تمهل
تمهل
ما أجمل الصلاة التي رفعها داود النبي لله قائلا:يارب, من يحل في خيمتك؟ ومن يقيم في جبل قداستك؟ نزيه المسلك وفاعل البر والمتكلم بالحق في قلبه. الذي لا يغتاب لسانه, ولا يفعل بصاحبه شرا, ولاينزل بقريبه عارا (مزمور14:1-3). جاء أحد الأشخاص لسقراط ليقول له في حماس شديد:هل تعرف ما سمعته أخيرا عن أحد تلاميذك؟ أجابه سقراط:قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختبارا بسيطا وهو اختبار(مصفاة المثلث).فسأله الرجل مندهشا:وما هو هذا الاختبار العجيب؟أجابه سقراط:هو امتحان يجب أن نقوم به قبل أن نتكلم لذلك سنبدأ في تصفية ما سوف تقوله, إن المصفاة الأولي تدعي(الحقيقة), هل أنت واثق بأن ما ستقوله هو الحقيقة؟ أجاب الرجل:لا لست واثقا لأنني سمعته من أحد الأشخاص. فقال سقراط:حسنا ! إذا أنت غير واثق بأن الأمر صحيح أم لا فلننتقل إلي المصفاة الثانية وهي مصفاة(الخير). هل ما ستقوله لي هو للخير؟ أجاب:لا بل علي العكس تماما. ثم تناول سقراط حديثه قائلا:حسنا! تريد أن تقول لي خبرا سيئا, حتي وإن لم تكن متأكدا من صحته!ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهي مصفاة(الفائدة) هل ما ستقوله لي سيعود علي بالفائدة؟ أجاب الرجل:لا ليس به فائدة فاضطر سقراط أن يختم الحديث قائلا:إذا كنت غير متأكد من حقيقة ما تريد قوله لي, ولا هو للخير وليس له فائدة, لماذا تريدني أن أسمع لك؟!. فانصرف ذلك الشخص في خجل ومرارة . هل نستطيع التروي في كلامنا وخاصة عندما نسمع الأحاديث المغرضة من بعض الناس؟ هل نستطيع الحديث والكلام فيما هو أكيد وفيه خير للآخرين ومفيدا لحياتهم؟ لا ينكر أحد أهمية الكلام والحديث في الوقت المناسب, ومن أجل هدف واضح, ولكن للأسف هناك أحاديث لا طائل منها, حتي أنها تعود بالضرر علي قائلها وسامعها وفي هذه الحالة نقول لأمثال هؤلاء أن يمتنعوا كليا عن الكلام, واضعين حدودا لأحاديثهم الفارغة والهدامة. إذا فالصمت أفضل من الكلام الذي لا جدوي منه, فالشخص الذي يضبط لسانه, يربح احترام الآخرين وتقديرهم له, لأن فضيلة الصمت هنا تمنح صاحبها فرصة ذهبية للتأمل والتمحيص وغربلة الكلام قبل أن يفتح فاه. وننستطيع معرفة أخلاق وثقافة الشخص من الكلمات التي يتفوه بها, لأنها تكشف ما بداخل صاحبها. وكما يقول المثل:قد تخفي الثياب الأنيقة عيوب الإنسان وحقيقته, ولكن الكلام الذي لا معني له يكشفه بسهولة. كم من الأشخاص الذين يقومون بإهانة الكبير والصغير, الصالح والطالح, القريب والبعيد, ونجد كل هذا أيضا علي وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية, حتي أن الغالبية العظمي من أصدقائهم تنساق خلفهم بتعليقاتها الجارحة وبدون معني أو مبرر؟كما نجد أعدادا غير قليلة تخترع بعض المواضيع لتفضح بها الناس عن طريق القيل والقال, واضعة البهارات في كلامها حتي تسيء إلي من يختلف معها في الرأي والحديث. وهؤلاء يتمثلون بالحية التي لا تستطيع الحفاظ بشرها وسمها فتلدغ من تصادفه لتفرغ فيه سمومها. وكثيرا ما يكون هؤلاء كاذبين في نقل الكلام, لأن هدفهم الأول والأخير هو تشويه صورة الناس, وزرع روح الخصام والحقد بين الجميع, والتفريق بين القلوب المحبة. ونكتشف أن لا هدف لهم في الحياة سوي التجوال هنا وهناك والثرثرة من غير طائل, وهذا دليل علي فقرهم النفسي والعقلي وإفلاسهم الأخلاقي. وهناك نوع آخر من الناس يخص هؤلاء الذي يخفون عدم القيام بواجباتهم وأعمالهم وراء الأحاديث والكلمات المعسولة, حتي أننا نكتشف أن معدنهم بلا ثمار,لأن حياتهم كلهم شعارات ودعايا فقط. لكن من الأفضل لنا ألا نتكلم عن أنفسنا بل ندع أعمالنا وتصرفاتنا تتحدث عنا, لأن جوهر الشخص فيما يعمل, وليس فيما ينطق به من كلام وأحاديث عن ذاته. إذا نحن بحاجة إلي فضيلة الصمت التي لا غني عنها في عصرنا القلق والمشوش, ومن ثم سنشعر بالطمأنينة والراحة النفسية ولن نضر الآخرين بأحاديث غير مجدية. إذا يجب علينا أن نتفوه بالكلمات الطيبة لمواساة الآخرين وشد أزرهم ومساندتهم لأن من يقوم بذلك يساعد علي تضميد الجراح وشفاء الأسقام, كما يجب أن نعود أنفسنا علي أن نتكلم فقط عندما يكون كلامنا أفضل من الصمت, ويحمل بشري خير للجميع.ونختم بالقول المأثور:إن فن الحديث هو الاستماع دائما والكلام أحيانا.