مواطنون غاضبون من غياب الدولة يطردون الوزراء ومسؤولي الحزب الحاكم من ديار بكر


تتعالى الصرخات في كل الأنحاء في المناطق المنكوبة بزلزالي كهرمان ماراش اللذين ضربا 10 ولايات في جنوب وشرق وجنوب شرقي تركيا، محملة حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان المسؤولية عن الحال التي وصلوا إليها، وعدم شعور المواطنين بوجود الدولة إلى جانبهم في أصعب الأوقات.

أهم الشكاوى والمطالب المشتركة بين المتضررين من كارثة زلزال فجر الاثنين، تتركز في الخيام، ودورات المياه، ووسائل التدفئة؛ لأن درجات الحرارة في بعض المناطق مثل كهرمان ماراش تصل نهاراً إلى 5 درجات تحت الصفر وليلاً إلى 19 درجة تحت الصفر.

وأكدت ميرال أكشينار رئيسة حزب «الجيد» المعارض، التي لا تزال تواصل جولتها في الولايات العشر المنكوبة: (كهرمان ماراش، وأديامان، وهطاي، وكيليس، وأضنة، وعثمانية، ومالاطيا، وغازي عنتاب، وشانلي أورفا وديار بكر)، خلال تفقدها المناطق التي تضررت في هطاي، أنه «لا بد من الاستماع إلى مطالب الناس... الجميع من حكومة ومعارضة ومنظمات مدنية. على الجميع الإسراع في تلبية احتياجات المواطنين، وبشكل خاص توفير الخيام ودورات المياه بكثافة ووسائل التدفئة»، مشيرة إلى أنه «لم تعد هناك أزمة الآن في المواد الغذائية والأغطية، لكن دورات المياه غير موجودة في مناطق الإيواء جميعها، لا سيما بالنسبة للنساء، اللواتي يجدن صعوبة في العناية بأطفالهن».

وأشارت أكشينار إلى ضرورة توفير وسائل التدفئة بأسرع وقت بسبب صعوبة الحياة في ظل درجات الحرارة تحت الصفر. وطالبت بنشر مزيد من قوات الجيش والشرطة وقوات الدرك للتصدي للصوص الذين انتشروا بصورة كبيرة في المناطق المنكوبة، ويقومون بنهب المحال التجارية والمنازل، ويحاولون السطو على شاحنات المساعدات الإنسانية.

كما طالبت بإصدار قرارات حاسمة على الفور بوقف بيع المنازل والأراضي في المناطق التي ضربها الزلزال، لاسيما في هطاي، قائلة: «إن أهالي هطاي يفهمون ما أقول جيداً».

وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قد اعترف، الجمعة، بوجود أوجه قصور في استجابة البلاد للكارثة. وطالبت المعارضة بمحاسبته، والمسؤولين الآخرين جميعاً، عن أعمال البناء التي استغلت في دفع النمو الاقتصادي في تركيا من أجل تعزيز شعبيته وحزبه.

وكشف زعيم المعارضة التركية رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، الخميس، عن تقرير رسمي لإدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية التابعة للدولة، أصدرته عقب زلزال وقع في دوزجه غرب البلاد عام 2002، وكشفت فيه عن أوجه قصور في تنسيق أعمال الإنقاذ والإغاثة خلال الزلزال الذي لم يكن قوياً، ولم تسقط فيه ضحايا، واقتصر الأمر على بعض الإصابات والأضرار المادية.

وقال كليتشدار أوغلو إن إردوغان وحكومته لم يحركوا ساكناً بعد هذا التقرير، وانكشف عجزهم خلال كارثة الزلزال الحالية.

لكن وزير الداخلية سليمان صويلو، رد مهاجماً كليتشدار أوغلو، مؤكداً أن هذا ليس هو الوقت للحديث عن الأخطاء، وبعدها اعترف إردوغان بوقوع أخطاء في عملية الإغاثة عقب كارثة زلزالي الاثنين.

* أخطاء الحكومة

وحمّل خبراء الهندسة المعمارية والزلازل الحكومة المسؤولية عن الإهمال في تطبيق إجراءات السلامة في أنظمة وقوانين البناء التركية، التي كانت معروفة قبل الزلزال الأخير؛ ما سبب تعميق الكارثة.

وأكد الخبراء أن الحكومة تجاهلت، على مدار سنوات طويلة، فرض قوانين البناء الحديثة واتباع قواعد الأمان، بل وشجعت الاستثمار العقاري وتوسيع أعمال التشييد والبناء في أنحاء تركيا، دون الاستناد إلى القواعد العملانية أو الاستفادة بالتقارير العلمية؛ من أجل تحقيق نمو وعائدات سريعة، متجاهلة التحذيرات التي تكررت كثيراً عقب زلزال مرمرة المدمر عام 1999 الذي خلف أكثر من 17 ألف قتيل، منهم ألف في إسطنبول، وانهيار مناطق بالكامل في عدد من الولايات، في مقدمتها كوجا إيلي، حيث انهار 12 ألف مبنى تحولت إلى حطام في لمح البصر.

ورأى الخبراء أن حدوث الكارثة الأخيرة كان متوقعاً على هذا المستوى؛ لأن المناطق التي تضررت من الزلزال كانت تضم مباني قديمة ومتهالكة بالإضافة إلى المباني الحديثة التي لم تتبع قواعد البناء الصحيحة التي كان يتعين تطبيقها بعد زلزال مرمرة.

واعتبر الخبراء أن الحكومة وقعت في خطأ كبير جداً عندما أقرت قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2018، التي تحولت معها البلاد إلى النظام الرئاسي، تصالحاً في مخالفات البناء استفادت منه الشركات والمقاولون المسؤولون بالأساس عن انتهاكات القوانين، والتجاوز عن المخالفات مقابل دفع مبالغ مالية، وأُعفي وقتها أكثر من نصف مباني تركيا جميعها (نحو 13 مليون منزل) لم تمتثل للمعايير، بما في ذلك البناء دون تراخيص، وإضافة توسعات مثل طوابق وشرفات وكذلك المنازل العشوائية، المعروفة بـ«جيجاكوندو»، التي تقام بالمخالفة ودون الحصول على تراخيص ويستفيد منها عادة منخفضو الدخل، وهو ما أضفى الشرعية على المباني غير الآمنة، لا لشيء إلا لتأمين فوز إردوغان بالانتخابات.

وحذرت غرفتا المهندسين المعماريين والمهندسين الجيولوجيين، في تقارير متعاقبة، من خطورة حالة المباني في المناطق التي ضربها زلزال الإثنين المدمر.

* غضب واستياء

وأصبح من المتوقع في تركيا الآن أن تتسبب كارثة الزلزال في هز شعبية إردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل.

وبدت المؤشرات على ذلك تظهر في استقبال المواطنين في المناطق المنكوبة وزراء الحكومة ومسؤولي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بصيحات الاستهجان المشهورة في تركيا «يوووووووه» كما حدث مع وزير العدل بكير بوزداغ في ديار بكر ليل الجمعة - السبت، ونائبة الحزب عن ديار بكر، أويا أروناط، حيث صرخ المواطنون في وجهها بالطريقة نفسها، وطالبوها بالمغادرة؛ لأنهم لا يريدون لصوصاً لا يستحون بينهم.

وزار إردوغان ديار بكر، السبت، وتعهد مجدداً بأن الدولة لن تترك أحداً من المواطنين وحده كما فعلت من قبل في كوارث سابقة منها كارثة السيول في سينوب وأرتفين في منطقة البحر الأسود، وحرائق الغابات في أنطاليا جنوب البلاد.

إردوغان أرجع التقصير الحكومي وبطء الاستجابة في التعامل مع كارثة الزلزال، في جانب منهما، إلى سوء الأحوال الجوية والأضرار التي لحقت بالطرق والمطارات وانهيار المباني على المسؤولين والعاملين في مجال الإنقاذ والإغاثة والإسعاف في المناطق المنكوبة، وهو ما أدى إلى البطء في الاستجابة، وهو تصور قد يصعّب وضع الرئيس التركي.

لم تنجح أية تصريحات للمسؤولين في تهدئة غضب مئات الآلاف من المواطنين، الذين يبيتون في الشوارع في درجات حرارة تحت الصفر؛ خوفاً من العودة لبيوتهم المعرضة للانهيار بسبب توابع الزلزال، ومنهم من يخشى الحديث خوفاً من بطش الحكومة.

* أين الدولة؟

صون جول كوجا، بكت وهي جالسة أمام أنقاض منزلها المنهار تماماً في غازي عنتاب، وهي تحتمي من البرد القارس بإشعال بعض الخشب، وهي تقول: «لقد فقدنا كل شيء، لا معلومات عن أقاربنا، ربما ماتوا جميعاً... لم يصل إلينا أحد ولم نرَ الدولة بجانبنا... حفظ الله تركيا وشعبها».

وكذلك كانت حال أحمد إنجي، الذي بكى أثناء حديثة لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لم يبق لنا شيء، لا نعلم ماذا نفعل وكيف سنواصل الحياة... المنازل جميعها في قريتنا (في غازي عنتاب) دمرت أو باتت عرضة للانهيار، ولم يصل إلينا أحد حتى الآن... لا نجد خيمة ولا دورة مياه ولا طعاماً».

وفي هطاي لم يجد البعض، ولا سيما النساء، بداً من المغامرة ودخول منازلهم المعرضة للانهيار لبعض الوقت لاستجلاب بعض الأغراض مثل فراش أو غطاء أو ملابس أو بعض الطعام.

قالت إحداهن، وهي مروة أكجون التي تمضي الأيام في الشارع مع أقاربها في أنطاكيا لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم أن هذا خطر، لكن ماذا عسانا أن نفعل، انتظرنا 5 أيام ولم نرَ أحداً... أين الدولة؟ نحن في العراء مع أطفالنا ولا ملجأ».

آصف أكبينار، رجل في العقد الخامس من العمر ولديه أسرة مكونة منه وزوجته و4 أطفال، تصدع المبنى الذي يقع فيه منزلهم، غادر مع أولاده إلى منزل والده، لكنه لا يدري ماذا سيفعل بعدما فقد عمله، فقد دُمر مكتب الترجمة الذي كان يديره، والآن عليه أن يبحث عن منزل في إحدى المناطق الآمنة وأن يترك أنطاكيا، التي قال لـ«الشرق الأوسط» إنها «باتت مدينة أشباح بلا مياه أو كهرباء. الآن لا ندري ماذا سنفعل، سنحاول أن نذهب إلى أنقرة أو إسطنبول أو مرسين؛ بحثاً عن حياة جديدة خارج موطننا الأصلي».

البعض الآخر يعيش داخل السيارات، ينام فيها ليلاً ويمضي النهار في نبش الأنقاض عسى أن يصل إلى أحد من أهله العالقين بين الحطام بعد أن تأخرت فرق الإنقاذ والإغاثة.


تاريخ الخبر: 2023-02-11 15:24:06
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 86%
الأهمية: 99%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية