من المتوقع أن يؤدي إجراء لرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً في فرنسا إلى تعريض المزيد من الأشخاص لمأزق و تمييز على أساس السن، خصوصاً أن السواد الأعظم يقول "لن توظفهم الشركات في فرنسا"، وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.

وبينما يشرع الرئيس إيمانويل ماكرون في إصلاح نظام التقاعد المكلف والسخي في فرنسا من أجل الحفاظ على مواردها المالية، فإن فكرة إجبار الناس على تأخير تقاعدهم أثارت الغضب. وتظهر استطلاعات الرأي أن أربعة من كل خمسة أشخاص يعارضون رفع هذا الحد.

الأمر الذي ينذر بدخول فرنسا في أجواء إضرابات صاخبة على مستوى البلاد تبدأ هذا الأسبوع، حيث تحتج النقابات العمالية والعمال من جميع الأطياف على المساعي الحكومية وراء هذا القرار.

"التقاعد المقدس"

كشفت خطة الحكومة التي جرى الإفصاح عنها الأسبوع الماضي، والتي من شأنها أن تجعل الفرنسيين يعملون لفترة أطول حتى سن 64 عاماً، عن مخاطر وصعوبات مالية كبيرة تهدد أمن الملايين من الباحثين عن عمل من كبار السن الذين جرى استبعادهم فعلياً من سوق العمل الفرنسي.

من جانبه، قال لوك روبان، الباحث البارز في مركز البحوث السياسية في ساينسبو بباريس: "يعتبر التقاعد مقدساً بالنسبة للكثيرين، الأمر يشبه الوصول إلى الجنة".

وحسب نيويورك تايمز، فإنه بالنظر إلى سجل فرنسا الحافل، حذرت النقابات العمالية، بما في ذلك تلك التي كانت أكثر انفتاحاً على بعض إصلاحات ماكرون السابقة، من أن رفع سن التقاعد سيؤدي ببساطة إلى إنشاء مجموعة أكبر من كبار السن العاطلين عن العمل.

وقال لوران بيرجر، رئيس الاتحاد الفرنسي الديمقراطي المعتدل للشغل: "نصف كبار السن لم يعودوا يعملون في سن التقاعد الحالية البالغة 62 عاماً". وأضاف: "أولاً وقبل كل شيء، نحتاج إلى العمل على بقائهم في العمل".

التمييز على أساس السن

ألقت المساعي الحكومية من أجل تأجيل سن التقاعد في البلاد بضوء غير مريح على واحدة من أكبر المشاكل التي لا يُكشَف عنها في فرنسا: موضوع التمييز على أساس السن الذي غالباً ما يكون محظوراً في بلد يرغب فيه الملايين من كبار السن الباحثين عن عمل، لكنهم يجدون أنفسهم محرومين من الوصول إلى الفرص في سوق العمل قبل بلوغهم سن التقاعد الرسمي.

وفي استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها موقع "إنديد" (Indeed)، أكبر مجلس للوظائف عبر الإنترنت في البلاد، أفاد 25% من المتقدمين للوظائف الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً أن أصحاب العمل أخبروهم بأنهم أكبر سناً من أن يتأهلوا. فيما قال 4 من أصل 10 من أرباب العمل الذين شملهم الاستطلاع إنهم لا يعتزمون توظيف أي شخص يزيد عمره عن 45 عاماً. وربع الشركات قد اعترفت بأنها ستوظف شاباً أصغر سناً براتب أقل من مرشح أكبر سناً.

وعلى الرغم من أن التمييز على أساس السن أمر غير قانوني في فرنسا، إلا أن البلاد تعاني من هذه المشكلة المعروفة منذ زمن طويل، وقد شخصت هذه الحالة في دراسة عام 2014 من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي قالت إن "التصورات السلبية لكبار السن في مكان العمل" تثبط أرباب العمل الفرنسيين عن توظيف العمال الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً.

لا وظائف لكبار السن

حسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، تعتبر فرنسا بلداً فقيراً نسبياً في إبقاء كبار السن في القوة العاملة. ويبلغ معدل التوظيف لمن تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماً 56%، مقارنة بمتوسط 59% في دول الاتحاد الأوروبي و61% عبر منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ما يعني أن نصف الفرنسيين فقط يستمرون في العمل عندما يصلون إلى 62 عاماً.

من جانبه قال تشارلز شانتالا، أحد كبار المديرين في"إنديد": "على الرغم من الخبرة القيمة، غالباً ما يجد العمال الأكبر سناً أنفسهم منبوذين من قبل شركات التوظيف، الذين لديهم أفكار مسبقة معينة حول العمر". وتشمل هذه المخاوف القلق بشأن الصحة والقدرة على التحمل، ومتطلبات الرواتب المتناسبة مع الخبرة، وقدرة التدريب على أحدث التقنيات، وفكرة أن الأشخاص الأقرب إلى التقاعد قد يستمرون في البقاء لبضع سنوات فقط.

ستكون معالجة التحديات التي يواجهها العمال الأكبر سناً عاملاً مهماً في نجاح خطة ماكرون. لاسيما أن النقابات العمالية حذرت سابقاً من أنه بدون استراتيجية لمساعدة العمال الأكبر سناً في العثور على وظائف والاحتفاظ بها، فإن رفع سن التقاعد سيؤدي إلى مطالبة المزيد من الأشخاص بالبطالة والمزايا الأخرى.

TRT عربي