مسيح بيت لحم .. عجيب في ميلاده
مسيح بيت لحم .. عجيب في ميلاده
السيد المسيح كان عجيبا في ميلاده.. إذ ولد بعيدا عن مظاهر الكرامة العالمية. ولد السيد المسيح بين الأغنام والحيوانات التي كانت تقدم كذبائح للرب في الهيكل بأورشليم, مؤكدا منذ اللحظة الأولي لميلاده متجسدا أنه هو حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. وهذا هو المشهد العجيب للميلاد..
بهذه الكلمات العميقة والمعزية وتحت عنوان السيد المسيح في ميلاده بحسب الجسد ونشأته يحدثنا المتنيح نيافة الأنبا بيشوي في كتابه المسيح مشتهي الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير الشهيدة دميانة بالبراري.
الحمل في وسط الحملان والذبائح
ويمضي بنا الأنبا بيشوي كي نتأمل معه: ولد في الحظيرة لأنه ينبغي أن يكون الراعي وسط الخراف. إذ هو الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو10:11), وهل يمكن أن يوجد الراعي بعيدا عن خرافه؟!
هو الحمل وهو الراعي في آن واحد وهو عجيب في ميلاده! هو الهيكل الحقيقي وهو القربان! هو الكاهن وهو الذبيحة في آن واحد! لذلك دعي اسمه عجيبا (إش9:6).
جاء السيد المسيح إلي العالم, وإذ لم يجد له مكانا في قلوب غالبية البشر ولد بين الخراف غير الناطقة, ليحول الخراف غير الناطقة (أي البشر قبل الفداء) إلي خراف تعقل الحق, تنطق باسمه وتهتف لمحبته فتشاركه مجده الحقيقي!
وحينما بشرت الملائكة البشر في ليلة ميلاده, بشرت الرعاة الذين يسهرون علي رعاية الذبائح التي تقدم في هيكل الرب. لكي يأتي الرعاة لينظروا الراعي الحقيقي, راعي الرعاة, مخلص العالم, ابن داود الراعي الذي تعب وسهر في رعاية خرافه وحارب الأسد والدب ليخلصها.
ولد السيد المسيح في بيت لحم مدينة داود, وهي أصغر مدن المملكة, وكان داود هو الأصغر بين إخوته لأن السيد المسيح قد اختار طريق الاتضاع ليملك علي القلوب بتواضعه. أما أنت يا بيت لحم أفراتة, وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا, فمنك يخرج لي, الذي يكون متسلطا علي إسرائيل. ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (مي5:2). لأن منك يخرج مدبر يرعي شعبي إسرائيل (مت2:6).
وضع الرب يسوع, كلمة الله المتجسد وهو طفل في المذود.. في الموضع الذي تأكل منه الحيوانات في الحظيرة, ليؤكد أنه جاء طعاما لحياة العالم الذي كان غارقا في ظلمات الجهل والخطية, وكان البشر يسلكون فيه مثل البهائم التي تباد, وقال عن نفسه إنه هو الخبز خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.. فمن يأكلني فهو يحيا بي (يو6:33, 57).
هذه الحظيرة التي كانت حقيرة في مظهرها, تحولت بحلول الكلمة المتجسد فيها إلي كنيسة للمجد والبهاء, وهي كنيسة المهد في بيت لحم, حيث اقترب ملايين البشر من الأسرار المقدسة في التناول من جسد الرب ودمه علي مر العصور.
عجيبة هي والدة الإله القديسة مريم العذراء التي شاهدت وسمعت وكانت تحفظ كل هذه الأمور متفكرة بها في قلبها (لو2:19). كانت الكنيسة -العروس المحبوبة- ممثلة في شخص السيدة العذراء وهي تعاين خلاص الله بين ذراعيها نورا متألقا لحياة العالم.
هناك في الحظيرة.. هناك بين الحيوانات.. هناك حيث لم يدرك البشر وقتذاك.. هناك تلتقي النفس بالحقيقة الخالدة أن الكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا (يو1:14).
مسيح بيت لحم
وإذا كانت بيت لحم مدينة داود, أصغر مدن المملكة, فإنها- كما يوضح نيافة أنبا بيشوي- اسما نبويا يشير إلي ميلاد السيد المسيح حيث بيت لحم باللغة العبرية معناها بيت الخبز, ونظرا لأن السيد المسيح قد قال عن نفسه أنا هو خبز الحياة (يو6:35).
أراد السيد المسيح أن يوضح لليهود الفرق بين الخبز الذي أكله آباؤهم في برية سيناء وماتوا وبين الخبز الحي النازل من السماء الذي يهب الحياة الأبدية, لذلك قال لهم: آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء, لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت (يو6:49, 50). الحق الحق أقول لكم: ليس موسي أعطاكم الخبز من السماء, بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء (يو6:32).
من خلال حوار السيد المسيح مع اليهود نلمس شدة اهتمامه بإبراز العلاقة بينه وبين الخبز- ولكن ليس أي خبز بل الخبز السماوي.
يضيف أنبا بيشوي: بيت لحم المدينة الصغيرة مبنية علي أكمة تبعد 6 أميال إلي الجنوب من أورشليم وهي محاطة بتلال تكسوها الأشجار والنباتات الجميلة, وفيها مياه عذبة تتفجر من أراضيها المخصبة.
وقد ولد داود النبي والملك في بيت لحم ونشأ وتربي فيها وكان راعيا لغنم أبيه في مراعيها الخضراء, وكان داود في الجوانب المقدسة من حياته رمزا للسيد المسيح.
وقد ورد في سفر راعوث أن أليمالك رجل من بيت لحم ذهب ليتغرب في بلاد موآب هو وامرأته وابناه, وبعد وفاته تزوج ابناه من عرفة وراعوث, وبعد موت الابنين عادت نعمي وأصرت راعوث أن تعود معها وقالت لحماتها: شعبك شعبي وإلهك إلهي (را1:16). فذهبتا كلتاهما حتي دخلتا بيت لحم في ابتداء حصيد الشعير, وجمعت راعوث وراء الحصادين من السنابل في حقل لرجل من عشيرة أليمالك اسمه بوعز, وكان رجلا فاضلا وتزوج راعوث, وأنجب منها عوبيد الذي هو أبو يسي أبي داود (را4:17).
قال الرب لصموئيل النبي: املأ قرنك دهنا وتعال أرسلك إلي يسي البيتلحمي, لأني قد رأيت لي في بنيه ملكا (1صمو16:1). ففعل صموئيل كما تكلم الرب.. وقدس يسي وبنيه ودعاهم إلي الذبيحة, وكان لما جاءوا أنه رأي اليآب, فقال: إن أمام الرب مسيحه. فقال الرب لصموئيل: لا تنظر إلي منظره وطول قامته لأني قد رفضته وعبر يسي بنيه السبعة أمام صموئيل, فقال صموئيل ليسي: الرب لم يخترهؤلاء وقال صموئيل ليسي: هل كملوا الغلمان؟ (صمو16:11). فقال: بقي بعد الصغير وهوذا يرعي الغنم. فقال صموئيل ليسي: أرسل وأت به فقالالرب: قم امسحه لأن هذا هو فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدا ثم قام صموئيل وذهب إلي الرامة (1صم16:4-13).
في بيت لحم ولد الملك داود.. وفي بيت لحم مسح صموئيل النبي داود ملكا, وبدأت مملكة داود التي كملت بمجيء السيد المسيح. لذلك قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم عن المسيح الرب الذي سوف يولد منها ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولا يكون لملكه نهاية (لو1:32, 33).
وحينما دخل السيد المسيح أورشليم راكبا علي أتان وعلي جحش ابن أتان استقبلته الجموع بهتاف قائلين: أوصنا لابن داود, مبارك الآتي باسم الرب, أوصنا في الأعالي (مت21:9).
وعندما بشر الملاك الرعاة في مراعي بيت لحم بميلاد السيد المسيح قال لهم: ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو2:11), وتنبأ ميخا النبي عن مولد السيد المسيح في بيت لحم قائلا: أما أنت يا بيت لحم أفراتة, وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا, فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا علي إسرائيل, ومخارجه منذ القديم, منذ أيام الأزل (ميخا5:2).
إن مدينة بيت لحم قد اكتسبت عظمتها ليس لأن داود الملك قد ولد فيها, بل لأن الله الظاهر في الجسد قد ولد فيها ليملك إلي الأبد علي قلوب شعبه. حتي وإن كان داود قد صار رمزا للسيد المسيح من حيث رعايته للأغنام وللشعب بعد ذلك كملك, وبالرغم من أن مزاميره قد حملت الكثير من النبوات عن السيد المسيح, ولكن لم تعد بيت لحم بعد أن تم تحقيق النبوات هي مدينة داود بل هي مدينة الخبز الحي النازل من السماء الذي هو مخلص كل العالم.
إخلاص عطاالله
[email protected]