- رعب من الركود والبطالة وتراجع الإعانات الاجتماعية وزعزعة الاقتصاد العالمى

- إجراءات استثنائية وتعليق الإنفاق على عدة برامج لتجنب نفاد أموال الحكومة

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية أزمة اقتصادية كبرى، بعد وصولها الحد الأقصى للاستدانة، أمس الأول، الذى يحدده «الكونجرس» بـ٣١.٤ تريليون دولار.

وأعلنت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، عن الوصول للحد المسموح للحكومة الفيدرالية باقتراضه عبر إصدار سندات الخزانة، من أجل دفع فواتيرها.

وبعثت وزيرة الخزانة رسالة إلى كيفن مكارثى، رئيس مجلس النواب الأمريكى، ناشدت فيها برفع سقف الديون لتجنب التخلف عن السداد، مشيرة إلى أن وزارة الخزانة ستتخذ عدة إجراءات استثنائية، منها إعادة تخصيص التمويل الفيدرالى لمواصلة سداد الديون الحكومية، وذلك وفقًا لما نشرته شبكة «CNBC» الأمريكية.

شددت وزيرة الخزانة الأمريكية على أن الوزارة غير قادرة على توفير تقديرات دقيقة حول المدة، التى يمكن أن تستمر فيها الولايات المتحدة فى سداد ديونها دون أن يحتاج «الكونجرس» إلى زيادة حد الاقتراض، مشددة على أن الإجراءات الاستثنائية ستستمر حتى يونيو المقبل.

وأوضحت أن الإجراءين الاستثنائيين المتوقع تنفيذهما، هما: استرداد الاستثمارات الحالية والمعلقة لصندوق التقاعد والعجز فى الخدمة المدنية، وصندوق الإعانات الصحية للمتقاعدين فى الخدمة البريدية، وتعليق إعادة استثمار صندوق «الاستثمار فى الأوراق المالية الحكومية»، التابع لخطة الادخار من أجل التوفير لنظام تقاعد الموظفين الاتحادى.

وكتبت «يلين» فى رسالتها إلى مجلس النواب الأمريكى: «من الأهمية أن يتصرف الكونجرس فى الوقت المناسب لزيادة أو تعليق حد الدين، فإن الفشل فى الوفاء بالتزامات الحكومة من شأنه أن يتسبب فى ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأمريكى، وسبل عيش جميع الأمريكيين، والاستقرار المالى العالمى، وإننى أحث الكونجرس- بكل احترام- على التصرف فورًا لحماية الثقة الكاملة والائتمان لدى الولايات المتحدة».

وأضافت: «عندما فشلت حكومة الولايات المتحدة فى الوفاء بالتزاماتها خلال عام ٢٠١١ تسبب ذلك فى أضرار حقيقية، بما فى ذلك خفض التصنيف الائتمانى حينها، وهى المرة الوحيدة التى حدثت فى تاريخ البلاد».

وقالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أمس، إن «الكونجرس» يحتاج إلى رفع حد الديون دون شروط.

وأضافت: «هذا أحد البنود الأساسية التى يتعين على الكونجرس التعامل معها، ويجب أن يتم ذلك دون شروط، ولن يكون هناك تفاوض على ذلك، فهذا شىء يجب القيام به».

ومن المقرر أن تعلق وزارة الخزانة الأمريكية الإنفاق الجديد فى بعض البرامج العامة حتى ٥ يونيو المقبل، لضمان عدم نفاد أموال الحكومة، وفى حال فشلت وزارة الخزانة و«الكونجرس» فى التوصل إلى اتفاق لزيادة حد الاقتراض بحلول ذلك الوقت، فإن واشنطن ستخاطر بالتخلف عن سداد ديونها.

وحسب شبكة «CBS News» الأمريكية، فإن ديون الولايات المتحدة تعد حجر الأساس للنظام المالى العالمى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استقرار هذا النظام، لذا فقد يؤدى التخلف عن السداد إلى زعزعة الاقتصادات فى جميع أنحاء العالم.

ونقلت عن خبراء اقتصاديين قولهم إن فشل الحكومة الأمريكية فى سداد ديونها سيؤدى إلى عواقب كارثية على الأسواق المالية لديها، وكذلك على المواطنين الأمريكيين، الذين سيواجهون حينها ركودًا غير مسبوق، بما فى ذلك ارتفاع معدلات البطالة، كما أنه من المرجح أن تنخفض أسواق الأسهم والسندات، وقد لا يحصل المستفيدون من الإعانات الفيدرالية، مثل متلقى الضمان الاجتماعى، على مستحقاتهم الشهرية.

وتشير التقديرات إلى أن حجم الدين العام لدى الولايات المتحدة يبلغ ١٢٥٪ من الناتج الاقتصادى السنوى، كما يزيد على الإيرادات السنوية بمعدل ٦ مرات، فيما يقدر نصيب الفرد من تلك الديون بحوالى ٩٤ ألف دولار.

ولجأ «الكونجرس» الأمريكى إلى تغيير الحد الأقصى للاستدانة ٧٨ مرة منذ عام ١٩٦٠، منها ٤٩ مرة فى عهد رؤساء الحزب الجمهورى، و٢٩ مرة تحت قيادة رؤساء من الحزب الديمقراطى، وكانت المرة الأخيرة التى عدل فيها الكونجرس حد الدين الفيدرالى فى ديسمبر عام ٢٠٢١، ليصبح ٣١.٤ تريليون دولار.

وكشف خبراء اقتصاديون أمريكيون عن أن وزارة الخزانة والمشرعين لديهم بعض الخيارات التى يمكن أن تساعد فى الوفاء بالالتزامات المالية، وتجنب التخلف عن السداد، منها تمتع الوزارة بسلطة سك «عملة بلاتينية» من أى فئة.

وأوضح الخبراء أنه- من الناحية النظرية- يمكن لوزيرة الخزانة التوجيه بسك «عملة بلاتينية» بقيمة تريليون دولار، وإيداعها فى الاحتياطى الفيدرالى، واستخدامها للوفاء بالتزامات الديون، رغم رفض وزيرة الخزانة تلك الفكرة فى وقت سابق، باعتبارها «وسيلة للتحايل».

وحذر اقتصاديون أمريكيون آخرون ومحللون من بورصة «وول ستريت» من سيناريو تخلف واشنطن عن سداد ديونها، معتبرين أنه سيكون مدمرًا اقتصاديًا، ويمكن أن يغرق العالم فى أزمة مالية، حسبما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

وقال آلان رابيبورت، محلل السياسة الاقتصادية فى «نيويورك تايمز»، مسئول عن تغطية وزارة الخزانة، إن «واشنطن تستعد لخوض معركة كبيرة أخرى حول رفع أو تعليق حد الديون».

وأضاف: «نظرًا لأن واشنطن تعانى من عجز فى الميزانية، بمعنى أنها تنفق أكثر مما لديها من واردات الضرائب والإيرادات الأخرى، فعليها أن تقترض مبالغ ضخمة من المال لتسديد فواتيرها».

وأوضح أن «ذلك الاقتراض يشمل تمويل برامج شبكات الأمان الاجتماعى، والفوائد على الدين الوطنى، ورواتب العسكريين»، لافتًا إلى أنه «غالبًا ما يثير الجدل حول سقف الديون، دعوات من المشرعين لخفض الإنفاق الحكومى، لكن رفع حد الدين لا يسمح بأى إنفاق جديد، بل يسمح للبلاد بتمويل الالتزامات القائمة».

وأكمل: «بمجرد أن تصل الولايات المتحدة إلى الحد الأقصى للدين، تبدأ وزارة الخزانة فى استخدام إجراءات استثنائية، وتعليق بعض الاستثمارات، وتبادل أنواع مختلفة من الديون، وذلك لمحاولة البقاء دون الحد الأقصى لأطول فترة ممكنة.. لكن فى النهاية، ستحتاج أمريكا إما إلى اقتراض المزيد من الأموال لدفع فواتيرها، أو التوقف عن الوفاء بالتزاماتها المالية، بما فى ذلك احتمال التخلف عن سداد ديونها».

وكشف عن أن هناك معركة أخرى ستشهدها الولايات المتحدة، تتمثل فى محاولة المشرعين الجمهوريين استخدام محاولات «رفع حد الدين» للضغط من أجل فرض تخفيض فى الإنفاق الحكومى، فيما تقع مسئولية رفع أو تعليق سقف الاقتراض على عاتق «الكونجرس»، الذى يجب أن يحصل على أغلبية، ولو بسيطة، فى كل من مجلسى النواب والشيوخ، للتصويت على أى تغيير فى حد الدين.