الطاووس العربي


المملكة بما حباها الله من نعم وأفضال، تريد نفع شعبها ومصالحها أولاً، ثم من تربطها بهم صلات متعددة من الأخوة والجوار والصداقة والمصير المشترك، ولا يصح منطقاً وعقلاً أن تشن المملكة حملتها الواسعة والشاملة على الفساد الداخلي، وتتغاضى عن مراقبة أموالها التي تصرف خارجها..

الكائنات تتطور على مدى الأجيال من خلال الانتقاء الطبيعي، ولتفسير بعض المفاهيم في مجال علم الأحياء التطوري، يستشهد العلماء في أغلب الأحيان بذيل الطاووس، الذي نمت هذه الميزة فيه، بسبب تفضيل أنثى الطاووس واستخدامها لذيل الطاووس كمعيار في اختيار شريكها، كلما كان الذيل أكبر، كان الطاووس الذكر أكثر صحة وجمالاً وهيمنة، وبهذا المعيار تمت حماية جينات الذيل الأكبر وتمرير هذه السمة للأجيال الأخرى.

في البداية كان البقاء للأصلح؛ لكن بعد عدة أجيال، خلق هذا الاختيار أحادي الاتجاه مشكلات للرابحين، لتكلفة هذا الذيل الذي يتطلب مع زيادة حجمه مضاعفة الجهد في رعايته والمحافظة عليه، مما يزيد احتمال تعرضه للتهديد والافتراس بسبب زيادة حجم هذه الذيل وثقله، وأدت نفس هذه الظاهرة إلى انقراض بعض الأيائل بسبب نمو قرونها وإعاقة حركتها وسط الغابة، كما هو الحال مع الطاووس، كذلك مع بعض الدول العربية، يمكن رؤية تأثير ذيل الطاووس في كل مكان، اتضح أن سياسات تلك الدول لديها القدرة على خلق حوافز للخيارات السيئة التي لا تسهم في صحة دولهم على المدى الطويل، بدأت هذه الدول في استخدام معيار تأثير الطاووس، من خلال الاستعراض بمؤشر وزنهم ودورهم السياسي والأمني، جلبت لهم هذه السياسة بعض الفوائد لسنوات، للحصول على شيء مقابل لا شيء، وفي المقابل كان التغاضي سيد الموقف عن خفض الإنفاق الحكومي، والنمو الاقتصادي المنخفض، والسيطرة على الديون والترشيد ومكافحة التضخم، وتعزيز الشفافية والحوكمة، والإنفاق على الأولويات مثل الاستثمار في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، وزيادة الإيرادات الضريبية، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحسين الرعاية الاجتماعية وخفض مستوى الجريمة، وتغاضيهم عنها لفترة طويلة وتجاهلهم لسياسات الإصلاح، عجلت بظهور تأثير الطاووس، الذي بمجرد أن أصبح طويلاً وثقيلاً لا تستطيع دولهم تحمله، وأصبح عبئا وكابوسا، والاحتجاج أنهم ضحية، ويطالبون دول الخليج بلعب دور المنقذ، في الحقيقة حصلوا على ما يستحقونه، فماذا هناك للشكوى؟

تجربة نمور آسيا، مثال مشرق لدول نامية لم تحظَ من الولايات المتحدة واليابان والمؤسسات المالية الدولية، بدعم يفوق الدعم الهائل الذي قدمته دول الخليج للدول العربية، ومع هذا أسهمت بالقليل من الدعم لنمور آسيا في الكثير من الإنتاج الصناعي الذي انتهى به المطاف في شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام وتايلاند والفلبين وسنغافورة وليس من قبيل الصدفة أو الأجور المنخفضة، بل كان بالحوكمة والشفافية وتحسين المناخ الاستثماري الذي جلب سلاسل القيمة عالية التقنية، ومؤشري حقوق الملكية الفكرية وحماية الملكية الفكرية ومؤشر أداء الخدمات اللوجستية ومؤشر اختبار بيسا الذي يختص بالقراءة والعلوم والرياضيات، واتفاقات التعاون والشراكة التجارية التي تعزز الانتقال إلى اقتصاد متكامل يعزيز مكانتها الاقتصادية لتصبح ضمن أكبر 15 اقتصاداً عالمياً بحلول عام 2030 بعد أن كانت تقارن سابقاً بدول البلقان في ظل صراعات ذهب ضحيتها الملايين، الملك سلمان -حفظه الله- قائد مسيرة الإصلاح والتنمية، الذي يدعم بحزم مسيرة الإصلاح التنموي الإسلامي والعربي بالتمويل المشروط بتطبيق الإصلاحات وتنفيذ البرامج، وعلى ما يبدو أن النهج السياسي الذي اتخذه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تحديد علاقات الدعم للدول والأنظمة السياسية فاجأ كثيرا من اعتاد أن ينال حزمة سنوية مخصصة دون تحديد الواجب السياسي والدبلوماسي المقابل لها، ودون الخوض في تفاصيل صرفها واستثمارها في صالح اقتصاد تلك البلدان، ولذلك تبرز بين الفينة والأخرى مغامرات الابتزاز والتعريض والتلويح بما يشبه العقوبة أو ردة الفعل تجاه القرار السيادي السعودي، إن المملكة العربية السعودية بما حباها الله من نعم وأفضال، تريد نفع شعبها ومصالحها أولا، ثم من تربطها بهم صلات متعددة من الأخوة والجوار والصداقة والمصير المشترك… ولا يصح منطقا وعقلا أن تشن المملكة حملتها الواسعة والشاملة على الفساد الداخلي، وتتغاضى عن مراقبة أموالها التي تصرف خارجها، إن ميثاق الأخوة والمصالح والمصير المشترك يحتم على العقلاء والشركاء أن يصلوا إلى ميثاق تحفظ به حقوق الأطراف لا أن يكون الهدف والغرض تلقي المصلحة وتهميش ما يترتب عليها من مقابل، فالمعروف لا جزاء له إلا مثله والأنانية ومحاولة الشعور بالأفضلية على الآخرين لا تبني ثقة ولا تحقق تعاونا حقيقا والواقع يشهد كثيرا من الأمثلة.

تجدر الإشارة إلى هناك 1.2 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يمثلون 16 في المئة من سكان العالم بحسب الأمم المتحدة، لا الزراعة ولا الصناعة قادرة على استيعاب تلك القوى العاملة في المستقبل، وهي مسؤولية تتطلب منّا ضمان توفير احتياجات أجيال المستقبل، والنجاح لن يكون حليف من ينتظر المستقبل، وإنما نصيب من يخطط ويعمل من الآن استعداداً له، ولهذا رسمت دول الخليج رؤيتها وملامح حقبة ما بعد البترول، ودشنت أساسيات الاقتصاد بعد نضوب النفط، وسعت لتطوير قدرات المواطنين، وتحضيرهم للمستقبل، والملاحظة المهمة التي يجب الإشارة اليها، هي أن أحد أهم الأصول الاقتصادية لمستقبلنا تتواجد في النصف الأيمن من أدمغتنا، حيث يتواجد الخيال والإبداع، وهو جوهر اقتصاد المستقبل، لا بذيل الطاووس!

نقلاً عن "الرياض"

تاريخ الخبر: 2023-02-08 12:19:13
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 86%

آخر الأخبار حول العالم

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية