«التغيير» تقتحم عوالم «مخدر الآيس».. واقع صادم عن حياة المدمنين وعسكريون خلف تجارة الموت «1-2»


«الآيس»، مخدر تلاحق إسمه قصص مرعبة وحقائق صادمة، فرض نفسه على واقع السودانيين المتردي أصلاً بفعل التقلبات السياسية والتدهور الاقتصادي والانقلاب العسكري.. «التغيير» فتحت الملف مع مختصين وقانونيين ومتعافي من الإدمان نجا منه بخسائر مادية ضخمة، اطلعنا من خلال كل ذلك على قصص مثيرة ومعلومات صادمة.

التغيير: الخرطوم: أمل محمد الحسن

«ربطني أخي الأصغر بالجنازير إثر محاولتي الهرب من المستشفى، تلك هي الذكرى الأكثر قسوة التي مررت بها في حياتي».
من داخل مستشفى السلاح الطبي بأم درمان، حكى «مجدي» لـ«التغيير» تجربته مع الإدمان ورحلة العلاج التي أكملت في فبراير 2023، عاماً كاملاً، خسر فيها الشاب الثلاثيني وظيفته، سيارتيه، أمواله المدخرة «30 ألف دولار»، وخطيبته التي اختفت بعد أن تطورت الإهانات والإساءة منه إلى ضرب.

مخدر الآيس

بالنسبة لـ”مجدي” – وهو ليس إسمه الحقيقي بل إسم مستعار نستخدمه خلال هذا التحقيق – الخسائر المادية يمكن تعويضها؛ لكنه مشغول بصورته أمام أسرته التي كان هو قدوتها ومعيلها كأخ أكبر بعد وفاة والده.

دخوله لأكثر من مستشفى ثم محاولة الهرب التي اضطرت أخاه الأصغر لربطه مع الفراش الابيض، تلك ذكريات وأحداث مؤسفة نقلته من قدوة المنزل لشخص مثير للشفقة والسخط.

يصفه الخبراء بالمادة المُخلقة، أي ليست لها أساس نباتي

أداة قتل

«مجدي» هو أحد الشباب الذين عبث «الآيس» بحياتهم، وعلى الرغم من جميع الخسائر التي تكبدها في رحلة العلاج إلا أنه يعتبر من المحظوظين لأن أضرار المخدر كانت في أغلبها مادية، وخرج منه بمرض «البايبولر» فقط.

والمخدر الذي يحمل العديد من الأسماء مثل «الآيس كريستال، أو الشابو، أو الشيطان»، يصفه الخبراء بالمادة المُخلقة، أي ليست لها أساس نباتي، مثل الكوكايين الذي يأتي من نبات الكوكا، أو البنقو الذي يستخلص من نبات القنب الهندي.

 

أدوات تعاطي مخدر الآيس

ويظهر في صورته النهائية في شكل كرات بلورية، ويتكون من مجموعة من المواد المركبة منها «الاستون الأحمر، الهايدروكلورين، والليثيوم»، إلى جانب مجموعة من المواد المعملية السامة.

وتأتي خطورته الكبيرة من إمكانية تصنيعه محلياً، ولا تعني الخطورة هنا فقط إمكانية توفره وانتشاره، لكن في عدم خضوعه لمواصفات ومقاييس؛ ما يحوله في وقت وجيز من مخدر للتنشيط إلى «أداة قتل».

التعاطي عن طريق الحقن ساهم في نشر أمراض خطرة، بعضها لم يكن ضمن خارطة الأمراض المنتشرة في السودان

طرق تعاطٍ خطرة

يكفي جرام الآيس الذي يصل سعره إلى «18» ألف جنيه، لـ«3» جرعات، يتم أخذها عن طريق الشم «يوضع في أنبوب زجاجي ويخرج منه أنبوبان صغيران» وعن طريق البلع أو الحقن، وهو الطريقة التي يفضلها معظم المدمنين،ووفق «مجدي» يظهر مفعول المخدر قبل إخراج الحقنة من الجلد.

إلا أن التعاطي عن طريق الحقن ساهم في نشر عدد من الأمراض الخطيرة، بعضها لم يكن ضمن خارطة الأمراض المنتشرة في السودان، على رأسها فيروس الكبد الوبائي «سي».

وبحسب استشاري الطب النفسي محمد أحمد الشيخ، المختص في معالجة الإدمان، انتابت العاملين في المجال شكوكٌ تتعلق بأن المخدر نفسه يحمل الفيروس.

وتابع: «هذا النوع كان منتشرا في دولة مصر»، مشيراً إلى عدم وجود اختبارات معملية تؤكد هذه الشكوك أو تنفيها.

أدوات تعاطي مخدر الآيس

وأكد “الشيخ” أن الكثير جداً من المتعاطين لمخدر «الآيس» يعانون من مرضين خطيرين من الأمراض المنقولة عن طريق الدم، وهي التهاب الكبد الوبائي «فيروس سي»، مع الكبد الوبائي «بي».

أو بالتبادل مع مرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، فيما عزا الانتشار للأمراض المنقولة بالدم إلى تبادل المدمنين أدوات الحقن.

واضاف: «بعض المدمنين لا يملكون ثمن الجرعة، فيتبرعون بإعطاء الحقنة لمتعاطين آخرين، ثم ينقلون بين 5 إلى 10 سيسي من دم المتعاطي لدمائهم»، مؤكداً أنه يندر وجود متعاطٍ غير مصاب على الأقل بمرض واحد خطير.

مسؤول شرطي: انتشار المخدرات وسط الشباب ليس عملية تجارة فقط، بل هي خطط سياسية خلفها أجندة

مخدر مقيم

تحول السودان من دولة عبور إلى دولة استهلاك؛ وطبقاً لضابط كبير في إدارة مكافحة المخدرات، لم يكن هناك ضبط لكميات كبيرة لأنواع مخدرات مثل الكوكايين والهيروين والآيس، عكس الوضع الراهن.

ووفق نائب رئيس اللجنة الأمنية بالولاية الشمالية محمد عوض، فإن دخول المخدر عبر المعابر الرئيسية غير وارد، مشيراً إلى وجود بلاغ واحد فقط متعلق بالترويج في مدينة دنقلا حاضرة الولاية، ونوه إلى أن المهربين يستخدمون طرقاً بديلة.

من جانبه ألمح مسؤول رفيع في إدارة المكافحة، إلى أن انتشار المخدرات وسط الشباب ليس عملية تجارة فقط، بل هي خطط سياسية خلفها أجندة، ولم يفسر الضابط ما يرمي به وراء حديثه، ولم يقدم براهين واضحة يدعم بها وجهة نظره.

وعلى الرغم من انفتاح الاحتمالات على جميع الاتجاهات؛ إلا أن المعطيات المتعلقة بحالة السيولة الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد، أصابت الكثيرين بالإحباط، خاصة مع استمرار الثورة لأكثر من «4» سنوات، يلازم فيها الشباب المواكب التي يفقدون خلالها أصدقاءهم بالقتل من قبل الأجهزة النظامية.

إلى جانب الإصابات الخطرة التي يترتب علي كثير منها اعاقات دائمة للآلاف منهم خلال المظاهرات الاحتجاجية، وكلها ظروف تهيئ الوضع للهرب إلى المخدرات والتعاطي، خاصةً وأن المدارس والجامعات تغلق أبوابها بشكل متواصل ولأوقات طويلة.

انتشار مخدر الآيس في ولاية الخرطوم كأكبر سوق للاستهلاك، إلى جانب ولاية كسلا

نقاط معلومة

مطار الخرطوم هو أحد المداخل الرئيسة التي يعبر بها «الآيس» إلى داخل السودان، وهو منفذ يخضع للرقابة وبه أجهزة فحص، وصول المخدر عبره يحتاج لتفسير؛ فهو إما يدعم حديث الضابط الرفيع (برتبة عميد) عن المؤامرة السياسية، أو يفضح فسادا كبيرا داخل الأجهزة الشرطية.

ويدخل الآيس للبلاد ايضا عبر الحدود المفتوحة في الشرق، والشمال والغرب، مع دول «إريتريا وتشاد ومصر»، وفق ضابط ميداني يتبع لإدارة المكافحة- فضل حجب اسمه. وأضاف أنه يأتي من عدد كبير من الدول منها «مصر، تركيا ولبنان».

مطار الخرطوم الدولي

وتطابقت معلومات من مصادر طبية وشرطية تؤكد انتشار مخدر الآيس في ولاية الخرطوم كأكبر سوق للاستهلاك، إلى جانب انتشاره في ولاية كسلا على الحدود الشرقية للبلاد، وولاية نهر النيل التي ينتشر فيها التعدين، ويتاخم بعضها الحدود المصرية.

داخل العاصمة أماكن البيع والتسويق الرئيسة معلومة بالنسبة لإدارة المكافحة، وكشف أحد الضباط الميدانيين لـ«التغيير»، عن أكثر الأحياء التي يتم فيها التعاطي والترويج وهي «المعمورة وأركويت في الجانب الشمالي الشرقي من العاصمة».

أما نقاط البيع الميدانية؛ فأشهرها كولومبيا «منطقة في شارع النيل الخرطوم تمتد في اتجاهي الشرق والغرب من تحت جسر النيل الأزرق الذي يربط مدينتي بحري والخرطوم».

وفي شارع النيل أيضاً تشتهر المنطقة المحيطة بـ«الفلل الرئاسية»، إضافة لتحول محيط نادي التنس بالخرطوم إلى نقاط البيع، بحسب الضابط.

أما في مدينة بحري فأشهر المناطق هي “منتزه الزوادة”- بداية بحري من اتجاه كبري النيل الأزرق- ومنطقة موقف شندي، والتي وصفها بأنها أكثر المناطق شراسة حيث تتفادى إدارة المكافحة الدخول اليها بدون استعداد كامل.

وتحدث عسكري ينتمي إلى إدارة المكافحة لـ«التغيير»، كاشفاً عن وجود مناطق ترويج تحت الجسور الرابطة بين أم درمان والخرطوم، واردف: «عادة ما تكون مناطق تقاطع الصلاحيات بين الجيش والشرطة مناطق ترويج خطيرة».

العناصر النسائية التي تعمل في مجال الترويج تكون هي الأخطر على الإطلاق

ترويج «ناعم»

العناصر النسائية التي تعمل في مجال الترويج تكون هي الأخطر على الإطلاق- وفق ضابط برتبة رفيعة في إدارة المكافحة- والذي أشار إلى عدم سهولة الوصول والتعرف عليهن إلا بمعلومات من مصادر.

ونوه إلى أنهن عندما يتم القبض عليهن يكون من السهل جداً استخدامهن للتوصل إلى تجار أكبر.

وكشف الضابط عن حادثة قبض على «مروجة» تم استخدامها للقبض على مصنع بحاضرة إقليم النيل الأزرق الدمازين، كان ينتج في الساعة الواحدة «4300» حبة كبتاجون.

ونفى ضابط رفيع آخر بالمكافحة الشائعة المرتبطة ببائعات الشاي والتي تقول إنهن يضعن المخدر داخل القهوة لجذب المدمنين.

وكشف عن إرسال مجموعة من عناصر المباحث لشرب القهوة لدى عدد كبير منهن، وأخذ عينات تم فحصها في الأدلة الجنائية حيث لم تحتوِ ولا عينة واحدة على مخدر.

لكن الضابط لم ينف وجود مروجات بين بائعات الشاي، مشيرا إلى امتهان بعضهن لترويج المخدرات بأنواعها أو الترويج للدعارة.

مصدر شرطي: «هناك عدد من المنتمين لقوات الدعم السريع حالياً في حراسة شرطة المكافحة»

حاميها «…»

«هناك عدد من المنتمين لقوات الدعم السريع حالياً في حراسة شرطة المكافحة»- هذا ما كشفه مصدر من داخل إدارة المكافحة.

وأشار لوجود عدد كبير من المروجين ينتمون إلى قوات نظامية «مرافيد جيش، شرطة، وقوات دعم سريع وبعض الحركات المسلحة».

وأكد المصدر وجود عدد كبير من البلاغات في مواجهة منسوبي قوات نظامية.

وقال ضابط المكافحة الميداني لـ«التغيير»، إن قواتهم كانت لا تستطيع دخول مناطق مثل «الزوادة» لأن المتعاملين فيها ينتمون «حالياً أو سابقاً» لجهات نظامية ولا يتواجدون إلا وهم مسلحون.

وأكد أن قوات المكافحة التي تتحرك تتكون في العادة من «12» أو «13» فرداً كحد أقصى ولا تستطيع الثبات أمام جهات مسلحة، وكشف عن تسلح كبير تحمي به عصابات المخدرات نفسها.

دورية تتبع للشرطة السودانية

وصدق قول الضابط الحادثة التي أدهشت الخرطوم، والتي تم فيها قتل مساعد يتبع للمكافحة، كان يُنقل بسيارة السجن بعد أن نال عفو زوجة تاجر المخدرات الذي كان قد قتله في كمين سابق.

وعندما لم يعجب بقية أفراد العصابة نيله للتخفيف من حكم الإعدام وقفت في قلب الخرطوم ووضح النهار، على طريقة أفلام هوليوود، مستهدفة سيارة السجن «دفار» التي تقله ليضعوا في جسده «8» رصاصات تقتله على الفور.

فيما حرصوا على عدم قتل أي شخص آخر وإصابة العساكر المصاحبين بجروح فقط، واطلقوا سراح كافة المساجين الذين كان اغلبهم محكوما بالاعدام.

وحكى تفاصيل الحادثة أحد المساجين الذي عاد لمسرح الحادث ليسعف الجنود.

سعر الجرام في شرق النيل «7» آلاف فقط مقابل «18» ألفاً في قلب العاصمة

جشع واستغلال

من جانبه، كشف «مجدي» لـ«التغيير»، عن هوية التجار الذين كان يشتري منهم المخدر، ويتبعان ايضا للجهات النظامية، بقوله: «كانا اثنين، الأول يعمل في المباحث الفيدرالية والثاني عسكري في شرطة مكافحة المخدرات».

وذكر بانهما كانا يستغلان سيارته للذهاب لشراء المخدر من منطقة «شرق النيل»، وعبر عن دهشته لوصول سعر الجرام هناك إلى «7» آلاف فقط مقابل «18» ألفاً يشتري بها المخدر من قلب العاصمة.

وأضاف: «عندما اضطروا لأخذ سيارتي عددا من المرات اكتشفت الفرق الكبير جداً في السعر الذي يقومون بإضافته».

وقال «مجدي» إنهم يتعاطون أيضاً المخدر، مشيراً إلى عدم تعرضهم للتفتيش أو المساءلة مطلقاً.

وعندما سألته «التغيير» عن استمرارهم حتى الآن في الخدمة، أجاب بنعم.

في الجزء التالي من التحقيق:

هل يتعرض أفراد شرطة مكافحة المخدرات لمؤامرة داخلية لابعادهم عن أداء مهامهم؟
ماهو أثر الحملات المشتركة التي تم تنفيذها عقب إعلان الدولة عن حملتها لمكافحة المخدرات؟

تاريخ الخبر: 2023-02-20 18:26:36
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

رئيس الحكومة يستقبل المدير العام لمنظمة العمل الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:33
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية