فى معنى الزواج (1)


ترتبط الحياة بالتزاوج بين الجنسين، وينطبق هذا على مختلف الكائنات الحية فيما عدا الكائنات الأولية ذاتية التكاثر أوالاستنساخ، وهي كائنات مجهرية وبدائية وأنواعها محدودة. أما القاعدة البيولوجية الأساسية فهي التكاثر من خلال التزاوج بين ذكر وأنثى، وهذا التزاوج البيولوجى له أشكال عديدة ومتنوعة على سلم الكائنات الحية حيث يتنوع ويتدرج من كونه عملية بيولوجية مؤقتة أو موسمية لدى أنواع معينة من الكائنات الحية إلى كونه عملية تتسم بدرجة من الديمومة والتنظيم الطبيعى لدى أنواع أخرى. فالكثير من أنواع الكائنات الحية تعيش إناثها وذكورها فى ظل نظم طبيعية تتجاوز لدى بعض الكائنات حدود التزاوج العابر وتمتد إلى تكوين معيشى يرتكز على تقسيم طبيعى للعمل بين الذكر والأنثى، وخاصة فيما يتعلق بالغذاء والسكن ورعاية الصغار. وهذه الأطر الطبيعية تختلف عن الأطر التنظيمية التى طورها البشر لإخضاع التزاوج لشروط وأحكام وتعاليم الأعراف والأديان والقوانين وكذلك المصالح والتمايزات العرقية والطبقية، وأولا وقبل كل شيء أدوار النوع الاجتماعى بين الرجال والنساء.

وفي عالم البشر، سواء تعلق الأمر بالتعاليم الدينية أو الأعراف أو القوانينالوضعية، فإن الهدف الأساس من الزواج هو إضفاء شرعية على التزاوج البيولوجى ومأسسته ضمن النظام الاجتماعي. فإذا كان تزاوج الكائنات الحية يخضع لنظم طبيعية، فإن التزاوج البشري يخضع لنظم اجتماعية تحولتبموجبها العلاقة الزواجية بين الرجل والمرأة، إلى مؤسسة تخضع للرقابة والتنظيم سواء من قبل الجماعة أو الدولة، وهذا ما يجعل للزواج بعدين من منظور الخاص والعام، فهو بيولوجيا ومشاعريا مسألة خاصة بالزوجين، ولكنه كمؤسسة اجتماعية يعد مسألة عامة تخضع لشروط وقواعد ملزمة.

ومن منظور الشروط والقواعد، تتعدد أشكال الزواج باختلاف الاعتبارات الشرعية والاجتماعية والتحولات التاريخية. وكما أن بعض أشكال الزواج التى شهدتها المجتمعات القديمة قد تم تحريمها دينيا من منظور الحلال والحرام، فإن القانون الحديث أدخل متغيرات كان لها إنعاكسات على بعضأشكال الزواج التقليدية التي طالما كانت مستقرة ومدعومة بالآراء الدينية، ولعل”توثيق أو تسجيل” عقود الزواج يعد أحد أهم هذه المتغيرات. وبموجب القانون الحديث الذى صاحب التطورات الاجتماعية والحقوقية الحديثة. باتت بعض أشكال الزواج مجرمة مثل زواج الطفلات، أو غير معترف مثل الزواج العرفى والسرى أو مقيدة مثل تعدد الزوجات. وهنا نلاحظ أحد أكثر أوجه الجدل والتوتر بين التأويلات الدينية والتطورات القانونية والحقوقية. وهى ساحة لا تعني فقط الصدام، بل كذلك تحفيز الاجتهاد الدينى لمواكبة تطورات العصر، وخاصة فيما يتعلق بالمفاهيم السائدة عن قوامة الرجل وزواج الطفلات وتعدد الزوجات وأشكال الزواج العرفية التقليدية.

وعادة ما يوصف الزواج بأنه “رباط مقدس” وواجب بالمعنى الديني والاجتماعي، والرباط والواجب يعنيان العقد والمشروعية، فعقد القران يعنى حدوثه من ناحية والاعتراف به من ناحية أخرى، فضلا عن تنظيمه وتنظيم ما يترتب عليه حال استمراره أو انقطاعه. وتشكل الصيغ التعاقدية جوهر اتمام الزواج فى الحضارات المختلفة، سواء تعلق الأمر من خلال معرفة الشهود والإشهار، أو من خلال التسجيل. فالزواج عقد ينص على ما هو متوافق عليه فى سياق اجتماعى أو دينى معين. فالزواج يُعرف بشروطه وصيغه التعاقدية، وهذا نجده فى تعريفات الزواج الدينية والقانونية والاجتماعية.

فمن المنظور الديني الإسلامي يجرى تعريف الزواج شرعا بأنه: “عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء، والمباشرة، والتقبيل وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير محرمة بنسب أو رضاع أو صهر، أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل، فأثر هذا العقد بالنسبة للرجل يفيد الملك الخاص به فلا يحل لأحد غيره، وأما أثره بالنسبة للمرأة فهو حل الاستمتاع لا الملك الخاص بها” [أ. د. فرج السيد عنبر: الزواج فى الموسوعة الإسلامية العامة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 2003، ص 738]. ومن المنظور المسيحى، يتم تعريف الزواج (الزيجة)بأنه “سُنة أوجدها الله، فيترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا (تك 2: 20-24)، وهو “الرباط المقدس الذي علي أساسه يعيش الرجل والمرأة معًا في علاقة شرعية يقرها المجتمع”. [قاموس الكتاب المقدس: دائرة المعارف الكتابية المسيحية، موقع الأنبا تكلا هيمانوت، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مصر].

وعلى الرغم من أن الأديان تناولت الأبعاد الإنسانية والأخلاقية للزواج، إلا أن السائد تقليديا تعريف الزواج من منظور مشروعية العلاقات الجنسية، أو مشروعية امتلاك الرجل لجسد المرأة، وهكذا نجد كلمات مثل الوطء والنكاح والمتعة، وهذه النظرة كانت موضع نقد من قبل أئمة كبار، مثل الإمام محمد عبده الذى قال فى حديثه عن الزواج: “رأيت فى كتب الفقهاء أنهم يعرفون الزواج بأنه عقد يملك به الرجل بضع المرأة”. وما وجدت فيها كلمة واحدة تشير إلى أن بين الزوج والزوجة شيئا آخر غير التمتع بقضاء الشهوة الجسدانية، وكلها خالية من الإشارة إلى الواجبات الأدبية التى هى أعظم ما يطلبه شخصان مهذبان كل منهما من الآخر”. ويضيف الإمام “فهذا النظام الجميل [أى الزواج] الذى جعل الله أساسه المودة والرحمة آل أمره بفضل علم الفقهاء الواسع إلى أن يكون اليوم آلة الاستمتاع في يد الرجل، وجرى العمل على إهمال كل ما من شأنه أن يوجد المودة والرحمة وعلى التمسك بكل ما يخل بهما”. (الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده: فى الكتابات الاجتماعية، تحقيق وتقديم الدكتور محمد عمارة، دار الشروق ص 70)

وتبرز الصيغة التعاقدية بقوة عندما نأتي إلى التعريف القانوني، فعلى الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية لا يقدم تعريفا للزواج، بقدر ما ينظم شروطه استنادا إلى الشرع، إلا أن بعض الاجتهادات تعرفه، قانونيا، بأنه: “عقد رضائي له صفة الدوام بين شخصين ذكر وانثى بالغين وليست بينهما موانع شرعية بهدف بناء اسرة مشتركة، وهدفه الأسمى التناسل وحفظ النوع الإنساني وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين” [دليل إرشادى إعداد قانون أسرة متكامل أكثر عدالة: شبكة الجمعيات العاملة فى مجال حقوق المرأة فى مصر، ص 21]. وقد عرفه العلامة الإمام أبو زهرة فى كتابه الأحوال الشخصية (ص 19)، بانه “عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعونهما. ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات”.

وهكذا يمكن القول أن تعريفات الزواج متعددة حيث يتم النظر للزواج من جوانبه الشرعية والقانونية، وهذه التعددية أدت إلى غياب تعريف محدد للزواج في قوانين الأحوال الشخصية. وفي المقال التالي سوف يتم تناول الزواج من المنظور الاجتماعي والثقافي.

تاريخ الخبر: 2023-03-06 09:22:15
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

رئيس الحكومة يستقبل المدير العام لمنظمة العمل الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:33
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية