الدار/ افتتاحية
أن يحوّل بعض البرلمانيين المأجورين البرلمان الأوربي إلى منصة لمهاجمة المغرب وضرب مصالحه ومحاولة تشويه سمعته يعني أن علاقات المغرب مع الاتحاد الأوربي أضحت أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى مراجعة شاملة. هذه المراجعة ينبغي أن تأخذ كمرجعية لها الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب. لقد كان جلالة الملك صريحا وواضحا في هذا الخطاب عندما أكد أن هناك قادة أوربيون “لا يريدون أن يفهموا أن قواعد التعامل تغيرت وأن دولنا قادرة على تدبير أمورها واستثمار مواردها وطاقاتها لصالح شعوبنا”. ومن المؤكد اليوم أن ما صدر ويصدر عن البرلمان الأوربي من محاولات ابتزاز وضغوط مفضوحة يؤكد أن العقلية التي أشار إليها جلالته لا تزال مسيطرة في الاتحاد الأوربي.
هذه المراجعة، التي ينبغي أن تكون على أساس تفاوضي بالدرجة الأولى، يجب أن تدمج مطلبا أساسيا هو النظر إلى المغرب كشريك وندّ حقيقي وليس كمجرد حليف يمكن الاعتماد عليه فقط من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية والأمنية الأوربية. على الأوربيين أن يدركوا أن منطق المعايير المزدوجة وتوظيف المؤسسات التابعة للاتحاد الأوربي من أجل تحقيق مكاسب على حساب البلدان الشريكة لم يعد مقبولا، على الأقل بالنسبة للمغرب. وعلى المفوضيات السامية في بروكسيل أن تعي جيدا أن المغاربة لا يصدقون بتاتا حكاية القلق الأوربي على واقع الحريات وحقوق الإنسان في المغرب، لأنهم يعلمون ومنذ زمن، أن هذه القرارات التي تصدر عن مؤسسات كالبرلمان الأوربي مثلا هي مجرد أوراق ضغط توجه ضد بعض الدول والأنظمة السياسية لأجل تحقيق مصالح والحصول على امتيازات معينة.
ولأن السلطات المغربية تعرف الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الحملة التي أطلقها البرلمان الأوربي، فإنها ستفكر جديا في هذه المراجعة الشاملة للعلاقات مع الاتحاد الأوربي وقواعد تدبيرها وإدارتها. بعبارة أخرى إن المرحلة الحالية تقتضي الاستمرار في نهج “اللعب على المكشوف” الذي يعمل به المغرب، ودفع الشركاء الأوربيين نحو الانسحاب من جبهة الذريعة الحقوقية ومصارحة الشعوب الأوربية بالأسباب الحقيقية التي توجه هذه الحملة. هذه الأسباب التي لا تخرج عن دائرة رغبة بعض الدول الكبرى في الاتحاد الأوربي في تحجيم دور المغرب والحد من طموحاته الاقتصادية والجيواستراتيجية المشروعة، لأنه إذا لم يعد المغرب شريكا ضروريا لدول الاتحاد الأوربي فعليها أن تصرّح بذلك بدلا من ممارسة الابتزاز بأوراق ضغط أكل عليها الدهر وشرب.
ونحن في المغرب لا نخاف بتاتا من هذه المراجعة الضرورية للعلاقات مع الاتحاد الأوربي. ومناط اطمئناننا هو الثقة الكاملة في الموقف المغربي ومن براءة المغرب من كل الاتهامات والادعاءات الباطلة التي يروجها بعض ممثلي اللوبيات داخل الاتحاد والبرلمان الأوربيين. كما أن ثقتنا نابعة أيضا من أن القيادة الملكية السامية للعلاقات الدبلوماسية للمغرب فتحت أمامه اليوم المجال واسعا أمام شركاء آخرين في أجزاء أخرى من هذا العالم. المغرب اليوم فتح باب علاقاته الخارجية على مصراعيه من أجل الانفتاح على شركاء آخرين كروسيا والصين والولايات المتحد الأمريكية والهند والدول الإفريقية وغيرها. وهذا الانفتاح بالمناسبة لم يكن أبدا الغرض منه هو اختلاق القطيعة مع الاتحاد الأوربي، الذي سيظل بحكم الموقع الجغرافي شريكا استراتيجيا وأساسيا.
ولعلّ الخطاب الجوهري الذي يتعين تبليغه للشركاء الأوربيين في سياق هذه المراجعة هو أنهم لا ينبغي أن يتخوفوا من مغرب قوي ومتقدم ومزدهر. على العكس من ذلك، إن تحقيق المغرب لمنجزات اقتصادية واجتماعية مهمة يجب أن يكون مصدر اطمئنان وإحساس بالأمان للشركاء الأوربيين. فالمغرب كان ولا يزال دائما شريكا موثوقا لا يخون عهوده والتزاماته، ولا ينقلب أبدا ضد حلفائه ولا يخلف وعوده. وكلّما تقدّمت بلادنا على سلّم التنمية والرخاء الاقتصادي والاجتماعي كلّما شكّل ذلك تعزيزا للسدّ المنيع الذي يمثله المغرب بالنسبة للأوربيين في مواجهة أزمات لا قِبل لهم بها، أقلّها أزمة الهجرة التي يدفع المغرب مقابلها أثمانا باهظة من استقراره ورخائه.
