السياسية مما يمهد الطريق لتدخلهم.

وأضاف: “كلما كان المكون المدني متماسكاً ولديه رؤية سيعمل على ابعاد العسكر من السلطة”.

وتابع: “انحياز حمدوك في الأيام الأخيرة وتوقيعه لاتفاق مع البرهان يرجع لضعف الحرية والتغيير التي لم تستطيع ادارة خلافاتها”.

واستبعد ابو خريس أن يكون تدخل المكون العسكري من خلال مجلس الأمن والدفاع، وقال إن المجلس محدد بقانون ومهام محددة، ولا يتاح له التدخل إلا في حالة حماية الأمن الوطني- بحسب الاتفاق.

ورأى ضرورة أن تكون الحكومة القادمة ذات كفاءات وطنية مستقلة وليست محاصصات حزبية.

معطيات مختلفة

ويقول الصحفي والمحلل السياسي ماهر ابو الجوخ، إن موضوع تسلل العسكريين للعمل السياسي مرة أخرى بشكل مباشر هو أمر بعيد نوعاً ما لسبب أن ذلك الوجود خلال المرحلة قبل انقلاب 25 اكتوبر بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية نتج عنه تمثيلهم في المؤسسات الدستورية السياسية في مجلس السيادة والوزراء من خلال اختيارها لوزيري الداخلية والدفاع ومشاورتهم في اختيار رئيس الوزراء والوزراء والولاة والتبعية المزدوجة للشرطة والمخابرات وتحكمهم غير المباشر في الاقتصاد.

وأضاف لـ(التغيير)، إن جميع تلك المعطيات جعلتهم فعلياً سياسيين أكثر من كونهم عسكريين لكن بمقارنة ذلك الوضع السائد قبل وبعد انقلاب 25 اكتوبر بالوضع الذي سيتأسس لاحقاً بموجب الاتفاق الاطاري ودستور المحامين نجد فعليا أن الميزات السياسية والاقتصادية تلك تم فقدانها بشكل كبير جداً، وهذا يعني تراجع دورهم السياسي وهذا سينعكس حتى على الأداء والطرح الإعلامي لمنصاتهم الإعلامية.

سيناريو السيطرة

وأوضح أبو الجوخ أنه قد يكون ضمن السيناريوهات الواردة اللجوء لطريقة الجيش الباكستاني في إدارة الملف السياسي من خلال محاولة السيطرة على العملية السياسية لكن مع وجود مجلس تشريعي، ومن المؤكد أن الصف الاول للأحزاب السياسية سيتواجد فيه فإن وجود مجلس سيادة أو رئيس وزراء أو حتى مجلس وزراء ضعفاء أو موالين هو أمر معقد وفي غير مصلحة تلك الشخصيات التي ستعمل في تقديري على تقديم نفسها بشكل إيجابي بوصفهم قد يختاروا خوض الانتخابات أو إنهاء حياتهم السياسية كشخصيات قادت الانتقال لبر الامان في وقت ومنعطف تاريخي غير مسبوق.

وزاد “ولذلك فإن سيناريو السيطرة لا الحكم المباشر قد يلوح في الأفق من خلال نسج تحالفات انتخابية تضمن استدامة المصالح والاكتفاء في المرحلة الانتقالية بالمحافظة علي تلك المصالح”.

وحول تسلل العسكر للسلطة عن طريق مجلس الأمن والدفاع يرى أن طبيعة تركيبته ومهامه هي التي تحدد طبيعته وتأثيره بالنظر إليها نجدها مختزلة في المهام الأمنية والدفاعية دون تمدد مهامه ليشمل جوانب مؤثرة سياسيا كالفحص الأمني للمرشحين لشغل المواقع الدستورية أو إجازة السياسات أو التشريعات وربما يصبح لهذا المجلس دور سياسي في حال نشوب صراع وخلاف وأزمة سياسية بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أو بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء ولكن هذا التدخل مرتبط بطلب سياسي أسوة بطلب رئيس الوزراء عبدالله هليل من قائد الجيش الفريق ابراهيم عبود  استلام السلطة في 17 نوفمبر 1958م وإذا حدث مثل هذا الطلب المخالف للدستور فوقتها يمكن أن يجد مجلس الأمن والدفاع نفسه في رمال السياسة المتحركة.

ولفت ماهر إلى أن  فرص دخول العسكر  للمسرح السياسي قبل الانتخابات وبشكل غير مباشر عن طريق نسج التحالف الانتخابي سيكون أمراً مستبعداً حسب نصوص الإطار الدستوري المؤقت.

تاريخ الخبر: 2022-12-15 00:23:42
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

انطلاق فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 21:25:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية