محمود مطر:  «حكايات الراوى الأعظم» تناول لسيرة المواطن نجيب محفوظ

لا يعد معرض القاهرة الدولى للكتاب فرصة سنوية رئيسية لعرض الإنتاج الثقافى فحسب لكنه فرصة أيضًا لتسليط الضوء على الرحلة وراء كل كتاب التى لا تقل متعة ولا قيمة عن المنتج النهائى، وهو ما نقدمه لقرائنا من خلال لقاءات مع ٣ كتّاب للحديث عن كواليس الكتابة والبحث والتقصى التاريخى عن شخصيات شهيرة أو مجهولة.

رغم مضى أكثر من ١٧ عامًا على رحيل الأديب العالمى نجيب محفوظ لكن تبقى تفاصيل حياته ملهمة ومثيرة للاهتمام بين صفوف القراء أو الأجيال اللاحقة من المبدعين، وهو ما دفع الكاتب الصحفى محمود مطر لإعادة التنقيب فى حياة نجيب محفوظ بوصفه مواطنًا مصريًا وليس فقط أديبًا، وهو ما تحقق بالفعل فى كتاب «نجيب محفوظ.. حكايات الراوى الأعظم»، من إصدارات دار بتانة للنشر والتوزيع.

وعن الكتاب قال لـ«الدستور»: «هذا الكتاب محاولة مهمة جدًا لاكتشاف وجه نجيب محفوظ الإنسانى، لتقديمه ليس بوصفه أهم مبدع وروائى عربى أو الأديب العربى الوحيد الحائز على جائزة نوبل، ولكن بوصفه نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم الباشا، المواطن المصرى البسيط ابن الجمالية عاشق الحارة المصرية، وزوج السيدة عطية الله، ووالد أم كلثوم وفاطمة، وصديق وأستاذ عدد هائل من الأدباء ومن النخبة ومن المصريين البسطاء».

وأضاف: «نجيب محفوظ فى وجهه الإنسانى هو ابن بلد شهم جدع، ويتمتع بمروءة وشهامة، سريع البديهة حاضر الذهن، قادر على إلقاء النكت والإفيهات بخفة ظل ساحرة قادرة على انتزاع ضحكات كل من يسمعه».

وتابع: «جمعت تلك التفاصيل من ابنته أم كلثوم ومن تلاميذه وأصدقائه مثل محمد سلماوى ويوسف القعيد وإبراهيم عبدالمجيد ونعيم صبرى ومحمود الشنوانى ومحمد جبريل ومحمد حسن عبدالله وهدى العجيمى وإبراهيم عبدالعزيز وفتحى هاشم وسعيد سالم وغيرهم».

ويكمل: «أجريت حوارات مع ٢٣ شخصية ممن اقتربوا من نجيب محفوظ ليخرج هذا الكتاب إلى النور».

واختتم: «فى الكتاب حاولت الكشف عن جوانب كثيرة من حياة صاحب نوبل مثل قصص حبه المبكرة وخطاباته التى تبادلها مع أصدقائه ومنها مثلًا خطاباته مع الأديب السكندرى المعروف سعيد سالم التى بدا فيها محفوظ مُصرًا على أن تنشر الأهرام رواية مسلسلة لسعيد سالم بدلًا من إحدى رواياته هو شخصيًا، وغيرها من تفاصيل عالم نجيب محفوظ الكبير جدًا».

سهير عبدالحميد:  «قوت القلوب الدمرداشية».. صوفية تكتب الأدب بالفرنسية

يتطلب تتبع أثر الشخصيات التاريخية وإزاحة الستار عن تفاصيل حياتها الغامضة مهارات نادرة، مثل البحث والتقصى والقدرة على تحليل المعلومات وربطها للتوصل إلى نتيجة جديدة، وهو ما فعلته الروائية سهير عبدالحميد، عن قوت القلوب الدمرداشية، هذه الشخصية الغامضة التى ارتبط اسمها باسم نجيب محفوظ فى مرة نادرة تتعلق بحصده جائزة أدبية فى بداياتها المبكرة.

عن كتاب «سيدة القصر.. اغتيال قوت القلوب الدمرداشية» الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع، قالت الكاتبة: «مَن تكون هذه السيدة؟ ظل هذا السؤال غير مطروح على الساحة الثقافية، وظلت المعلومة الوحيدة المتاحة عنها أنها صاحبة أول جائزة مُنحت للأديب نجيب محفوظ فى مقتبل حياته، وهو ظلم واضح لسيدة أغرتنى سيرة حياتها الثرية للتقصى عنها وتسليط الضوء عليها».

وأضافت: «هى سليلة أسرة الدمرداشية التى عاشت فى حى العباسية قبل أكثر من ٥٠٠ سنة، حين منح السلطان المملوكى قايتباى جدها الدمرداشى المحمدى قطعة الأرض التى بنى عليها زاويته التى حل محلها مسجد الدمرداش الموجود فى حرم مستشفى الدمرداش الذى شيده والدها عبدالرحيم باشا الذى أوقف الوقفية العظيمة لتشييد مستشفى الدمرداش لعلاج الفقراء بغض النظر عن الدين أو الجنسية، وقد أسهمت ابنته قوت فى هذا التبرع».

وتابعت: «بعد وفاة والدها، تولت الحاجة قوت القلوب هانم، كما كانت تُلقب بين أهالى العباسية، وفى سابقة وحيدة تاريخيًا، مشيخة الطريقة الصوفية الدمرداشية ولكن من وراء ستار، فى حين كان ولدها الذى لم يتجاوز السادسة من عمره هو الشيخ الرسمى للطريقة».

واستطردت: «تلك الحياة المليئة بالدراما والمتناقضات والصراع أغرتنى بكتابة سيرة سيدة عاشت ازدواجية فكرية بسبب تربية شرقية صارمة اصطدمت بانفتاحها على الفنون والعلوم، فكانت فى الصباح شيخة طريقة صوفية وفى المساء ترتاد الأوبرا أو تناقش كبار المفكرين فى الصالون الثقافى الذى كانت تعقده فى قصرها».

واستكملت: «الأهم فى سيرة قوت القلوب أنها كانت أديبة متميزة كتبت عدة روايات بالفرنسية طالبت فيها بتحرير المرأة ونشرتها دار جاليمار وكتب عنها طه حسين متمنيًا ترجمة أدبها إلى العربية ذات يوم».

واختتمت: «لقد عاشت قوت القلوب حياة دراماتيكية تأرجحت فيها بين زهد الصوفية ونعيم الأرستقراطية، وربطتها قصة حب وطيدة بالصحفى أحمد أبوالفتح كانت سببًا فى غضب ثوار يوليو عليها، لذا رغم أنها كانت أغنى سيدة فى عصرها فقد عاشت أيامها الأخيرة مفلسة ووحيدة فى روما ثم ماتت مقتولة على يد ولدها».

خميلة الجندى:  اختزال سيرة يوسف السباعى فى كونه وزير السلطة ظلم

يميل بعض المثقفين إلى اختزال سيرة الأديب الراحل يوسف السباعى بوصفه وزير ثقافة السلطة، وهو الاختزال الذى ينتقص من قدره وموهبته التى لا خلاف عليها، وهو الأمر الذى شجع الكاتبة خميلة الجندى على إعادة التنقيب فى حياة الراحل وسيرته لإنصافه، وهو ما تحقق بالفعل من خلال كتاب «بين أطلال السباعى»، عن دار ريشة للنشر والتوزيع.

وعن هذه الرحلة البحثية قالت الكاتبة: «الفكرة كانت تراودنى منذ فترة لتقديم صورة موضوعية عن يوسف السباعى، لأنه من وجهة نظرى كل الصور التى قدمت عنه فى الكتب وكل ما تعرض له جعلنى أؤمن أن هناك تحاملًا لا منطقى عليه وصل فى بعض الكتابات حد الإهانة وتعمد اختزال سيرته».

وأضافت: «استعنت بالمصادر الموثوقة واعتمدت فى جزء كبير على أخبار الصحف الصادرة وقتها وكذلك على لقاء مع الكاتبة الدكتورة لوتس عبدالكريم، وتواصلت مع الدكتور عبدالوهاب حفيد السباعى لكى أصل للحقيقة».

وتابعت: «كتاب يوسف السباعى شجعنى على إعادة تقديم سير عدد من الشخصيات البارزة فى التاريخ العربى، بشكل أكثر حياد ودقة. ولدىّ نية للكتابة عن يوسف السباعى مرة أخرى ولكن فى أى سياق وبأى شكل هذا ما لم يتضح فى ذهنى بعد».

وتكمل: «على الصعيد الشخصى أنا أملك محبة كبيرة للسباعى ولقلمه ولأفكاره، ومستاءة جدًا كما قلت من اختزاله فى أنه كاتب رومانسى، أو ادعاءات البعض أنه أساء استخدام سلطاته فى المجال الثقافى، وغيرها من الادعاءات، كل هذا كان دافعًا لاختيار يوسف السباعى تحديدًا». 

واستطردت: «استغرقت عملية البحث والاطلاع على المصادر شهرًا كاملًا، وأريد أن أقول إننى فى الحقيقة روائية فى المقام الأول، لكنى أعتز جدًا بوجود حركة نشاط كبيرة حاليًا فى كتابة السير، وأرى أن هذا شىء مبشر جدًا ومفيد لأن سيرة البشر أو حتى المجالات مثل الصحافة والتليفزيون، أو حتى سيرة مرحلة تاريخية بعينها شىء مهم فى تشكيل الوعى الفردى».