في عمل استفزازي ضد أنقرة مؤخراً من طرف السويد، سُمح لراسموس بالودان، السياسي الدنماركي اليميني المتطرف المثير للجدل، بإحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية.

السويد، وهي دولة إسكندنافية معروفة بأشجار التنوب ومناظرها الخلابة وتاريخها الطويل في تَجنُّب الانحياز إلى الأطراف المتحاربة في النزاعات الدولية، تسعى الآن يائسة للانضمام إلى حلف الناتو في الوقت الذي تواجه فيه عديداً من التهديدات جرَّاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

لكن بينما تحاول ستوكهولم يائسة الاحتماء وراء جدار الحماية العسكرية لتحالف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، تجعل قضيتها صعبة من خلال خوض معركة مع تركيا.

بصفتها أحد الأعضاء الأوائل في الناتو، تتمتع تركيا بحق النقض (فيتو) في تقدير ما إذا كان بإمكان دولة أخرى الانضمام إلى الحلف.

يُعتبر الجيش التركي ثاني أكبر الجيوش في الناتو. كان نهج السويد الناعم تجاه تنظيم PKK الإرهابي، الذي ينظّم تجمعات دورية في ستوكهولم، نقطة اهتمام كبيرة لتركيا.

وُضع PKK الإرهابي، الذي يقف وراء هجمات إجرامية في تركيا منذ عقود، على قوائم الإرهاب لدى تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 وأصبح خطر انتقال الصراع عبر حدود دول أوروبية أخرى حقيقياً، صعّدَت السويد محاولتها للانضمام إلى الناتو.

في يونيو/حزيران وقعت السويد مذكرة تفاهم مع تركيا، تتعهد فيها بأنها لن تسمح لـPKK الإرهابي وفروعه وأنصاره بإدارة تنظيمهم على أراضيها.

على الرغم من الوعود الرسمية التي قُطعت على أعلى المستويات، لم تتخذ السويد سوى خطوات تجميلية لاحتواء PKK، المتَّهَم بجمع الأموال في أوروبا لتمويل حملته الإرهابية في تركيا التي قُتل فيها أكثر من 40 ألف شخص.

وفي ما اعتُبر كخطوة استفزازية، نظمت مجموعة منتمية إلى PKK الإرهابي في 11 يناير/كانون الثاني في ستوكهولم مسيرة مناهضة لتركيا تضمنت شنق دمية للرئيس رجب طيب أردوغان.

ثم في الأسبوع الماضي سمحت السلطات السويدية للسياسي الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان، بإحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم، مما أثار إدانات من جميع أنحاء العالم الإسلامي.

يقول ماثيو بريزا، الدبلوماسي الأمريكي الكبير السابق: "العلاقات بين ستوكهولم وأنقرة مهدَّدة بشدة بقرار بعض المسؤولين في ستوكهولم السماح لمواطن دنماركي بإحراق القرآن، وهو محرّض سيئ السمعة مناهض للإسلام".

أدّى إحراق القرآن إلى تصعيد التوترات بين السويد وتركيا، إذ استدعت أنقرة سفير السويد لتفسير السماح لمواطن دنماركي بإحراق كتاب مقدس أمام سفارة أحد أعضاء الناتو في ستوكهولم. كانت أيضاً في جميع أنحاء تركيا ودول إسلامية أخرى احتجاجات ضد السويد بعد إحراق بالودان نسخة من القرآن.

تبرّر السويد السماح لأفعال مثل تدنيس القرآن بأنها ضمن حرية التعبير، لكن نشطاء مناهضة العنصرية يرون في هذا الفعل استفزازاً خالصاً. في أبريل/نيسان أدّى إحراق بالودان نسخة من القرآن إلى مظاهرات في جميع أنحاء السويد.

أردوغان وستولتنبرغ يبحثان انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو (AA)

قال بريزا لـTRT World: "من الصعب أن نفهم كيف يمكن اعتبار إحراق كتاب مقدس، بغضّ النظر عن الدين، حريةَ تعبير". ويضيف: "حرية الكلام شيء، وإهانة الدين وإحراق كتاب مقدس أمر غير مقبول لدى كل المذاهب ولا يُعتبر حرية تعبير"، ويختم: "على أي حال، هذه الحادثة تهدّد بشدة عضوية السويد في الناتو".

هل السويد جديرة بما يكفي للانضمام إلى الناتو؟

على صعيد متصل، أظهرت حادثة إحراق نسخة من القرآن الأخيرة أن السويد قد لا تكون مستعدة سياسياً للانضمام إلى أكبر تحالف عسكري في العالم في الوقت الحالي.

يقول غريغوري سيمونز، الأستاذ المشارك في معهد الدراسات الروسية والأوراسية بجامعة أوبسالا: "إنهم (السويديون) يسمحون بتصعيد التوترات (مع تركيا) لأنهم غير ذوي نفع تماماً، وغير مؤهلين عقلياً لإدارة أو مواجهة الأشياء الصعبة التي تنطوي على التوتر والصراع"، في إشارة الى التوجه السياسي للدولة الإسكندنافية للانضمام إلى الناتو.

"إنهم يريدون الانضمام إلى حلف الناتو، على سبيل المثال، لكنهم ليسوا مستعدين لفعل ما هو ضروري لتحقيق ذلك لأنه من المحتمل أن ينطوي ذلك على توترات ونزاعات. أرى هذا في كثير من الأحيان على جميع المستويات المختلفة في المجتمع السويدي"، على حد قول سايمونز لـ TRT World، مضيفاً أن "السياسيين في الدولة الإسكندنافية يفتقرون إلى المهنية والنضج الدبلوماسي ليكونوا جزءاً من الناتو".

يُذكر أن تركيا وقفت إلى جانب القوات الأمريكية في الحرب الكورية، التي ضمنت جزئياً دخول تركيا إلى الناتو في عام 1952، مما أظهر الكفاءة السياسية والعسكرية التركية، وفقاً للمحللين. يبدو أن السويد، على عكس تركيا، تعتقد أن طلب الانضمام إلى الناتو سيكون بمثابة نزهة في حديقة.

يقول سايمونز: "يميل السويديون والسويد إلى التوهم بأهليتهم، وأنه ينبغي حصولهم على عضوية الناتو لأنهم كانوا دولة تابعة جيداً للولايات المتحدة، بالإضافة إلى هراء تبنّيهم القيم والعبارات المعيارية والشعارات". ويختم سايمونز، السويدي من أصول نيوزيلندية، بقوله: "يُظهِرون أنفسهم على أنهم جيدون بطبيعتهم ومتفوقون من الناحية الأخلاقية، على عكس الطريقة التي سيتحدثون بها عن تركيا، من خلف ظهرها". يقول مثل نيوزيلندي: "لا تبِع الماء في حارة السقَّائين".

TRT عربي