القضايا الخمس.. اختبار الجدية ومخاوف نسف «الإطاري»


تعتبر القضايا الخمس، التي أرجأ الاتفاق السياسي الإطاري بين الأطراف السودانية مناقشتها للمرحلة الثانية، أساسية ومهمة ومؤثرة، ويمكن أن يؤدي عدم الجدية في حسمها لنسف كل التفاهمات بين المدنيين والعسكريين- حسب مراقبين.

الخرطوم: علاء الدين موسى

بعد مرور أكثر من أسبوعين على توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين المدنيين والعسكريين بالسودان في 5 ديسمبر الحالي، لأجل إنهاء الأزمة السياسية واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، لايزال الجدل محتدماً بين المؤيدين المدافعين عنه، وبين الأطراف الرافضة التي تعمل على إظهار عيوبه بعد إرجاء مناقشة خمس قضايا مهمة.

وعمل الاتفاق الإطاري على ترحيل القضايا الخمس، دون تحديد موعد مناقشها، ومتي تشكل لجان لها، ومن هم أصحاب المصلحة في كل قضية؟، وهي أسئلة تبدو الإجابة عليها صعبة حتى وإن أعلنت قوى الحرية والتغيير بدء العمل فيها.

قضايا مصيرية

ويشير مراقبون إلى أن الاتفاق أغفل حسم خمس قضايا مصيرية في مقدمتها العدالة والعدالة الانتقالية، إعادة إصلاح الأجهزة النظامية، مراجعة اتفاقية جوبا للسلام، قضية شرق السودان وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م.

وتضمن الاتفاق عدة نصوص، أبرزها انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، وتشكيل سلطة مدنية كاملة بمستوياتها السيادية والتنفيذية والتشريعية.

كما يتضمن تسليم شركات الجيش الاقتصادية إلى وزارة المالية لإدارتها وتصريف شؤونها داخل نطاق الموازنة العامة، وفرض رقابة على شركات التصنيع العسكري بواسطة فرق المراجعة.

كذلك ينص الاتفاق على وضع جدول زمني لدمج التشكيلات المسلحة، بما في ذلك قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش الوطني، لغرض تشكيل جيش واحد وبعقيدة واحدة.

ويرى مؤيدو الاتفاق أنه شكل اختراقاً لحالة الجمود السياسي، ووجد تأييداً دولياً وإقليمياً، وحقّق مكاسب كبيرها في مقدمتها خروج المؤسسة العسكرية من السلطة.

فيما ترى القوى الرافضة أنه التفاف على مكتسبات ثورة ديسمبر، ولا يعمل على تحقيق شعاراتها وإنما يعمل على  تمكن العسكريين من الانفراد بالسلطة.

وقال الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي «الأصل» المهندس عادل خلف الله، إن الاتفاق الإطاري ضرب جديد من مصالحات تمّت مع بعض القوى السياسية وبين الديكتاتوريات، باتفاق أغفل خمس قضايا مهمة في مقدمتها العدالة الانتقالية.

وأضاف لـ«التغيير»، أن حزب البعث كان موقفه واضحاً تجاه هذه القضايا المصيرية والتي تتعلّق بدماء الشهداء وعدم إفلات المجرمين من العقاب.

ولفت إلى أن المكون العسكري الانقلابي لن يعمل على تنفيذ اتفاق يزيحه من السلطة ويقوده إلى حبل المشنقة.

وتمسك خلف الله بضرورة إسقاط الانقلاب وإزالة آثاره، وتفكيك منظومة نظام الإنقاذ البائد، كشروط أساسية لبناء نظام ديمقراطي مستدام.

ودعا إلى «استكمال بناء أوسع جبهة شعبية للديمقراطية والتغيير».

ليست مرحلة

لكن الناطق باسم قوى الحرية والتغيير جعفر حسن، رفض تسمية القضايا الخمس بالمرحلة. وقال لـ«التغيير»: «نحن لا نسميها بالقضايا المرحلة لأنها موجودة في الاتفاق الإطاري وتم الاتفاق عليها مع الجانب العسكري والمكونات المدنية».

وأضاف أن هذه القضايا تحتاج إلى مزيد من النقاش لأن هنالك أطراف أخرى لا تستطيع الحرية والتغيير أن تنوب عنها في الفتوى النهائية.

وأوضح أن القضايا الأربع ستكون لديها مجموعة عمل لها، والخامسة قضية العدالة سيعقد لها مؤتمر يضم أصحاب المصلحة منذ انقلاب 1989م باعتبارها حجر الزاوية.

مجموعات عمل

وقال جعفر إن المجموعات سيتم تقسيمها إلى مجموعة شهداء فض اعتصام القيادة، والإبادة الجماعية في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ستكون مجموعة، وشهداء ميدان الحرية في بورتسودان مجموعة، وشهداء العرقوب وكجبار في شمال السودان مجموعة، ومجموعة الشهداء بعد انقلاب  25 أكتوبر.

وأضاف: «كل هذه المجموعات لابد أن تكون جزءاً من صناعة عملية العدالة القادمة في السودان».

وتابع: «نتطلع لإنهاء العمل في أقل من أسبوعين، لأن هذا العمل سيكون بالتوازي».

وزاد: «وبالتوقيع على الخمس قضايا يكون الاتفاق النهائي قد اكتمل وبموجبه سيتم تشكيل السلطة المدنية الكاملة».

عرقلة الاتفاق

فيما تخوّف المحلل السياسي أحمد عمر موسى، من عرقلة القضايا المرحلة للاتفاق بين المدنيين والعسكريين.

وقال لـ«التغيير»، إن القضايا المرحلة تعتبر معقّدة وتتطلب الإعداد والتحضير الجيد من حيث مقترحات الحلول والتي ينبغي أن تشارك في تحضيرها مجموعات واسعة من الخبراء والاختصاصيين تجنباً لمنزلقات انهيار العملية السياسية.

الأكثر تعقيداً

واعتبر موسى أن قضية شرق السودان من أكثر القضايا تعقيداً لأنها تعد أزمة مركبة لا ترتبط فقط بالإشكاليات الناجمة عن انعدام التنمية المتوازنة وتداعياتها المتصلة بالصراع على الموارد، ولا تنحصر في الخلافات حول القضايا السياسية بل تتعداها إلى التقاطعات الإقليمية، إضافة للأبعاد المتصلة بأمن البحر الاحمر وأطماع بعض الدول في السيطرة عليها، وكل ذلك يزيد من صعوبة حل القضية.

جدية الأطراف

وحول عملية إصلاح المنظومة العسكرية، أكد الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي اللواء أمين إسماعيل المجذوب، أن قضية إعادة هيكلة وإصلاح الأجهزة النظامية تحتاج إلى جدية من أطراف الاتفاق وامتلاكهم للإرادة السياسية.

ولفت إلى أن المرحلة القادمة ستحدِّد مدى جدية الأطراف في تنفيذ الاتفاق من عدمه.

وقال المجذوب لـ«التغيير»، إن إصلاح المنظومة العسكرية قضية معقدة وبها الكثير من المحاذير التي بإمكانها أن تهدّد الأمن القومي السوداني، لأن تجربة تفكيك الجيوش وإعادة الدمج والتسريح في بعض دول الجوار كانت مدخلاً لتفكيك الدول.

وأضاف أنه ليس هناك ما يجبر العسكر على التنازل حيال تلك القضايا أو حتى الاستمرار في مناقشتها كجزء من اتفاق أبرموه دون أن يتضمنها.

واتفق الكاتب الصحفي كمال الجزولي، مع اللواء المجذوب فيما ذهب إليه، وقال إنه مع استبعاد أو إرجاء القضايا الأساسية لا يمكن إذاً لأي تقييم أمين أن يغفل ملاحظة أن هذا الاتفاق هو بالنتيجة محض شراكة دم أخرى لا تستهدف سوى محاصصة جديدة لتقاسم السلطة.

وأضاف الجزولي: «بدون هذه القضايا الأربع لا وجود لما يستوجب حتى التفاوض دع الاتفاق»- على حد تعبيره.

عدم الإفلات من العقاب

وفي السياق، قلّل عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد خليل، من تشكيل القضايا الخمس حجر عثرة في طريق تكملة الاتفاق.

وقال لـ«التغيير»، إن قوى الحرية والتغيير رأت أن تفرد لهذه القضايا مساحة واسعة بمشاركة أهل المصلحة الحقيقيين، خاصة في قضية العدالة، وترك الأمر لأسر الشهداء ليقرروا في الكيفية التي يريدون أن تسير بها العدالة.

وشدّد خليل على ضرورة عدم إفلات المجرمين من العقاب، وقال إن السودان شهد انتهاكات منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، وبالتالي هذه القضية تحتاج إلى مناقشات كبيرة ويفتح لها حيز واسع ومشاركة كبيرة من السودانيين للخروج من مأزق الأزمة التي ظلّت موجودة داخل الأنفس وظل المجرمون يفلتون من العقاب.

على كلٍ، ينتظر أن تنطلق الأسبوع المُقبل مجموعات العمل الخاصة بملفات الاتفاق النهائي بين المدنيين والعسكريين، والتي ستناقش القضايا الخمس التي تمثل ركائز أساسية يقوم عليها الاتفاق النهائي بمشاركة أصحاب المصلحة الحقيقيين وهي اختبار حقيقي لجدية الأطراف ولإمكانية نجاح الاتفاق السياسي في حل الأزمة المتطاولة.

تاريخ الخبر: 2022-12-23 03:23:35
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية