لحن: إيسو بناجيو سباتير (٢)


عزيزي القاريء تحدثت معك في المقال السابق عن بعض المفاهيم الخاصة بلحن إيسو بناجيو سباتير، لكن اليوم أريد أن أتحدث معك عن البعد العقائدي والبعد الطقسي لهذا اللحن القصير جدا العميق جدا.

البعد العقائدي للحن:

إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من خلال لحن مدته 40 ثانية وضعت أهم عقيدة مسيحية وهي التثليث والتوحيد. وربما يسأل البعض لماذا ذُكر الأب أولا في كلمات اللحن؟ هل هذا يعني أنه أعظم من الإبن والروح القدس؟ فعندما أمر السيد المسيح تلاميذه الأطهار أن يكرزوا قال لهم:

“إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس” (متى 28: آية 19)

والإجابة بالقطع: لا، فالأقانيم الثلاثة متساوية تماماً، وذكر الأب أولا ليس مقياس للعظمة بدليل أن بولس الرسول ذكر الإبن أولا حينما قال:

“نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين” (كورنثوس الثانية 13 آية 14)

وكذلك يهوذا الرسول ذكر الروح القدس أولاً حينما قال:

“أما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس، مصلين في الروح القدس وأحفظوا أنفسكم في محبة الله منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيحللحياة الأبدية” (يهوذا 20 آية 21)

فالأقانيم الثلاثة متساوية ولعل لحن البركة “نسجد لآب النور، وإبنه الوحيد، والروح القدس المعزي، الثالوث المساوي” أكد مساواة الأقانيم الثلاثة في مطلع القداس الإلهي، ثم جاء لحن “إيس أو بناجيو” ليؤكد وحدانية الأقانيم الثلاثة في الذات الإلهية في نهاية القداس الإلهي، وهو مطابق لما أكده القديس يوحنا في رسالته الأولى:

“إِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ”. (يوحنا الأولى 5 آية 7)

وهذا هو إيماننا الأقدس.

البعد الطقسي للحن:

لحن “إيس أو بناجيو سباتير” هو لحن قصير جدا لكن تأثيره الروحي كبير جدا، فهو لحن يجاوب به كل الشعب على الكاهن بأعلى أصواتهم، قرب نهاية القداس الإلهى، قبل الإعتراف، وبعد صلاة الخضوع وصلاة تحليل الآب وأوشية الإجتماعات، عندما يصرخ الكاهن بصوت عالٍ مرنماً “القُدْسات للقديسين” “تا جيا تيس آجيس” .

فبعد نداء الشماس “طاس كى..”، يرد عليه الشعب باللحن قائلين:

: “او نوبيون سوكيريي” الذي ترجمته ” أمامك يارب خاضعين وساجدين” فيبدأيقول الكاهن “صلاة الخضوع” للآب سراً والتي تبدأ بالجملة “كملت نعم إحسان ابنك الوحيد،…”

وطبقاً لطقس ابن سباع في القرن الثالث عشر، فإن الكاهن يقول بعد ذلك تحليل الآب”ووجهه إلى الشرق كالعادة. وإن كان رئيس كهنة في كرسيه، يقرأه ووجهه إلى الغرب حتى يجذب شعبه ليستحقوا تناول الجسد والدم المقدس، ويذكر في آخر التحليل كل الناس اللى قدمت القربان، وكل من طلب منه أن يذكره واحداً واحداً، كل باسمه”.

وطبقاً لطقس البابا غبريال الخامس (1409 – 1427م)، فعند قول الكاهن: “اللهم حاللنا وحالل كل شعبك”، يستر يده اليمنى بلفافةٍ حرير، ويلتفت ناحية الغرب (أيناحية الشعب، ويشير بيده إلى الشعب. وتكون يده اليسرى مبسوطة وهو ملتفتً بنظره إلى الجسد الطاهر سائلاً منه طالباً عن الشعب. وهنا يذكر البيعة والشعب، الأحياء والأموات إلى آخر قراءة التحليل.

الحقيقة، الطقس القبطي هو الطقس الوحيد بين طقوس كنائس العالم شرقاً وغرباً، الذيتجيئ فيه صلاة التحليل متأخرةً هكذا فى القداس الإلهي، باستثناء كنائس شمال أفريقيا في القرن الرابع الميلادي. والكنيسة القبطية لها حكمة في ذلك، وهو إن هذا التحليل هو فى الأصل موضوع من أجل اللذين كانوا تحت قانون توبة، وهو موضوع هنا –متأخر فى القداس – حتى يعطيهم الشجاعة إنهم يشتركوا مع باقى المؤمنين بضمير طاهر. ومع الوقت اتسع هذا التحليل حتى شمل كل واحد وكل خطيئة.

ويقول البابا غبريال الخامس (1409-1427م):

” يأخذ الكاهن الإسباديقون بيديه، ويرفعه للعلو إلى آخر منتهى أذرعته، مطامن الرأس، وهو صارخ بأعلى صوته قائلاً: القُدسات للقديسين، فيطامن الشعب جميعهم رؤوسهم، ساجدين للرب بخوف ورعدة، طالبين بدموع وابتهال، ودق صدور في غفران خطاياهم، وثباتهم على الأمانة الأرثوذكسية إلى النفس الأخير. ثم يأخذ الكاهن الإسباديقون بيده اليمنى (بطرف إصبعين) ويرشم به الدم الكريم مثال الصليب، (ثم يغمس طرفه داخل الكأس) ويرفعه مغموساً بالدم محترزاً لئلا يسقط منه شئ، ويرشم به أيضاً الجسد الطاهر الذي بالصينية جميعه مثال الصليب. ثم يعود به إلى الدم، ويرشم به أيضاً (على وجه) الدم (داخل الكأس) مثال الصليب، ويضعه في الكأس (مقلوباً)، (لكن يفعل ما سبق ذكره بلطافة واحتراس. وتكون يده اليسرى مبسوطة تحت الإسباديقون لئلا تقع منه جوهرة أو ينقط منه شئ). كل ذلك وهو يقول: “مبارك الرب يسوع المسيح ابن الله، وقدوس الروح القدس آمين”.

وبحسب البابا غبريال الخامس، بعد أن يقول الكاهن: “مبارك الرب يسوع المسيح ابن الله، وقدوس الروح القدس آمين”، يقول “ينهض الشعب من سجودهم، ويجاوبوه بأعلى أصواتهم قائلين:

“واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس. آمين”.

عزيزي القاري إستعرضت معك البعد العقائدي والطقسي للحن “”إيس أو بناجيو سباتير” وإلى اللقاء في المقال القادم لنتحدث فيه عن البعد الروحي والبعد التاريخي لنفس هذا اللحن، العجيب في قوته رغم صغر زمنه، فإلى أن ألقاك لك مني كل محبة وسلام.

تاريخ الخبر: 2023-03-12 09:22:22
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

نجاح باهر لمهرجان بني عمار زرهون في دورته ال13 - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-10 03:24:44
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية