الإطاري في الإحماء وإسرائيل على الخط


الإطاري في الإحماء وإسرائيل على الخط

خالد فضل

بلغة الكورنجية، نتابع الآن الورش التي يعقدها تحالف الحرية والتغيير المجلس المركزي، تحت رعاية الآلية الثلاثية المعنية بالعملية السياسية لحل الأزمة السودانية، أو العكس! وهي تمارين إحماء لإبرام الاتفاق النهائي بين قوى ذلك التحالف والمكون العسكري الانقلابي المسيطر على السلطة منذ 25 أكتوبر 2021م.

وبالطبع تتوزع الآراء حول تلك الورش وجدواها، مثلما تتباين المواقف حول الاتفاق الإطاري نفسه، فمن متحمس، يبدي حسن النوايا، إلى معارض ينطوي على سوء ظن بالمكون العسكري وبمن يتحاورون معه معاً، بل هناك دعاوى من جهات عديدة لإسقاط الإطاري أو في وصف البعض (التسوية).

تختلف منطلقات الداعين للإسقاط، منهم من يدعو للتغيير الجذري، وإسقاط الانقلاب ومحاكمة القادة العسكريين وحل الجنحويد، ومنهم من يدعو للإسقاط خوفاً على منصب حازه بفضل الانقلاب وسطوة عادت بعودة الفلول، أو وظيفة نالها بالتلون ولبس لبوس لكل حالة.

من ضمن المنادين بإسقاط الإطاري من يشعر أن العساكر الذين خادنهم وهادنهم وأوهمهم ودفعهم للانقلاب قد باعوه في (سوق اللفة) باتفاقهم مع خصومهم السياسيين من قوى الحرية والتغيير المركزي، ومن هؤلاء من مضى لتأسيس حريته وتغييره بإضافة الصفة المعدومة (الديمقراطية)، وما علمنا في تاريخ السودان السياسي (ديمقراطية) ذات شأن مع الأسف، وواحد من الأسباب الأساسية لتعثر المسار الديمقراطي في تقديري هو مجانبة القوى المدنية نفسها لهذا الطريق الوعر والوفاء بمطلوباته الشاقة، ولم أُحظ حتى الآن بقراءة ما سطرّه أستاذنا البروفسير عطا البطحاني من سفر  في هذا الموضوع.

هذا ليس تبريراً للعساكر بكل تأكيد، فعسكرنا ظلوا دوماً جزءاً من نسيجنا الاجتماعي المعادي للديمقراطية في التنشئة والتربية والثقافة السائدة، ثم وجدوا في أيديهم البندقية! ما تراهم فاعلين بها؟ توجيهها لصدر الآخر دون شك، فالآخر (عدو بغيض) ولو كان زميلاً في الدفعة أو قريناً في الحي أو رفيقاً في الترحيل! مثلما هو الآخر في رأي الحلفاء السياسيين المدنيين، فحليف الأمس هو خائن اليوم، وخائن الأمس هو ولي حميم اليوم، براغماتية مفرطة، حد اللاأخلاق، من منّا ينجو من هذا؟.

والأولى أن يأتينا النقد وسماع ما لا نحب من بين صفوفنا؛ على الأقل هناك فسحة أمل بأن يكون الرأي مجرداً من الغرض الذميم، وهنا أدلف لما تتداوله أوساط عديدة من انتقائية في أعمال ورش السمكرة الجارية للاتفاق الإطاري، ومن أنها تبدو مثل مؤتمرات النظام المباد ذات الإتجاه الواحد، فهل يصدق عليها هذا التوصيف أم أنّه توصيف يدخل في إطار ما هو سائد من ممارسات سياسية غير رشيدة، وتبخيس لجهد الآخرين!!! النشطاء المنخرطون في هذه الفعاليات أجدر من يجيب عن مثل هذه التساؤلات.

في هذه الأجواء المضطربة على المستوى المحلي، وعلى وقع هتافات الشباب الثائر في طرقات الخرطوم، ودوي زخات البمبان المؤذي، وبعض القنابل الصوتية الحارقة وربما رصاصة حية واقولوا ليك مطاطة- كما غنّى ماو- وفيما د. جبريل ورفاقه من جماعة أردول والناظر ترك وجعفر ود سيدي الميرغني- وشي لله يا ميرغني لا تلمني يا صبي (تقرأ غبي)- وحيدر الصافي الجمهوري وأستاذنا نبيل أديب المحامي المرموق والمدافع الشرس عن الحريات ورئيس لجنة التحقيق الوطنية في مجزرة فض الاعتصام، والجاكومي؛ بالمناسبة ما هي أخبار المريخ يا الجاكومي؛ رئيس مسار (نص الشمال) في اتفاقية جوبا!! كل هؤلاء وغيرهم يمتطون ذات الأجنحة صوب مصر المأمنة بأهل الله، يستقبلهم في مطارها بالبنط العريض (……. وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، في هذه الأوقات التي يتأهب فيها عقار ومناوي لورشة جوبا، وحجر ود. الهادي في ملعب الإحماء، يقف على خط الملعب اللاعب المحترف الخطير إيلي كوهين، أيوا وزير الخارجية الإسرائيلي يشرف الخرطوم، ولا نامت لام ألف (اللاءات الثلاث)!!.

أها يا جماعة القوميين العرب والبعث العربي بالأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة ورحم الله صلاح البيطار وميشيل عفلق، ويا زملاء حركة أنصار السلم، ويا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا، وعلى القدال في قبره شآبيب الرحمة (عالم حر يدوعل فوقنا ليوم سوقنا)، أمّا جماعة الجهاد في اليهود اللئام أينما ثقفوا، شن قولكم، والرجل يحط ضيفاً عزيزاً مكرماً على بيت الضيافة الكائن في حجر (القيادة العامة للقوات المسلحة)، بالطبع لم يتمكن المارة بذلك الشارع من مشاهدة طلعة الوزير البهية وقدلته حافي حالق في الطريق المسوّر بالأسمنت!.

أما جماعة السوادنة في البقاع القصية والمعسكرات الحزينة والفيافي البعيدة، فليس لهم شأن بمن ذهب أو آب، بمن في الملعب للإحماء أو بمن يقف على الخط، بمن طار للقاهرة أو حطّ الرحال في جوبا، لكل شأن يغنيه، وتلك المرأة النازحة تخاطب وزير المالية (الجوباوي) جبريل إبراهيم عندما تكرّم من موقعه الرفيع بزيارة ديار أهله في دارفور مؤخراً، قالت ما معناه نحن همومنا غير!!.

الزيارة الإسرائيلية للبرهان وحميدتي وعلي الصادق، لها عدة قراءات، هي بالطبع استمرار للقاءات وزيارات غير معلنة من الجانبين، وخطوة في هذف التطبيع ضمن السلام الإبراهيمي، ونتنياهو الذي عاد لرئاسة الوزارة في إسرائيل مواجه بتحدي داخلي غير مسبوق، والمليونيات تحاصره في تل آبيب كما تحاصر صديقه البرهان! والثوار ينشدون الحرية والسلام والديمقراطية في الخرطوم ورصفائهم ثوار إسرائيل ينشدون حماية نظامهم الديمقراطي في أرفع مؤسساته (القضاء) من تغول بنجامين ورفاقه المتشددين، هنا يلتقي الثوار في العاصمتين! وهنا أيضا يلتقي المغتصبان، للحرية وللديمقراطية، وبنجامين يواجه ثورة الفلسطينييين في الضفة وقطاع غزّة، فلابد من فعل شئ، كما أن صديقيه البرهان وحميدتي وثالثهما علي الصادق- من كبار دبلوماسيي المخلوع البشير- ربما غادروا سدة الرئاسة  والوزارة إن قدّر لتمارين الإحماء أن تكتمل بعقد الاتفاق النهائي، وحلول سادة جدد في السيادي والوزارة وسيدات ربما كانت أهواؤهم مع الثوار في الخرطوم وتل آبيب، إن لم تكن ضد التطبيع مبدئياً، وهل تعود المنصورة للخارجية!.

أما العلاقة مع إسرائيل، ففي تقديري الشخصي أنّها يمكن أن تقوم، فليس السودانيون كلهم عرب، ومن بينهم غير مسلمين كذلك، هذا من الناحيتين القومية والدينية، كما أنّ دعاة التضامن الأممي مع المضطهدين وأنصار السلام والقوميين العرب ليسوا بأكثرية في السودان، أما عامة المسلمين- من غير المتأسلمين سياسياً- فأتصور أنهم ليسوا جذريين في مواقفهم، ولا ننسى أن مجموعات من السودانيين قد آوت إلى إسرائيل طلبا للنجاة من مذابح وإبادات دارفور التي ارتكبت في عهد المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بل تخرّج في جامعاتها شباب نالوا قدراً رفيعاً من العلوم في المجالات الحيوية للسودان، كما أن الحركات المسلحة يرتبط بعضها بعلاقات مع إسرائيل، فليس هناك موقف سوداني شعبي موحد ضد أو مع العلاقات مع إسرائيل رغم غشامتها، ولعل هذه هي المساحة التي يناور فيها العسكريون، وضيفهم العزيز، يحاورهم ويناور ويناورون!.

تاريخ الخبر: 2023-02-04 03:23:23
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية