رسالة أمل في الحياة

قبل أيام من الآن، تحديدًا الإثنين الماضي، كان والد أيهم العمري في موعد مع رسالة ابنه التي يخبره فيها خروجه عن القواعد الرتيبة التي تحكم حياته، وبدء تنفيذ خطته التي ستنتهي يتحقيق حلمه بالوصول للثراء وتبوء مكانة عالية.
لم يكن من خطأ على المحيطين بالولدين، فهما بالدلائل الموجودة طالبين متفوقين يعيشان في بيئة أسرية صحية، بحسب تصريح والد الأول، ولا يعانيان من مشكلات، سوى طموح أخاذ يغريهما لخوض المغامرة.

أيهم العمري وراشد الصبح.. صديقان 16 عاما
لليوم الثالث دون أي تفاصيل عنهما، وسر اختفائهما هو البحث عن العمل وجني رأس مال، وبعد ذلك فتح مشروعهما الخاص وجعل المال يعمل من أجلهم، مستندين على كتاب#الأب_الغني_والأب_الفقير
واصفين الكتاب بكنز فكري وريادي. تاركين خلفهم رسالة#ايهم_وراشد pic.twitter.com/d3g2gQFJOo— عمر الدهامشة (@Omar_Dhamsha) February 15, 2023

وفي 4 صفحات من الكلمات الحماسية الخارجة من قلب يافع، قال "أيهم" متحدثًا بلسانه وصديقه: "قررنا المضي قدمًا في الحياة، بعد الآن لن نعمل من أجل المال، بل سيعمل هو من أجلنا بعد أن ننجح في مشروعنا الخاص، لن نتقيد بعقلية الموظف التي تصدرها لنا المدارس، ولن نهدر من عمرنا أعوام في دراسة ما لا ينفع، فما تبقى لنا من سنوات في المدرسة سنستغلها في العمل، وبعد 6 سنوات سنكون افتتحنا مشروعنا الخاص ورجعنا مكللين بالنجاح في رحلتنا المثمرة".

الحل عند الشرطة

بقلب مخطوف وحيرة أبوية، يعرفها من فقد ولده، لم يعرف والد "أيهم" كيف التصرف في مثل الموقف الذي وجد نفسه عالقًا فيه، فولده الذي يرجوه من الدنيا قد فر من البيت تاركًا مستقبله المرسوم ومعرضًا نفسه للخطر في شوارع لا ملجأ له فيها ولا سكن.
على الفور اتصل الوالد بأسرة صديق ابنهم راشد، ليتبين أنه أيضًا مفقود، وهنا كان الحل في إخبار الشرطة، بتقديم بلاغ رسمي، عل السلطات ترد إليهم أبنائهم.

في الوقت ذاته كان الشابين في طريقهما إلى العاصمة عمان، حيث قاما بالبحث عن عمل لجمع المال اللازم لفتح مشروعهما الخاص، ومنها انتقلا بعد 3 أيام إلى منطقة البيادر ليستقرا في أحد المحال التجارية كعاملين هناك.

وبعد فجر أمس، كان الشابين في طريقهما المعتاد إلى العمل بعد الصلاة، حين رآهما إمام المسجد الخارجين منه، وعلم أنهما الشابين التائهين، ليقرر إبلاغ السلطات لإعادتهما إلى أسرتيهما.
وبالفعل توجهت الشرطة إليهما واصطحبتهما إلى بلدهما مرة أخرى، بعدما خاضا التجربة المريرة التي وصفاها بالتصرف الخاطئ والقاسي.

لماذا الهروب

يصف أحد الشابين وهو أيهم العمري في تصريحات له أنهما قررا الهروب في رحلتهما بعدما فقدا الأمل في المدرسة، فهي بحد وصفه تنتهي إلى حياة روتينية بالالتحاق بوظيفة ثابتة ذات دخل محدود.
تلك الحياة الخالية من المخاطرة لم تعجب الشابين اليافعين ولم تتفق مع طموحاتهما، إذ يكمل "أيهم" قائلًا: "تنافت المدرسة مع طموحنا فنحن نرى أن مصادر الدخل متنوعة، لا تقصر فقط على الوظيفة التي يتوهم الناس بأمنها مع أنها بعيدة تمامًا عن مفهوم الأمان، وعندما قرأنا كتاب الأب الغني والأب الفقير كاملًا وألهمتنا أفكاره، خاصة فيما يتعلق بكون الثراء متعلق بالعقلية وليست برأس المال".

يفسر الباحث الاجتماعي، د. حسين الخزاعي، تصرف الشابين بمرورهما بمرحلة عمرية أكثر ما يميزها هو رفض الواقع وحب المغامرة، والحرص على التغيير نحو الأفضل.
يضيف الخزاعي في حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن الشباب لا يطيقون الانتظار لتحقيق آمالهم في عصر السرعة الحالي ويفضلون تحقيق أهدافهم بشكل فوري ودون القيود الزمنية، التي يفرضها التعليم والعمل والراتب الشهري.
ومع انتهاء رحلتهما القصيرة، قد تكون بداية لسلوك طريق يصل بهما إلى تحقيق آمالهما لكن بشكل أفضل وأكثر رصانة.