على الرغم من اهتمام الجميع بخصوصياتهم ومحاولاتهم للحفاظ على سرية بعض المعلومات لأنفسهم فقط، إلا أنه مع قدوم التكنولوجيا وتطورها بالشكل الذي جعلها متاحة للجميع، أصبحت السرية تاريخاً بالفعل. فالأجهزة المحمولة والمركبات التي نستخدمها والبطاقات التي نستخدمها للدفع، حتى الشوارع التي نتجول باتت ترى وتسجل كل شيء تقريباً عن حياتنا.

وإلى جانب كل ما جرى ذكره، جاءت جائحة كورونا تفاجئنا أننا بالفعل نعيش بالتوازي مع العالم الذي جرى تصويره في رواية "1984" المنشورة عام 1949، والتي رسم فيها الأديب الإنجليزي جورج أورويل عالماً بائساً ومستقبلاً بلا سرية، لاسيما بعد اتخاذ العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير جذرية لاحتواء جائحة فيروس كورونا عبر تغيير تواصلنا وتفاعلاتنا البشرية المعتادة، وتقييد حريتنا في الحركة، واستخدام البيانات السلوكية والجغرافية لفهم فعالية هذه التدابير.

وفي حين أنه من غير الواضح إلى أي مدى صاغ أورويل روايته 1984 كتنبؤ لما سيأتي، إلا أن تحذيره للمجتمع من مخاطر الأنظمة الشمولية أمر مخيف في ضوء الصراع المستمر على السلطة بين الدول القوية، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والإعلام والرقمية.

عالم رواية 1984

الرواية البائسة، التي كتبت في عام 1948 ونشرت بعدها بعام واحد عندما كان كاتبها يحتضر من مرض السل، تصور مستقبلاً متخيلاً في عام 1984 عندما تغير العالم إلى درجة لا يمكن تعرُّفها، وحيث تجري مراقبة الجمهور والتحكم فيه من قبل ثلاث دول شمولية في حالة حرب باستمرار.

لم يكن لأي رواية من القرن الماضي تأثير أكبر من رواية جورج أورويل"1984". فيما دخلت مفردات الحزب القوي الذي يحكم أوقيانوسيا العظمى بإيديولوجية إنغزوك - التفكير المزدوج، فجوة الذاكرة، جريمة الفكر، شرطة الفكر، الغرفة 101، والأخ الأكبر - اللغة الإنجليزية كعلامات يمكن التعرف عليها على الفور لمستقبل مرعب. ويكاد يكون من المستحيل الحديث عن الدعاية والمراقبة والسياسة الاستبدادية وانحرافات الحقيقة دون إسقاط إشارة إلى عام 1984.

وتتمحور تعويذة أورويل عن دولة الأخ الأكبر القاتمة حول السيطرة، وحياة بطلها وينستون سميث الذي يعمل رقيباً بوزارة "الحق" منهكاً في إعادة كتابة وتغيير الأخبار المنشورة سابقاً لجعلها متسقة مع الحاضر والتحالفات المتغير التي يجريها الحزب، الذي شعاره "من يتحكم في الماضي، يتحكم في المستقبل. من يتحكم في الحاضر يتحكم في الماضي".

فيما تحتوي الصفحات القليلة الأولى من الرواية على جميع الحقائق السياسية لهذا المجتمع المستقبلي الذي تراقبه شاشات التلفاز وتتطفل دورية الشرطة على نوافذ الناس. ويحدق الأخ الأكبر، الشخصية الشمولية، من الملصقات الملصقة في جميع أنحاء المدينة، وتبث شاشات العرض الخاصة منصة الحزب وتدفقه المستمر من المعلومات والترفيه. يفترض الجميع ببساطة أنهم يخضعون للمراقبة دائماً، ومعظمهم لم يعد يعرف كيف يهتم، باستثناء وينستون الذي كما لو كان مضطراً للتغلب على ذاكرته من خلال الكتابة في مجلة ورقية حقيقية.

"موت الخصوصية"

بالكاد يستطيع أفراد اليوم العيش بدون جهاز محمول. الأجهزة مثل الهواتف المحمولة والساعات الذكية والأجهزة اللوحية متاحة للجميع تقريباً. فإلى جانب أن هذه الأجهزة المرتبطة بشبكة اتصال أو إنترنت قادرة على تتبع موقع المستخدم بدقة متناهية، فإن وجود ميكروفون وكاميرا على الأجهزة المحمولة يسمح بتسجيل الصوت والفيديو.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتطبيقات الموجودة على الأجهزة المحمولة اكتشاف اهتمامات المستخدم ونفقاته والأشخاص والمجموعات التي يتعاملون معها والأفلام والموسيقى التي يحبونها. مع معالجة هذا الكم الهائل من البيانات، يصبح من المستحيل تقريباً أن يضيع شخص لديه جهاز محمول، على الأقل في العالم.

ومع قدوم معظم تقنيات التتبع إلى المركبات، لم يعد سراً أين يذهب الشخص الذي يسافر بمركبة مجهزة بتكنولوجيا متقدمة، وكم من الوقت يستغرق، ومتى يتوقف، ومع من يسافر، وما الذي يستمع إليه على الطريق. ومن بين أبرز المعجزات التكنولوجية التي تقضي على الخصوصية الشخصية، تأتي البطاقات الائتمانية وطرق الدفع الحديثة التي تسمح للبنوك والمؤسسات المالية بالاطلاع على كل حركاتنا التسّوقية والنقدية.

وفي حال كنت من بين الأشخاص الذين لا يحملون جهازاً محمولاً متصلاً بالإنترنت، فلا يزال من غير الممكن إخفاؤك، لاسيما وأن المدن أصبحت الآن أكثر تقنية مع الكاميرات الأمنية الموضوعة في مراكز التسوق والمتاجر والمباني التي تتطلب الأمن وحتى في كل شقة تقريباً، يتعرض الشخص لتسجيل الفيديو طوال اليوم، حتى لو لم يكن على علم بذلك. وفي حال كنت في مكان يخلو من كاميرات المراقبة، عليك ألا تنسى الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض والتي تحسنت لديها دقة الصور بشكل كبير مؤخراً.

ماذا يجب أن نفعل؟

بينما تخضع الخصوصية تحت هيمنة التطور التكنولوجي بشكل سريع للغاية، فإن الأفراد ليسوا عاجزين تماماً. توفر معرفة الحقوق القانونية على وجه الخصوص والارتباط بالتكنولوجيا حماية مهمة. فالعديد من البلدان، بما في ذلك تركيا، لديها لوائح بشأن حماية البيانات الشخصية. يجب تعلم قانون حماية البيانات الشخصية جيداً ويجب تطبيقه في الحياة اليومية.

وبدلاً من ترك "خيارات الخصوصية" على حالتها الافتراضية على الأجهزة المحمولة والتطبيقات المثبتة على الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، فإن تعيينها بشكل يدوي واحداً تلو الآخر يوفر حماية مهمة.

الأمر متروك لك لتحديد ما تريد مشاركته مع جهازك المحمول وأي تطبيق يمكنه الوصول إليك. مرة أخرى، يؤدي ضبط الكاميرا والميكروفون وميزات الموقع على الجهاز المحمول للوصول إليها من خلال أي تطبيق وفي أي موقف إلى زيادة الخصوصية نسبياً.

TRT عربي