اكتشف الباحثون أكثر من 100 تصميم جديد داخل وحول سهل نازكا القديم في بيرو والمناطق المحيطة به، مما قد يؤدي إلى تسليط الضوء على معلومات جديدة حول الأعمال الفنية الغامضة التي تعود إلى حقبة ما قبل كولومبوس والتي أثارت اهتمام العلماء والزوار لعقود، وفقاً لما أوردته رويترز.

فبعد عامين من المسوحات الميدانية باستخدام الصور الجوية والطائرات بدون طيار، أفاد باحثون من بيرو ومن جامعة ياماغاتا اليابانية في وقت سابق من هذا الشهر باكتشاف 168 تصميماً جديداً في موقع اليونسكو للتراث العالمي على الساحل الجنوبي للمحيط الهادئ في بيرو.

ويعود تاريخ هذه الأشكال الضخمة المنحوتة في صحراء أمريكا الجنوبية إلى أكثر من 2000 عام وتمثل البشر والقطط والثعابين والحيتان القاتلة والطيور والجبال، بالإضافة إلى الحيوانات المحلية مثل اللاما وغواناكوس والألبكة.

وسادت ثقافة نازكا الأثرية، التي ازدهرت من عام 100 قبل الميلاد إلى 800 بعد الميلاد، بجانب الساحل الجنوبي القاحل لبيرو في وديان الأنهار في مصارف ريو غراندي دي نازكا ووادي إيكا. وهي معروفة أيضاً بمشروعين إنشائيين ضخمين كانا يتطلبان التنسيق بين مجموعات كبيرة من العمال: خطوط نازكا التي هي عبارة عن تصميمات هائلة في الصحراء غير معروفة الغرض منها، وقنوات المياه الجوفية لتوفير المياه للري والأغراض المنزلية في المناطق القاحلة.

Nazca Spider (Getty Images)

خطوط نازكا

نقلت رويترز عن كبير علماء الآثار في برنامج أبحاث خطوط نازكا خورخي أولانو قوله، إن متوسط حجم الرسومات الجديدة يتراوح بين مترين وستة أمتار في الطول، فيما قال ماساتو ساكاي الأستاذ بجامعة ياماغاتا الذي قاد الدراسة، إن نتائج هذا الشهر أصغر ويمكن رؤيتها من الأرض.

ويظل الغرض من خطوط نازكا المرسومة بأنماط هندسية وأشكال حيوانية مميزة التي ألهمت العديد من النظريات على مر السنين، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الجو، لغزاً حتى يومنا الحالي.

وتُعرف الخطوط باسم geoglyphs - رسوم على الأرض مصنوعة عن طريق إزالة الصخور والتربة لإنشاء صورة "سلبية". تتأكسد الصخور التي تغطي الصحراء وتتحول إلى لون صدئ، فعندما تجري إزالة 30-40 سم من الصخور، تنكشف رمال فاتحة اللون وعالية التباين. ونظراً لقلة الأمطار والرياح والتعرية، فقد ظلت التصاميم المكشوفة سليمة إلى حد كبير لمدة 500 إلى 2000 عام.

رحلة الكشف عن خطوط نازكا

كان عالم الآثار البيروفي توريبيو ميخيا أول من درس الخطوط بشكل منهجي في عام 1926. ومع ذلك، نظراً لأنه من المستحيل تقريباً تحديد الخطوط من مستوى الأرض، فقد جرى نشرها لأول مرة فقط عند تصويرها بواسطة الطيارين الذين يحلقون بطائرات تجارية فوق بيرو في الثلاثينيات.

The Nazca Lines From Air the "Astronauta/Astronaut" Figure (Getty Images)

لاحقاً، سافر البروفيسور الأمريكي بول كوسوك إلى صحراء بيرو ليجد نفسه عند سفح خط في 22 يونيو/حزيران 1941 - بعد يوم واحد فقط من الانقلاب الشتوي. وبعد يوم كامل من دراسة الخطوط، وقف كوسوك لالتقاط غروب الشمس في محاذاة مباشرة مع الخط. وصف كوسوك الامتداد الذي تبلغ مساحته 310 ميل مربع من أعالي الصحراء بأنه "أكبر كتاب في علم الفلك في العالم".

تبعت كوسوك الألمانية ماريا رايش، التي أصبحت تُعرف باسم سيدة الخطوط. درست رايش الخطوط لمدة 40 عاماً وحاربت بلا هوادة من أجل نظرياتها حول الغرض الفلكي والتقويمي للخطوط. قاتلت رايش بمفردها لحماية الموقع؛ حتى إنها عاشت في منزل صغير بالقرب من الصحراء لتتمكن بنفسها من حماية الرسومات من الزوار المتهورين. وفقاً لما ذكره موقع ناشيونال جيوغرافيك.

لغز بيرو الغامض

ظلت نظريات علم الفلك، التي اقترحها كوسك ورايش، صحيحة حتى السبعينيات. لكن مع وصول مجموعة من الباحثين الأمريكيين إلى بيرو لدراسة الصور الرمزية،. بدأت موجة البحث الجديدة في إحداث ثغرات في وجهة نظر علم الفلك الأثري للخطوط، ناهيك عن النظريات الراديكالية في الستينيات المتعلقة بالأجانب ورواد الفضاء القدامى الذين كانوا يسترشدون بالخطوط للهبوط بمركباتهم الفضائية.

قدم يوهان راينهارد، وهو مستكشف مقيم في ناشيونال جيوغرافيك، نهجاً متعدد التخصصات لتحليل الخطوط، حيث قال: "في منطقة لا تتلقى سوى حوالي 20 دقيقة من المطر سنوياً، كان من الواضح أن الماء كان عاملاً مهماً". ومن هنا انطلقت نظرية جديدة تفيد بأن الخطوط المستقيمة وشبه المنحرف مرتبطة بالمياه، ولكنها لا تُستخدم للعثور على الماء، بل تُستخدم فيما يتعلق "بالطقوس". فيما قال الباحث أنتوني أفيني: "من المحتمل أن تكون الطقوس مرتبطة بالحاجة القديمة للاسترضاء أو سداد ديون للآلهة.. ربما لطلب الماء".

وبينما يختلف العلماء في تفسير الغرض من التصاميم، لكنهم عموماً ينسبون إليها أهمية دينية. إحدى الفرضيات هي أن شعب نازكا أنشؤوها لتراها الآلهة في السماء، خصوصاً أن شعوب الأمريكتين في عصور ما قبل التاريخ بنوا أعمال ترابية جمعت بين هذه الرؤية الفلكية وعلم الكونيات الديني.

من جهتها، جادلت فيليس ب. بيتلوغا، كبيرة علماء الفلك في قبة أدلر السماوية في شيكاغو، بأن الأشكال الحيوانية كانت "تمثيلات لأشكال سماوية". ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن بيتلوغا "تؤكد أنها ليست أشكالاً من الأبراج، ولكن ما يمكن تسميته بالأبراج المضادة، وهي البقع الداكنة غير المنتظمة داخل الامتداد المتلألئ لمجرة درب التبانة".

TRT عربي