أشاد عدد من خبراء الاقتصاد بقرار البنك المركزى المصرى، الخاص برفع معدلات الفائدة بمقدار ٣٠٠ نقطة أساس «٣٪»، فى آخر اجتماعاته هذا العام، مشيرين إلى أهمية القرار فى كبح جماح التضخم.

وشدد الخبراء، الذين تحدثت معهم «الدستور»، على أن القرار يأتى فى توقيت مهم، فى ظل الأوضاع العالمية والمحلية، وقرار مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى مؤخرًا برفع سعر الفائدة على الدولار.

وأشاروا إلى أن قرار «المركزى» كان متوقعًا فى ظل الظروف الحالية، متوقعين أن يحد رفع الفائدة بنسبة ٣٪ من التضخم، ويتصدى لارتفاع الأسعار، ومضاربات السوق السوداء التى أسهمت فى تعميق الأزمة الاقتصادية العالمية على المستوى المحلى، وستظهر آثاره الإيجابية خلال الربع الأول من ٢٠٢٣. 

سالى فريد: يسهم فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية

قالت الدكتورة سالى فريد، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، إن رفع البنك المركزى المصرى سعر الفائدة فى اجتماعه الأخير كان متوقعًا، ويتماشى مع الأوضاع الاقتصادية التى تشهد ارتفاعًا كبيرًا فى معدلات التضخم.

وأضافت أستاذ الاقتصاد: «الرؤية المستقبلية تجاه سعر صرف الدولار أمام الجنيه تشير إلى تذبذب الأوضاع خلال الربع الأول من عام ٢٠٢٣، وبعد ذلك سنلاحظ استقرارًا فى السوق المحلية، بعد أن تهدأ وتيرة الارتفاع فى أسعار الصرف، كما أن رفع أسعار الفائدة سيلعب دورًا إيجابيًا فى هذا الصدد من خلال زيادة القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب الحد من التضخم».

ورأت أن القرار يعكس مدى احترافية إدارة السياسة النقدية للدولة المصرية، وقدرتها على مجابهة جميع التحديات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا، متابعة: «رفع أسعار الفائدة بتلك النسبة الكبيرة جاء لمواجهة جميع أشكال التلاعب فى السوق السوداء، التى تسببت فى تعميق الأزمة محليًا على مدار الأسابيع الماضية، وخلقت جوًا غير صحى من المضاربات، ما استدعى تدخل صانع السياسة النقدية لإيقاف التلاعب بشكل قوى وحازم».

عبدالمنعم السيد: يضبط سوق الصرف ويحافظ على قوة الجنيه

قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مكتب القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن رفع البنك المركزى سعر الفائدة، يهدف إلى السيطرة على التضخم، الذى وصل متوسط معدله فى مصر لـ٢١٪.

وأضاف «السيد»: «القرار هدفه تقليل اتجاه بعض الفئات للاحتفاظ بالدولار والذهب كمخزون للقيمة والاتجار بهما، كما يقلل من احتفاظ البعض بالعملة المحلية».

وواصل: «من المتوقع بعد رفع البنك المركزى المصرى سعر الفائدة، إصدار البنوك شهادات استثمار بعائد قد يصل إلى ٢٠٪، وبالتالى القرار يسهم فى ضبط سوق الصرف، سواء بالنسبة للدولار أمام الجنيه أو الذهب أمام الجنيه، كما يهدف إلى الحفاظ على القوة الشرائية للجنيه بعد انخفاضها فى ظل التضخم وزيادة معدلات الأسعار».

واختتم بقوله: «البنك المركزى يحاول السيطرة على التضخم، فى ظل معدلات غير مسبوقة من زيادة الأسعار عالميًا ومحليًا، ولم يتخذ إجراءات تعويم جديدة للجنيه، مثلما كان متوقعًا، لأنه لا فائدة من تعويم العملة المحلية، فى ظل وجود شح فى الحصيلة الدولارية».

خالد الشافعى: يوجه القوة الشرائية للاستثمار فى الودائع وأدوات الدين

أرجع الخبير الاقتصادى خالد الشافعى نسبة الارتفاع الكبير فى أسعار الفائدة إلى الموجة التضخمية الكبيرة التى يشهدها العالم كله، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ سلاسل الإمداد والتوريد، الأمر الذى أثر بشكل كبير على أسعار السلع والمنتجات. 

وأضاف: «رفع أسعار الفائدة يقلل القوة الشرائية، ويوجهها نحو الاستثمار فى الودائع وأدوات الدين»، مطالبًا الحكومة بالمزيد من تشديد الرقابة على الأسواق والتصدى لجشع التجار، الذى أدى لارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع دون مبررات. 

أحمد معطى: يسهم فى سد الفجوة الدولارية وتراجع الذهب

قال الخبير الاقتصادى أحمد معطى إن القرار يهدف بالأساس إلى خفض معدلات التضخم حتى يصل إلى مستهدفاته الرسمية المعلنة من البنك المركزى، وبعد رفع أسعار الفائدة سيتجه عدد كبير من المودعين إلى البنوك للاستثمار فى شهادات الادخار، للحصول على الفائدة المرتفعة.

وأضاف: «سيؤدى ذلك إلى خفض الطلب على السلع والمنتجات فى الأسواق، ما يدعم خفض الأسعار أو على الأقل يؤدى لاستقرارها خلال الفترة المقبلة». وتابع: «هناك ميزات أخرى لرفع أسعار الفائدة تتمثل فى سد الفجوة الدولارية، مما يؤدى إلى تقليل الضغط على الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى زيادة الحصيلة الدولارية». وتوقع أن تشهد السوق السوداء للدولار تراجعًا خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى تراجع أسعار الذهب أيضًا، خاصة أنه كان مرتفعًا عن سعره الطبيعى خلال الفترة الأخيرة بأكثر من ٤٠٠ جنيه. 

علاء على: يحافظ على أموال المودعين لدى الجهاز المصرفى

توقع الخبير المصرفى علاء على أن يحافظ قرار رفع أسعار الفائدة على أموال المودعين لدى الجهاز المصرفى من غول التضخم، الذى سجل نحو ١٨.٧٪ وفقًا للمؤشرات المعلنة.

وقال «على»: «البنك المركزى المصرى يعمل وفق سياسات نقدية مستقلة، تهدف فى المقام الأول إلى دعم الاقتصاد ومواجهة التضخم الذى لاحق دول العالم كله، ورفع أسعار الفائدة يعد قرارًا تنافسيًا ستظهر آثاره فى الاستقرار الاقتصادى».

وأضاف: «يسهم القرار فى ضبط آليات السوق، وامتصاص قدر كبير من السيولة التى كانت تستخدم فى السوق الموازية وعمقت الأزمة المحلية، وهو ما يتماشى مع قرار مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الذى رفع مؤخرًا سعر الفائدة على الدولار». وواصل: «رفع الفائدة يلعب دورًا قويًا فى كبح جماح التضخم، والسيطرة على ارتفاع الأسعار الذى لاحق معظم السلع الاستراتيجية والاستهلاكية، وتسبب خلال الفترة الأخيرة فى معاناة المواطن من موجة ارتفاع الأسعار، التى تفاقمت فى ظل جشع التجار ومستغلى الأزمات». وتوقع الخبير الاقتصادى أن تلجأ الدولة إلى تنفيذ حزمة من الإجراءات الرقابية بالتزامن مع رفع أسعار الفائدة؛ لضبط الأسعار وتحقيق الاستقرار فى الأوضاع الاقتصادية، ما يعود نفعه فى النهاية على المواطن.

جيهان عبدالسلام:  يشير لقدر عالٍ من الاحترافية فى إدارة السياسات النقدية

قالت الدكتورة جيهان عبدالسلام، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، إن قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة يعبّر عن قدر عالٍ من الاحترافية فى إدارة السياسة النقدية.

وأضافت: «هذه الاحترافية ظهرت بقوة فى قرارات لجنة السياسة النقدية خلال عام ٢٠٢٢، التى كان آخرها رفع سعر الفائدة، وهو قرار تميز بقدر من الحكمة والقوة لمواجهة جميع آليات التلاعب التى حدثت مؤخرًا داخل السوق الموازية».

وبينت أن القرار له أكثر من شِق لاحتواء الموجات التضخمية أيًا كان مصدرها، وبطبيعة الحال لا بد أن يتم التعامل مع فائض السيولة برفع سعر الفائدة، إضافة لإجراءات امتصاص السيولة الأخرى، المتمثلة فى زيادة الاحتياطى الإلزامى والامتصاص بشكل مباشر.

ورأت أن قرار «المركزى» يحافظ على قوة وقيمة الجنيه مقابل الدولار الذى يشهد ارتفاعات متتالية فى الخارج، مضيفة: «ذلك مهم جدًا من أجل محاولة اجتذاب الأموال الساخنة فى الفترة القصيرة المقبلة، وتعويض الندرة الدولارية الشديدة».

وقالت أستاذة الاقتصاد: «وفقًا لقرار البنك المركزى، فإنه من المفترض نظريًا أن تقل أسعار السلع، لأن المواطنين بالتبعية سيستجيبون لارتفاع سعر الفائدة، بحيث تقل السيولة فى أيدى الناس، لتدخل الأموال إلى المصارف».

واختتمت بقولها: «انخفاض السيولة والمعروض النقدى بشكل عام مع ثبات العوامل الأخرى سيؤديان بالتأكيد إلى انخفاض الأسعار، وتحسن قيمة الجنيه مرتبط بانخفاض الأسعار بشكل كبير، وجعل القوة الشرائية للجنيه مقابل الدولار أكثر ثباتًا، فى ظل التشديد النقدى فى الولايات المتحدة».

جاب الله: يمتص السيولة

وصف الخبير الاقتصادى وليد جاب الله قرار رفع أسعار الفائدة بنسبة ٣٪ بـ«الجرىء والحاسم»، مؤكدًا أن هذه النسبة سيكون لها أثر كبير فى إعادة هيكلة الودائع، وسحب أكبر قدر من السيولة من الأسواق، بما يؤدى إلى انخفاض الطلب. وقال: «للتضخم جانبان، الأول يتعلق بحجم النقود الموجودة فى السوق، والفائدة المرتفعة سيكون لها دور إيجابى فى امتصاص السيولة من السوق وخفض الطلب، بما يؤدى إلى حل نصف المشكلة، أما الجزء الثانى فيتعلق بارتفاع عناصر الإنتاج، لا سيما المستوردة منها، وهذا الأمر يحتاج إلى سياسات أخرى خارج السياسة النقدية. 

سمر عادل: يخفض الطلبات الترفيهية ويزيد استثمار الودائع

قالت سمر عادل، الباحثة والمحللة الاقتصادية، إن قرار البنك المركزى كان متوقعًا، وكل الشواهد الاقتصادية كانت تؤكد قرب اتخاذه، مشيرة إلى أنه يستهدف زيادة الاستثمار على العملة المحلية مقارنة بالدولار، والحفاظ على العملة الأجنبية، وتحجيم مستويات التضخم التى شهدتها السوق فى الفترة الأخيرة.

وأضافت: «رفع أسعار الفائدة يستخدم لجذب السيولة الزائدة من السوق، ما يؤدى إلى مواجهة التضخم حال ارتفاعه، ويعتبر ذلك إحدى أهم الآليات لمواجهة ارتفاع الأسعار والتضخم».

وواصلت: «جذب السيولة من السوق عن طريق رفع أسعار الفائدة على الودائع سيعمل على مواجهة عمليات الطلب الترفيهية، أو سيدفع المقبلين على عمليات شراء لتأجيل قراراتهم الشرائية بما يواجه التضخم».

وقالت إن القرار يأتى أيضًا فى إطار سعى البنك المركزى إلى الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادى مرتفعة، وكذلك خفض معدلات البطالة. ورأت أن قرار رفع الفائدة كان صائبًا لمواجهة الضغوط الخارجية، مع استمرار «الفيدرالى الأمريكى» فى رفع أسعار الفائدة أيضًا، وهو ما يدفع البنك المركزى المصرى إلى مواكبة تلك الزيادة. وأشارت إلى أن ذلك يسهم فى تقليل القيود الهيكلية على سعر الصرف، بما يحجم من السياسات الخارجية المرتبطة بالتشديد النقدى، مضيفة: «البنوك ستتجه لرفع هامش الفائدة، إما من خلال طرح شهادات جديدة أو رفع هامش الفائدة على الشهادات متغيرة العائد».

واختتمت بقولها: «من أهم الفوائد الإيجابية للقرار هى أن كثيرًا من المواطنين سيتجهون إلى الاستثمار فى الودائع، نتيجة رفع سعر الفائدة ٣٪، للاستفادة من المعدلات المرتفعة».

أحمد شوقى:  يواجه خروج الاستثمارات غير المباشر

رأى أحمد شوقى، الخبير الاقتصادى، أن قرار رفع أسعار الفائدة كان متوقعًا، مشيرًا إلى أن الرفع بنسبة ٣٪ يهدف لاحتواء معدلات التضخم، بعد أن وصلت معدلات التضخم السنوى إلى ١٨.٧٪، والتضخم الأساسى إلى ٢١.٥٪. 

وقال «شوقى»: «رفع أسعار الفائدة لا يبعث على القلق، لأن الاقتصاد المصرى شهد ارتفاعًا من قبل فى منتصف ٢٠١٧ حين بلغ التضخم ٣٤٪، متبوعًا بانخفاض حتى وصل إلى نحو ٤٪ فى أواخر ٢٠٢١، إلا أن الارتفاع الحالى للتضخم يرجع لعوامل خارجية». وشدد على أن الأمور مطمئنة، لأن لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى لم تغير مستهدفاتها للتضخم، وأبقته عند معدلات «٧٪ +/- ٢٪» حتى آخر ٢٠٢٤، وهو ما يعكس حقيقة أن التضخم الحالى مؤقت، وأن هناك انخفاضًا خلال الفترة المقبلة مع زوال تداعيات الأزمة الحالية.

وأشار إلى أن الرفع الحالى للفائدة سيدعم من موقف العملة المحلية فى مواجهة ما تم سحبه من استثمارات غير مباشرة تجاه الاقتصاد الأمريكى، إلا أن ذلك سيؤثر فى زيادة تكلفة التمويل للشركات والمؤسسات المقترضة والأفراد، فضلًا عن زيادة تكلفة أعباء خدمة الدين.

وتابع: «سيظهر أثر القرار فى حجم المعروض لتقليل الطلب، الأمر الذى يخفض التضخم، وسيكون له أثر غير مباشر على الأسعار».