كما كان الحال في كثير من الأحيان مع المكاسب والخسائر في ساحة المعركة، وردت تقارير متضاربة من الجانبين الروسي والأوكراني حول نجاح تقدم روسيا إلى مدينة سوليدار. فبينما زعم قائد فاغنر يفغيني بريغوجين أن قواته (غير النظامية) أحكمت سيطرتها الأربعاء على سوليدار الواقعة في منطقة دونيتسك بأوكرانيا، تقول وزارتا الدفاع الروسية والأوكرانية إن المعارك مستمرة، وفقاً لما نقلته شبكة سي إن إن الأمريكية.

وحسب الشبكة الأمريكية، فإذا استولت القوات الروسية على المدينة بالفعل، فسيكون ذلك بمثابة أول مكسب لموسكو في دونباس منذ شهور، كما قد يمثل أخذ سوليدار أيضاً فوزاً رمزياً للرجل الذي يدير فاغنر، والذي انتقد تكراراً إدارة وزارة الدفاع الروسية لـ"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا.

ولطالما كانت سوليدار موقعاً للصراع المستمر بين القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا منذ عام 2014. تشتهر المدينة بمناجم الملح المكتشفة منذ أكثر من قرن، وذات القيمة الاقتصادية الكبيرة لمن يستطيع السيطرة عليها وإدارتها. من المحتمل أن يعود اهتمام روسيا بسوليدار إلى موقعها الاستراتيجي ومواردها الاقتصادية.

معارك دموية

تقع سوليدار على بعد أقل من عشرة كيلومترات شمال شرقي مدينة باخموت حيث اندلع القتال منذ شهور في واحدة من أكثر المعارك دموية في الحرب، يطلق عليها اسم "مفرمة اللحم"، وفقاً لما نقلته رويترز التي قالت أيضاً إنه إذا تمكنت روسيا من الاستيلاء على سوليدار، فمن المحتمل أن تكون قادرة على استخدام هذا الموقف لتكثيف هجومها على باخموت، وقد تحاول أيضاً مهاجمة المواقع الخلفية لأوكرانيا هناك لتطويق المدينة.

وعن شدّة المعارك الدائرة في المدينة قال يفغيني بريغوجين إن "وحدات فاغنر العسكرية سيطرت على كامل أراضي سوليدار. شُكّل فخّ في وسط المدينة حيث تدور معارك حضرية، وسيُعلَن عدد الأسرى غداً".

من ناحية أخرى دحض متحدث باسم المجموعة الشرقية للجيش الأوكراني بيان بريغوجين، قائلاً إنه سترد تعليقات على الموقف من هيئة الأركان العامة، إذ قال سيرهي شيريفاتي في تعليق لقناة سوسبيلنو برقية: "الروس يقولون إنها (المدينة) تحت سيطرتهم، هذا غير صحيح. المعارك مستمرة هناك. القوات المسلحة الأوكرانية وقوات الدفاع الأخرى تُعيد تجميع صفوفها"، وفقاً لما نقلته الأناضول.

من جهته قال إيغور جيركين، وزير الدفاع السابق في جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من جانب واحد: "لم تُكسَر جبهة العدو، ولم يكن من الممكن تطويق الوحدات التي تدافع عن المدينة... القتال من أجل المدينة لم يتوقف بعد، وسيتعيّن الهجوم على الضواحي والضواحي الغربية".

"بلدة الملح"

تُعتبر سوليدار موطناً لمناجم الملح الكهفية التي تملكها شركة أرتيمسيل الحكومية، أكبر منتج للملح في أوروبا، التي هيمنت على السوق الأوكرانية وصدرته إلى أكثر من 20 دولة حتى وقفت الإنتاج بعد بضعة أشهر من غزو روسيا. أنتجت الشركة أكثر من 280 مليون طن من الملح منذ تأسيسها في أواخر القرن التاسع عشر.

فيما يصل عمق المناجم إلى 200-300 متر، ولديها أنفاق يبلغ طولها مجتمعة 300 كيلومتر، وفقاً لموقع سياحي محلي نقلت عنه رويترز.

وعلى صعيد آخر، يجادل الخبراء بأن الروس، وبالأخصّ زعيم فاغنر بريغوجين، نظروا إلى سوليدار بسبب مواردها الضخمة من الجبس والملح، لا سيما وأنه سبق لبريغوجين استخدم فاغنر في إفريقيا وسوريا كقوة عسكرية غير نظامية للوصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك الألماس والنفط.

ما أهمية السيطرة على هذه المدينة؟

ترى سي إن إن أن أهمية سوليدار العسكرية ضئيلة. فمع وجود نحو 10000 نسمة قبل الحرب، ليس لها قيمة استراتيجية في حد ذاتها، لكنها نقطة وسيطة في مسار استنزاف الروس غرباً.

مع ذلك فإن الاستيلاء عليها سيسمح للقوات الروسية، بخاصة مجموعة مرتزقة فاغنر، بتحويل تركيزها إلى منطقة باخموت القريبة، التي كانت هدفاً منذ الصيف، وذلك من خلال منح الروس إمكانية شنّ القصف المدفعي على باخموت بنجاح.

ونقلت رويترز عن مسؤول أمريكي قوله الأسبوع الماضي إن بريغوجين مهتمّ بالسيطرة على الملح والجبس من المناجم قرب باخموت، وتحدث بريغوجين بنفسه عن "مدن تحت الأرض" في باخموت، قائلاً إن بإمكانهم الاحتفاظ بقوات ودبابات.

أي إن المناجم ضخمة بما يكفي لاستخدامها لتمركز القوات وتخزين المعدات، بحيث تكون في مأمن من الغارات الجوية الأوكرانية، بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من شبكة الأنفاق المتصلة بالمناجم، التي قد تكون مهمة استراتيجيّاً لمساعدة القوات الروسية على التقدم.

TRT عربي