الاتفاق الإطاري من الضامن لتنفيذه؟


الاتفاق الإطاري من الضامن لتنفيذه؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن 

إن حكم العسكر للبلاد في فترات استمرت أكثر من نصف قرن ونيف، أفرزت ثقافة شمولية تراكمية من الصعب إزالتها في فترة وجيزة، وتحتاج لسنين طويلة، والعسكر حكموا السودان هذه الفترات الطويلة بالثقافة العسكرية التى لا تؤمن بالمجادلة أو الحوار، هي سياسة تطالب بالتنفيذ دون المجادلة في القرار الصادر من القيادة حتى إذا كان خطأ، وهذه السياسة لها تأثيراتها السالبة لأنها تفرز ثقافة غير ديمقراطية في المجتمع، وعندما تحدث الثورات والانتفاضات تظل الأرضية الثقافية التي يحاول أن يؤسس عليها الحكم الجديد نظامه الديمقراطي أرضية ضارة غير صالحة للديمقراطية تحتاج إلي إصلاح، ولأن الأغلبية رغباتها في السلطة تعجز تجدها لا تفكر كثيرا في إزالة الثقافة التي خلفتها النظم العسكرية الشمولية، أي أن تنتج ثقافة ديمقراطية تتجاوز بها الثقافة الشمولية المنتشرة، لذلك تهيئ الأحزاب المعلب مرة أخرى للوجود العسكري لكي يستمر في إنتاج الثقافة الشمولية. ودائما العسكر يجدون من يساندوهم من القوى المدنية رغبة منهم في الحصول على مواقع قيادية في مؤسسات الدولة.

القضية الثانية: أن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى فكر جديد يساعد في عملية التغيير وإصلاح البيئة لكي تساعد على إنتاج الثقافة الديمقراطية، وإصلاح البيئة تحتاج لقيادات سياسية ذات قدرات معرفية عالية وثقافة ديمقراطية، باعتبار أن التحول الديمقراطي يحتاج إلي نخبة سياسية تفتح منافذ الاستنارة، وفي ذات الوقت تكون متجردة لا تتحكم فيها رغبة السلطة، بل هي التي تتحكم في تشكيل السلطة التي تخدم عملية التحول الديمقراطي، والتحكم في السلطة أن تتعدد الوسائل التي يجب أن تراقب السلطة و تمارس عليها نقدا مستمرا حتى لا تنحرف عن مسار الأهداف الإستراتيجية. وأيضا العملية تتطلب فتح حوارات سياسية مع كل القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي، وأيضا مع القوى الأخرى غير الراغبة حتى تحولها من حالة الفعل المضاد إلى الحياد، حتى تغلق الثغرات التي يأتي منها الفعل المضاد والمعيق للأهداف المطلوبة.

القضية الثالثة: معلوم أن الديمقراطية تؤسس في أي مجتمع على أرضية توازن القوى، وأن تكون القوى المدنية أكثر وحدة وتماسكا وقدرة على الحركة والتكتيك، وهي المناط بها أن تقدم البرنامج السياسي المطلوب تنفيذه للوصول إلى تحقيق الأهداف، والتركز دائما على قوة الشارع ويقظته في التصدي إلي أي محاولات تحاول إجهاض العملية السياسية. والشارع لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة إلا إذا كان لديه علاقة عضوية قوية مع القيادات التي تقود العملية السياسية، وأي اعتماد في توازن القوى لقوى غير الشارع لن يحقق الديمقراطية، بل سوف يكون مشروعا جديدا لنظام شمولي. كيف نربط كل لذلك بالاتفاق الإطاري الذي تم بين الحرية والتغيير والعسكر؟.

كان الاعتقاد أن الاتفاق الإطاري يكون بمثابة خطوة تفتح أبواب الحوار بين كل المكونات المدنية ويحدث حوارا جادا يخرج بمشروع سياسي، تكون الضامن له قوى اجتماعية عريضة هي نفسها تصبح القوى التي تعادل ميزان القوة مع العسكر، وهذه الخطوة كانت تحتاج إلي أفق أعلى في التفكير بعيدا عن رغبات السلطة، أو محاولة القبض على مفاصل الأدوات التي تتحكم فيها، حتى تصبح هناك قوى بعينها صاحبة القول الفصل. أن الحرية والتغيير المركزي استطاعت أن تدير عمليتها حتى توقيع الاتفاق، لكنها فشلت في تغير خطابها خوفا أن تخرج العملية من يدها، ولذلك أطلقت عليها “لا نريد إغراق العملية السياسية” الإمر الذي جعلها هي التي تحدد القوى التي يجب أن توقع على الإتفاق الإطاري. هذا الأمر سوف يخلق إشكالا بين القوى المدنية، ليس مختصرا على الأحزاب، بل حتى مع أغلبية لجان المقاومة، باعتبار أن الحرية المركزي تمارس عليهم الأستاذية، وأيضا يبعد قوى اليسار الأخرى باعتبار أنها قوى مضافة وليست شريك في الفعل السياسي.

قال الصديق الصادق المهدي القيادي في حزب الأمة والحرية المركزي في المؤتمر الصحفي للحرية المركزي الأخير “أن الاتفاق الآطاري أحدث نقلة جديدة أفضل من كل الاتفاقيات التي تمت في الفترة الانتقالية الماضية” وقال خالد عمر يوسف القيادي في المؤتمر السوداني والحرية في ذات المؤتمر الصحفي” الآطار وضع الأساس الصحيح للانتقالي الديمقراطي” لكن هذا الاتفاق الإطاري يحتاج إلي خدمة سياسية تختلف تماما عن التي تتبناها الحرية المركزي، إذا هي تريد أن تؤسس بناء وحراك جديد يقوم على الشفافية، لكن الحرية خافت أن تفقد السيطرة على إدارة العملية السياسية إذا دخلوا لاعبين جدد في المسرح السياسي، هذا الخوف يجعلها لا تنشر الإعلان السياسي في الصحف السيارة لكي يصبح مادة للحوار السياسي، وأيضا لم تنشر الاتفاق الإطاري قبل التوقيع عليه وبعد التوقيع، حتى تصبح هي المسيطرة على المشهد، وتتحدث فيه لوحدها في غياب كامل للمعلومة عند الآخرين، هذه الأفعال لا تؤسس لبيئة صالحة لعملية التحول الديمقراطي، بل تجعل الساحة مليئة بالاتهامات والتشكيك، وإفرازات تقود الناس لصراعات هامشية، لذلك الشفافية مطلوبة ونشر المبادرات مطلوبة لكي تحدث الحوار وهو الذي يخلق وعيا جديدا في المجتمع، ومادام الحرية هي التي لها القدرة بتقديم المبادرات التي يفكر فيها الناس تكون هي القيادة المنتظر منها تقديم عروض الحل، وهذا المكسب السياسي الذي يعود عليها.

وعندما تحاول أن تضيق الحرية المركزي ماعون المشاركة، وتغلق ساحة الحوار؛ تكون بمحض إرادتها فقدت السند الشعبي الذي يسند مشروعها السياسي، وبالتالي لا تعتمد على الحل وفقا لتوازن القوة من قبل الشارع، بل تعتمد على قوة العسكر، لأنهم الجهة الموقعة على الاتفاق الآطاري مع قوى محدودة القاعدة الاجتماعية، وهنا يصبح العسكر هم الضامنين للإتفاق الإطاري، وأن القوى الموقعة معهم لا تملك عليهم كروت ضغط توقف تمددهم، ويصبح العسكر لم يخرجوا من السلطة، حتى إذا خرجوا من مجلس السيادة والوزراء، ويصبحوا وحدهم القوى الضامنة للاتفاق، وفي أي وقت؛ يعتقد العسكر أن الحرية المركزي تضر بمصالحهم يستغنون عنها كما فعلوا في 25 أكتوبر. وهنا يصبح التفكير عند قيادة الحرية المركزي لا تحكمه أهداف عملية التحول الديمقراطي، بل تحكمه رغائب السلطة.

أن الحرية المركزية مطالبة أن تعيد النظر مرة أخرى في خطابها السياسي إذا بالفعل هي تهدف لعملية التحول الديمقراطي، وأن تفتح كل أبواب الحوار مع القوى السياسية الأخرى الراغبة في عملية التحول الديمقراطي، صحيح هناك هوة شاسعة في التفكير بين المكونات السياسية لكن الحوار وحده يقرب المسافات بين الأطراف المختلفة، إذا كان القضية مرتبطة فقط بالديمقراطية. كما أن الأحزاب في الحرية المركزي في حاجة إلى أختبار عناصرها الذين يديرون العملية السياسية، باعتبار كل مرحلة تحتاج لقدرات بعينها لكي تسهل علمية التواصل مع الأخر. وإذا احتفظت الحرية المركزي بذات خطابها تكون قد أختارت العسكر دون الشارع حتى إذا ملأت سماء السياسة كلها بشعارات التحول الديمقراطي. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2022-12-25 15:23:55
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

ميلة: بعثـة من مجلـس الأمـة تعايـن مرافـق واستثمـارات

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:27
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

والــي أم البواقي يكشف: مسـاع للتكفـل بالمستثمريـن عبـر 17 منطقـة نشـاط

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنســاني

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية