"نصيرٌ جديد لنا يصل إلى الحكم في دولة غير عربية ولا تنتمي إلى دول العالم الإسلامي"، هكذا استقبل الرأي العام العربي عودة اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى سدة الحكم في البرازيل بعد هزيمته لمنافسه اليميني المتطرف جايير بولسونارو في سباق انتخابي شهد استقطاباً حاداً وغير مسبوق في تاريخ البلاد.

يُعرف لولا داسيلفا (77 عاماً) بـ ''صانع نهضة البرازيل'' وكان حكم البلاد لفترتَين متتاليتَين بين 2003 و 2011، وترك منصبه حينها رغم مناشدات شعبية بتعديل الدستور والترشح لمدة ثالثة قابلها بالرفض احتراماً للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وكانت عودته إلى الحكم وتسلمه السلطة رسمياً (في الأول من يناير/كانون الثاني 2023) محل ترحيب عالمي وخصوصاً لدى الشعوب العربية.

تعدّ القضية الفلسطينية ومواقف لولا دا سيلفا منها ومن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وإنهاء الاحتلال، مردّ هذا الترحيب العربي الكبير بعودته إلى الحكم. خصوصاً أن البرازيل كانت في عهد الرئيس اليميني جايير بولسونارو، من أبرز المناصرين للاحتلال الإسرائيلي وأحد حلفاء تل أبيب في هيئات الأمم المتحدة. كما أن بولسونارو كان أعلن نيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة في كسر واضح للقواعد التقليدية للسياسة البرازيلية تجاه القضية الفلسطينية. علاوة على التقارب الكبير بين البرازيل وإسرائيل في مختلف المجالات تحت حكم بولسونارو.

الفصائل الفلسطينية: عودة لولا انتصار لكل المظلومين

خلال زيارة لرام الله في سنة 2010، في فترته الثانية، أعرب دا سيلفا عن دعمه الكامل لاستقلال فلسطين، ثم أعلن في نفس السنة اعترافه بدولة فلسطين ضمن حدود 1967 ودعمه "للتطلعات الشرعية للشعب الفلسطيني بدولة موحدة وآمنة وديمقراطية وقابلة اقتصادياً للحياة''. ويوم تنصيبه رئيساً للبرازيل مطلع العام الجاري، جدد دا سيلفا مواقفه السابقة وأكّد أن ''بلاده ستقف وبقوة مع نصرة الحق الفلسطيني وستكون سنداً لجهود دولة فلسطين في المحافل الدولية.

هذه المواقف الثابتة من الرئيس البرازيلي، جعلت عودة دا سيلفا محل ارتياح كبير لدى الفصائل الفلسطينية، وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن عودة اليسار إلى السلطة في البرازيل تُشكّل إضافة نوعيّة لمعسكر التحرّر والتقدّم والديمقراطيّة، ورأت أنّ ذلك يمثل خطوة هامة في اتجاه دعم الشعوب المناضلة من أجل تحرّرها مثل الشعب الفلسطيني الذي يرى في الرئيس دا سيلفا حليفاً قوياً ومسانداً له ولقضيته الوطنية.

بدورها، اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنّ وصول لولا إلى الحكم مرة أخرى هو انتصار لكل المظلومين والمضطهدين حول العالم، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وأرجعت حركة حماس ترحيبها بانتصار دا سيلفا على منافسه بولسونارو إلى التزام ''لولا'' الثابت نصرة فلسطين وشعبها في كل المحافل الدولية، وأعربت عن أملها في أن يزيل لولا كل الآثار التي ترتبت على الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني العنصري'' خلال فترة حكم بولسونارو.

بدوره رحب أمين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني أحمد مجدلاني، بفوز دا سيلفا برئاسة البرازيل وقال إن انتخاب صديق الشعب الفلسطيني والمناضل التقدمي لولا دا سيلفا يعزز النضال ضد الاستعمار ويكون قوة دافعة لقوى التحرر في العالم.

وعبر مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن ثقته الكبيرة بدعم ومساندة البرازيل للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في التخلص من آخر احتلال في العالم وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان الحقوق الوطنية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطينية والتي أقرتها قرارات الشرعية الدولية كافة.

الكاتب والمحلل السياسي التونسي محمد ذويب، اعتبر أن عودة لولا دا سيلفا إلى الحكم شكّلت ''جرعة أمل لكل الدول والشخصيات الحالمة بالتغيير نحو الأفضل، فالرئيس البرازيلي دا سيلفا حقق أرقام نمو طيبة لشعبه طوال فترة حكمه التي امتدت بين 2003 و2010 وفي عهده خرجت البرازيل من وضعها المتردي إلى مصاف الدول المتقدمة''.

ويضيف محمد ذويب، في تصريح لموقع TRT عربي، أن مساندة لولا دا سيلفا لكل قضايا التحرر الوطني وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومواقفه الرافضة للسياسات الأمريكية جعل الرجل يحظى بسمعة طيبة خصوصاً لدى الشعوب العربية التي تعني لها القضية الفلسطينية كثيراً.

وذكّر ذويب بأن دا سيلفا عاد للسلطة بعد سجنه بتهم كيدية لما يقارب العامَين ثم منعه الترشح خلال انتخابات 2018 وهاهو يعود إلى السلطة من جديد بعد نجاحه في الانتصار على غريمه بولسونارو.

خطوة في اتجاه إعادة التوازن مع القوى الليبرالية

يقول الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في حديثه إلى TRT عربي إن ''عودة لولا دا سيلفا إلى الحكم مؤشر يعطينا فكرة على أن هناك محاولات ستُبذل في عديد من القارات والدول من أجل، على الأقل، إعادة التوازن مع القوى الليبرالية خصوصاً الموالية للولايات المتحدة''، مُلاحظاً أنه على الرغم من كل القوى التي تصدت لمنع دا سيلفا من الوصول إلى السلطة مجدداً فإنه نجح بفضل رغبة ملحة شعبية لاستعادة الحد الأدنى من قيم العدالة والمساواة.

وأضاف الجورشي، أنّ ذلك سيترجَم على الصعيد الخارجي والدولي في تعميق التناقض والصراع بين الكتل والدول الكبرى لأن النظام العالمي بصدد المراجعة ومحاولة تصحيح الانزلاق الذي حدث عندما أصبح قطب واحد يسيطر ويوجه العالم ولذلك لا يجب عدم النظر إلى ما يجري في البرازيل بمعزل عن هذه التحولات الدولية الكبرى الجارية حالياً والتي تؤكد أن العالم يتجه اتجاهاً مختلفاً عما تريد الولايات المتحدة الأمريكية فرضه على العالم، خاصة في ظل التداعيات الكبرى الحاصلة في الحرب في أوكرانيا''.

واعتبر الجورشي أن القضية الفلسطينية رغم أهميتها ورغم هذه التحولات سالفة الذكر لا تزال لا تلقى الاهتمام الدولي الكبير لأنها مرتبطة بعاملين أساسيَّين الأول هو اللعبة الداخلية في إسرائيل والثاني هو اتساع رقعة التطبيع في المنطقة العربية.

أما بخصوص أثر فوز دا سيلفا على القضية الفلسطينية، يقول الجورشي في لقائه مع TRT عربي: ''اليمين هو الذي يسيطر على الحكم في تل أبيب وبالتالي التوجه نحو توسيع الاستيطان ومحاولة دفن القضية انطلاقاً من السيطرة على القدس ستكون موجعة للفلسطينيين، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية الحالية تسير في نفس الاتجاه الذي وضعه الرؤساء السابقون للولايات المتحدة وبالتالي لا أعتقد أن ما يجري في البرازيل أو بعض الدول قد يؤثر تأثيراً ملحوظاً في القضية الفلسطينية''.

وفسّر الجورشي: ''الرأي العام العربي دائما يبحث عن أي قشة تشعره بأن قضاياه الأساسية غير متجهة نحو النسيان، ولا أعتقد أن العرب في موقع يمكن أن يستعيدوا الحد الأدنى من التقدمية والديمقراطية وتكفي الإشارة إلى أنه بقدر ما القضية الفلسطينية آخذة في التراجع فإن في المقابل أهداف بنيامين نتنياهو تصب في توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية وهذا ما سيحدث''.

واختتم صلاح الدين الجورشي لقائه مع TRT عربي قائلًا "إنّ الدول العربية غير قادرة على المحافظة على ما كانت تعتبره شعارات مركزية وبالتالي فإن المرحلة ستتميز بتوسع صهيوني استيطاني في الداخل وتوسع في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني بالمنطقة".

أما أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة التونسية والمحلل السياسي الأمين البوعزيزي، قال في حديثه إلى موقع TRT عربي، إنه كان يفضل أن يكون الترحيب والاحتفاء بـ''عودة حكومات اجتماعية منتخبة لأن الحكومات التي تزعم أنها حكومات اجتماعية عادة ما تضحي بالمسألة الديمقراطية مثلما حدث مع الأنظمة الاشتراكية التي تقدم الحقوق الاجتماعية على حساب حرية الناس''.

واستكمل البوعزيزي: ''أن تصل حكومات اجتماعية منتخبة وأن يكون للقضية الفلسطينية نظماً سياسية مساندة هذا أمر جيّد، لكن للأسف المزاج العربي يكتفي بذلك ولا ينظر إلى مسألتَي الديمقراطية والحرية. وكشفت الثورات العربية أنه من اللاأخلاقي أن تدعم المقاومة نظماً لا تحترم شعوبها، يعني أنه لا يجب القول مثلاً إن النظام السوري نظام مقاوم ونضحي بالثورة من أجل دعم المقاومة''. ويرى البوعزيزي أنه يفترض أن يكون الاحتضان الحقيقي للمقاومة الفلسطينية من نظم منتخبة. ويضيف: ''أن يكون في البرازيل أو في أمريكا اللاتينية نظم لا تزال تساند الحق الفلسطيني وتكون منتخبة تختارها شعوبها فهذا أمر جيد أيضاً''.

وأضاف البوعزيزي: ''المزاج العربي لا يقْرن هذه المسائل ببعضها فهو ينظر فقط إلى الحق الفلسطيني ويضحي بطرق حكم تلك الأنظمة مع شعوبها كما هو الشأن مع الأنظمة في كوريا الشمالية وسوريا وإيران التي تساند المقاومة لكنها تسوم شعوبها العذاب".

وتابع البوعزيزي حديثه مع TRT عربي قائلًا: ''نظام لولا دا سيلفا ذو توجهات اجتماعية ومساند للمقاومة وأن يصل إلى الحكم عبر الفوز بالانتخابات شخصياً أفرح بذلك، وأن يوجد نظام يحترم شعبه ويصل إلى الحكم باختيار شعبي ويساند المقاومة مسألة أخلاقية عالية''.

واعتبر المحلل السياسي الأمين البوعزيزي، أن مجال أمريكا اللاتينية لا يزال وفيّ للقضية الفلسطينية لأنه مجال مضطهد وتعرض للإبادة (الهنود الحمر) وبالتالي شعوب هذه المنطقة لا تزال تعتبر أن الفلسطينيين هم هنود حمر جدد يتعرضون للإبادة".

أما بشأن مساندة لولا دا سيلفا وتعاطفه مع القضية الفلسطينية، قال البوعزيزي: ''لا يمكن أن نطالب العالم بأن يفهم القضية الفلسطينية مثلما نفهمها نحن، يكفي أن يقول الصهيونية عنصرية ويقر بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، لا نطلب أكثر من هذا الموقف السياسي والأخلاقي في زمن أصبحت فيه المقاومة جريمة''.

عندما أعلن لولا دا سيلفا في ديسمبر/كانون الأول 2010 اعتراف البرازيل بدولة فلسطين، تبعته الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور في ذات الشهر وأعلنت اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، ولم يتوقف تأثير دا سيلفا عند هذا الحد ، إذ تبعه أغلب دول أمريكا اللاتينية وأعلنت اعترافها بدولة فلسطين المستقلة. وهذا التأثير الكبير لدا سيلفا الذي وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما بأنه السياسي الأكثر شعبية في العالم جعل الشعوب العربية تستبشر بعودته خصوصاً أن القضية الفلسطينية مثلت إحدى أبرز محاور برنامجه الانتخابي.

TRT عربي