مستقبل الشباب والانتقال في السودان (3-10)
منذر مصطفى
يشير مفهوم التحول الديمقراطي بشكل عام الى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال من نظام حكم غير ديمقراطي إلى نظام آخر ديمقراطي، ويواجه الانتقال في السودان عقبات لا تنحصر في الحروب الاهلية والتخلف التنموي فقط، بل تشكل خارطة صناعة القرار السياسي بالسودان مسارات تأثير معقدة للغاية يميل النشطيين بها في أغلب الأحيان التقرير بعيداً عن المجتمع وتطلعاته.
تختلف أولويات الشباب بالتوازي مع إختلاف أولويات مجتمعاتهم حد التطابق احياناً، وقد يصل الامر حد القطيعة والكراهية احياناً للاخر المختلف في التنبؤ، مدفوعة بحجم الاستبعاد المفروض عليهم؛ إذ تعتبر الفئات والمجتمعات الواقعة تحت مأساة الحرب، نهج الاستقرار الموجه الامثل لكل القرارات العامة، وتعتمد اخرى قد فتك بها التخلف التنموي، حتمية رفع الظلم والقهر كمنهج لا يمكن تحقيقه بغيره، بينما يعتبر أخرون دمقرطة النظام السياسي، هدف مقدس لا يمكن المساس به، وهذا الواقع أضاف عليه الاستقطاب السياسي الحاد شقاق لا يمكنه إحتوائه بسهولة.
ابتدرت في مطلع العام الماضي مشروع لتقييم التجربة الانتقالية 2019- 2021، بوصفها التجربة الأهم في تاريخ السودان الحديث، كجزء من مسؤوليتي عندما كنت أقود فريق العمل بمركز الدراسات السودانية، وكان الغرض منها؛ خلق قاعدة معرفية وطنية لعلاقة الدولة بالمجتمع تستوعب أولويات الشباب ومجتمعاتهم، بعد أن نسقت جهود بلورة رؤية للانتقال السلس تتترجم تطلعات السودانيين في الإنتقال، لا سيما الشباب؛ بمشاركة طيف متنوع من الفاعلين الشباب؛ لإستعادة الشرعية الدستورية ومسار التحول الديمقراطي في السودان، برعاية منظمة تدريب وتشغيل الشباب وصدر مقترح بذلك، موسوم بمبادرة الشباب.
نعم يمكننا تلافي الأخطاء التاريخية في سرد الخطوات لمواجهة التهديدات دون تحليل متعمق للمؤشرات بما يكفئ، فضلاً عن كف المبالغة في تقدير القدرة على التأثير في الأحداث، والاعتماد على الصدفة في الحد من المخاطر بإطار التدخلات، بل يمكننا التوقف من الخوف الغير مبرر من الفاعلين الشباب، وإشراك أصحاب المصلحة في التغيير؛ لتشكيل ملامح مستقبل الديمقراطية، الاستقرار والتنمية، بصورة تجعل من رؤية الانتقال وأقعية، ملهمة ومحفزة لإدماج فئات ومجتمعات مستبعدة من الاستحقاق التنموي والمدني، لا يمكن بعد الآن المضئ بدونها في أي مسار انتقال حقيقي.
ليس هناك أي إرتباط فعلي بين قدرة الفرد على تقدير الوضع الجيوسياسي بدقة وسنوات خبرته، أن التنبؤ الفائق يعتمد على مدى معرفة صناع الوثيقة بأدوات جميع وتحليل البيانات وتحديد المستقبلات الممكنة والمرغوب فيها، وقد تلعب الخبرة القائمة على الحدث، إشكالية أخرى تقحم التحيزات المبنية على الاحتكاك الجزئي، في نوعية وعدد حقول البيانات ومنهجية التحليل على أفضل التقديرات، أو قد تجعل النهج برمته حالم ومعزول عن إرادة الفاعلين بالارض، مما يلصق به خلل جوهري يفقده القدرة على تجميع الجهود والدفع بها في الاتجاه المنشود.
يعتبر إطار نهضة أوروبا 2020، نموذج على القرار الإستراتيجي الحالم بسبب صناعته بعيداً عن السيناريوهات الممكنة، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تبنيه بصورة وأسعة من متخذي القرار كما حدث بالفعل؛ وسط حزمة تحديات يومية ماثلة للمحافظة على استقرار الأداء التنفيذي، كما تعتبر مواثيق الحركة الوطنية في السودان التى تجاوزت الـ50 وثيقة حد أدني، تأسس على إثرها تحالف سياسي بغرض الوصول للسلطة، منذ خروج الإدارة الإنجليزية من السودان، نموذجاً على عدم رصد الفرص والتحديات الجيوسياسية بدقة متناهية.
يمكنني القول بأن السودان يمكنه التقدم في مسار ديمقراطي مستقر ومزدهر يوم بعد يوم، اذا تم دراسة الخارطة السياسية، الأداء التنفيذي وقضايا الاقليات السياسة بالتجربة الانتقالية الاخيرة وما قبلها خلال فترة ابعد بقليل من عمر الدولة الوطنية وبعدها كذلك، والدروس المستفادة من تجارب شبيهة، وتحديد الفجوة بمهنية من الرؤية المأمولة وممكنة التحقق بعيداً عن التحيزات، وإشراك المستبعدين من الاستحقاق المدني والتنموي، لا سيما الفاعلين الشباب في كافة مراحلها.
منذر مصطفى قيادي بالمجتمع المدني، المدير العام لمنظمة تدريب وتشغيل الشباب- 4 فبراير 2023
