حامل المِسك| أسامة الأزهري.. الشيخ الذى نودى بـ«العَالِم الجليل» فى سن العاشرة

 

- له اهتمام خاص بالأناقة وبأنواع وتاريخ العطور ولا يعرف نهم الطعام

- ينفق من ماله إنفاق الكرماء لإكرام طلاب العلم وفى مواقف المروءة

يصفه طلابه بل وأساتذته بأنه «عالم موسوعى»، و«متبحر من مجددى هذا الزمان»، لمَ لا والرجل مكث عمرًا طويلًا لا تفارقه الكتب، وقرأ أمهاتها وهو ما زال فى العاشرة، حتى كان والده ينادى عليه «أهلًا بالعَالِم الجليل» فى هذه السن.

الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار الرئيس للشئون الدينية، الأزهرى الوسطى، الذى «إذا تكلم فى فنٍّ حسبته لا يتقن غيره، لما له من الغوص فى أعماقه وتفاصيله وتقسيماته، وإذا حكى مسألة من مسائل العلم وفنونه بدأ بأصلها، ثم ثنى بأقوال العلم فيها، ومن خالف فيها ومن تعقبها، ومن استدرك على الأول، ومن انتصر لكلا الرأيين»، وفق ما قاله عدد من زملائه فى شهاداتهم عنه، التى تنشرها «الدستور» فى السطور التالية.

 

أحيا عادة «تقبيل» يد والديه.. وقال: «أتمنى أن أجلس خادمًا لأمى»

«والده السيد محمود محمد الأزهرى كان من أهل الدين والصلاح، مُحبًا لكتاب الله».. بهذه الكلمات بدأ أحد جيران الشيخ أسامة الأزهرى، فى قرية «باصونة» التابعة لمركز المراغة فى محافظة سوهاج، حديثه عن مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية.

وقال جار الشيخ أسامة، لـ«الدستور»: «والد الشيخ أسامة كان يعمل ناظرًا فى التربية والتعليم، وكان محبوبًا حازمًا معطاءً يهابه الكبار والصغار، يدعو للعلم بصفة دائمة، وأى شخص يلتقيه فى طريقه يوصيه بأن يحرص على تعليم أولاده».

وكشف الجار البالغ من العمر ٧٠ عامًا عن قصة تكشف النظرة التى كان ينظر بها والد الشيخ أسامة الأزهرى لابنه منذ صغره، قائلًا إنه «منذ كان أسامة طفلًا صغيرًا، كان والده يتحدث عنه كأنه عالِم كبير، ويفخر بتفوقه، ويحرص على اقتناء الكتب وإهدائها له، وكان يناديه وهو فى سن ١٠ سنوات بـ(أهلًا بعالمنا الجليل)، ويحمسه إلى العلم».

وانتقل للحديث عن حب الشيخ أسامة الأزهرى لوالدته، وقال إنه كان حريصًا على زيارتها بصفة مستمرة، ودائم التحدث عنها، وكيف أنها تحمل عنده معانى كثيرة، مثل الصبر والرحمة والحنان والدفع والهمة.

وأضاف: «قال فى إحدى المرات (أتمنى أن أجلس خادمًا لها)، وهو صادق فى قوله هذا، ونحن نعرف عنها أنها سيدة عظيمة وصبورة ومتدينة، ربت أبناءها على الأدب والطاعة والاحترام، ولا يبالغ عندما يقول إنه يدين لها بحياته».

الكاتب والباحث حسين القاضى أكد نفس الفكرة، مشيرًا إلى أنه عرف والده- رحمه الله- الذى كان أستاذًا كبيرًا ومربيًا فاضلًا ووليًا صالحًا ورمزًا فى قومه، وكان شديد الحب للشيخ أسامة بارًا به، حتى كان لقاؤه به بردًا وسلامًا ورحمة وبرًا وصفاء، وكذلك مع أمه وأشقائه.

وأضاف «القاضى»: «الدكتور أسامة الأزهرى عمل على (إحياء) عادة تقبيل يد الأم والأب بعد أن كادت تندثر، وفى كل مرة يقبل رأس والده ويده، ويقبل رأس ويد والدته».

وكشف عن أن «الأزهرى» يتعامل مع مساعديه بطريقة خاصة، فهو حريص على تقديم النصح لهم وتصويب أخطائهم، ومع ذلك شديد الرفق بهم، يبرهم ويبر أسرهم ويتفقد أحوالهم، ويتناول معهم الطعام والشراب، مضيفًا: «مساعدوه هم أبناؤه وأحبابه، والشيخ الجليل رجل فهم وعاطفة جياشة ومودة ومعاشرة بالمعروف لأهله».

وعاد للحديث عن منهج «الإحياء» لدى الشيخ أسامة، قائلًا إن هذا هو الغالب والسارى والمسيطر، بل «الفقه الأكبر» لديه، خاصة فيما يتعلق بـ«إحياء» الأخلاق والحضارة والنهضة والعمران، والتجديد فى القرآن والسنة والوقائع والأحداث والأشخاص والأفكار والمناهج المنضبطة.

وتابع: «الإحياء خطاب يتسم دائمًا بالعالمية ومخاطبة الجميع، فغير المسلم- فضلًا عن المسلم- يحس بأنه المخاطب بكلامه، لأن قضية (الإحياء) هذه لا يقدمها لمجتمعٍ دون مجتمع، ولا لأمةٍ دون أمة، إنما يقدمها للدنيا، ومن خلالها برزت قيمة المعالى فى حياة الشيخ أسامة، على نحو متفرق ومتفرع فى جميع شئونه».

ووصف الكاتب والباحث الشيخ أسامة الأزهرى بأنه «أنيق يتذوق الجمال والمنظر الخلاب، ويستهجن الدمامة والقبح، وحياته كلها تناسق وتناسب، وله تعلق وطرب بالجمال، وهذا يعطى جليسه حالة من النشوة والارتياح».

واختتم بقوله: «هو حامل المسك، طيب، صاحب ذوق سليم، بل له اهتمام خاص بالأناقة والعطور وأنواعها وتاريخها، لا يعرف النهم بالطعام والشراب، بل يأكل القليل جدًا، وينفق من ماله إنفاق الكرماء الأبرار، لإكرام طالب علم أو بذل علم، أو موقف مروءة».

أساتذته يخشون الخوض فى مسائل فقهية أمامه تجنبًا للحرج

التقت «الدستور» أحد أصدقاء الدكتور أسامة الأزهرى، للحديث عن مرحلة التعليم الجامعى فى حياة مستشار الرئيس للشئون الدينية.

وقال صديق الشيخ أسامة، والذى يعمل إمامًا وخطيبًا فى أحد مساجد وزارة الأوقاف: «رأيناه بلغ من نبوغه وعبقريته ما يخيف أساتذته فى الجامعة، حتى إنهم كانوا يخافون الخوض فى بعض المسائل الفقهية أمامه لتجنب الحرج أمام الطلبة».

وأضاف: «كان الأساتذة على دراية بأن أسامة قارئ ومطلع مُلم، لذا ربما يسأل فيما لا يعلمه الأستاذ الجامعى، فيخطئ هذا الأستاذ ويتعرض للحرج، وكثيرًا ما كان أسامة هو الذى يعطى إضافات للشرح تزيد وضوحًا على ما يقوله الأساتذة».

وكشف عن أن مجموع «الأزهرى» فى المرحلة الثانوية كان يؤهله لدخول كلية الطب، لكنه رفض دخولها طلبًا للعلم الشرعى، وكان يقول فى ذلك جملته الشهيرة: «أردنا بنفسنا شرًا فأراد الله بنا خيرًا».

وواصل: «رغم أننا كنا جميعًا صغار السن، كان خدومًا لزملائه ويساعدهم على تلقى العلم فى المسائل التى يصعب فهمها، وكان متواضعًا يحافظ على أذكاره وصلاته، وهذا ما عُرف عنه فى المدينة الجامعية».

وأكمل: «كان شغوفًا بالعلم ويحاور الأساتذة ليتلقى مزيدًا من هذا العلم، وكان معروفًا بميوله الصوفية المعتدلة المأخوذة من الكتاب والسنة، ودائمًا يحرص على مساعدة أى إنسان علميًا وماديًا».

وتابع: «وهو طالب فى الجامعة وجدناه على دراية بكل العلوم، وكان يحكى أن والده لديه مكتبة، بها أثمن وأندر الكتب، وأورثه الوالد نهم القراءة والمطالعة، حتى إنه قرأ كتاب (بدائع الزهور فى وقائع الدهور) عندما كان عمره ١٠ سنوات فقط».

وأتم «منذ عدة سنوات التقيت الشيخ أسامة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وجمعنا لقاء فسألنى عن الجديد فى المعرض هذا العام، فقلت له فى شغف إن هناك إصدارًا جديدًا لكتاب يتواجد فى المعرض لأول مرة، بل فى مصر كلها، وهو كتاب (الفتوحات المكية) للشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى، فابتسم وقال إنه قرأه قبل عام، وكان إهداءً من وزير الثقافة اليمنى، فهو دائمًا أول من يقرأ ويطلع على كل جديد».

واعتبر أن الشيخ أسامة الأزهرى امتداد للدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، مضيفًا: «ربنا جعل لنا فى كل عصر عالمًا من العلماء، يكون صورة تمثل الأزهر الشريف فى الحفاظ على الهوية العلمية، وهو ما يفعله الدكتور أسامة السيد الأزهرى حاليًا، الوسطى المستنير، والذى يعتبر همزة وصل بين أصالة وعبقرية الماضى والفهم الدقيق للحاضر، مع امتلاكه مفاتيح صناعة المستقبل».

حاضر للطلبة الأكبر سنًا.. وحصل على جنيه مكافأة لإعرابه بيت شعر

التقينا زميلًا ثانيًا للدكتور أسامة الأزهرى، كان صديقًا له فى المدينة الجامعية، ويعمل أيضًا كإمام وخطيب فى وزارة الأوقاف.

وقال زميل «الأزهرى»: «الشيخ أسامة له ثقله ووزنه منذ مرحلة الجامعة، كان وسطيًا وسبق علمه سنه، حتى إننا تلقينا الدروس على يديه، ورغم اختلاف الكليات كان يساعدنا، ليس أصدقاؤه فقط، بل كان يلقى دروسًا ومحاضرات للطلبة الأكبر منه سنًا فى الجامعة، وكان معروفًا أن وقت درس أسامة الأزهرى يمتلئ المسجد بأعداد مضاعفة، يجلس كل طالب ملاصقًا للآخر كى يسع المسجد للجميع».

وأضاف: «نتذكر أن الأزهرى كتب (أرجوزة) فى الحديث وهو طالب جامعى، وهناك موقف تحاكت به الجامعة، كان بطله الدكتور أحمد محرم، أستاذ الحديث، فى المرحلة الأولى من التعليم الجامعى بكلية أصول الدين جامعة أسيوط، عندما وجه الدكتور أحمد- رحمه الله- سؤالًا للطلبة حول إعراب بيت شعر، وقال إن من يجيب الإجابة الصحيحة سيحصل على جنيه، فلم يُجبه أحد، فطلب أسامة أن يُجيب فأصاب الجواب، فصفق المدرج بأكلمه له، فقال له الدكتور محرم: (ستكون أستاذًا فى الجامعة رغم أنف الحاقدين)».

وواصل: «سبق جميع من فى سنه بعلمه وفضله، وكان وما زال من نوابغ أهل العلم، ذهنه حاضر، لماح للمعانى، متحدث وخطيب مفوه، وصوفى معتدل، صاحب فكر مستنير، ومثله فخر للأزهر، منذ صغر سنه يتعرض للأذى بسبب نبوغه المبكر، ولا يتحدث عن ذلك أبدًا فى أى من المجالس، فهو لا يلتفت ويبغى مرضاة الله عز وجل فى أى عمل يقيمه الله فيه».

وكشف عن هوايات الشيخ أسامة الأزهرى، قائلًا إن نهم القراءة لم يفارقه منذ طفولته وحتى الآن، وكان يهوى فى صغره صيد الأسماك، ثم فى المرحلة الجامعية كان يحب ركوب الدراجة، وكان يستخدمها كوسيلة انتقال، كما أن من هواياته السفر والتعرف على الحضارات والثقافات.

وتحدث المستشار بهاء أبومحمد عن تأثره بـ«الأزهرى»، الذى وصفه بأنه «حامل المسك»، مضيفًا: «عندما كنت ابن السادسة عشرة من عمرى، وبينما أقلب فى التلفاز، وقع ناظرى على رجل يتحدث بفصاحة الخطباء وقوة الأدباء، وجدت فيه حكمة الشيوخ وهمة الشباب، وجدت الكلام يخرج منه سيالًا رقراقًا كما ينحدر الماء من السقاء، حتى بحثت عنه فوجدته آنذاك الشيخ أسامة الأزهرى، ومنذ ذلك الحين أحببته وأصبحت مولعًا بالاستماع له والتعلم منه».

وأضاف «أبومحمد»: «هو يمتلك هيبة الملوك وتواضع العباد الزهاد، وهو مجدد بلا مراء، مع حفاظه على الثوابت والمناهج الأصيلة، فهو أخذ من حيث أخذ السابقون، لكنه تفرد وجدد وجمع بين أصالة الأخذ وحداثة الطرح».

وفى شهادته حول الدكتور أسامة الأزهرى، قال أحد خريجى برنامج الدعاة بالأكاديمية الوطنية للتدريب، إنه تلقى العلم على يد «الأزهرى»، فوجده فريد دهره ووحيد عصره، إذا تكلم أسمع وإذا سرد أوعى وأبلغ.

وأضاف: «إذا تكلم بين تلاميذه وطلاب العلم يصمت وسط كلامه قليلًا، ويُطْرِق رأسَه وينظر نظرة تأمل وتفكر ثم يستأنف حديثه، كنت أراه فأحسبه يُلهم الكلام إلهامًا، كان إذا تكلم فى فنٍّ حسبته لا يتقن غيره، لما له من الغوص فى أعماقه وتفاصيله وتقسيماته، وإذا حكى مسألة من مسائل العلم وفنونه بدأ بأصلها ثم ثنى بأقوال العلم فيها ومن خالف فيها ومن تعقبها ومن استدرك على الأول ومن انتصر لكلا الرأيين، فهو عالم موسوعى لا شك فى ذلك، متبحر من مجددى هذا الزمان».

وواصل: «إذا أحببت أن أسأل عن الفقه ومذاهبه فأسمع منه، وإذا رُمت علم التوحيد والكلام ينبئ بمباحثه ورجاله، وإذا أردت أن أطالع علوم التفسير والحديث والأصول والمنطق واللغة فأنظر إليه فكأن علوم الإسلام تجسدت حية فى هذا الرجل، فهو يعطيك مفاتيح العلوم والعلماء سهلة ميسورة، حتى قرأت لهم قراءة بصيرٍ واعٍ».

وأكمل حديثه عن «الأزهرى»: «إذا تحدث عن عالم من العلماء أو وطنى من الوطنيين أو مثقف من المثقفين حسبته كان ملازمًا له، وإن كان من يتحدث عنه من أعلام القرون الأولى، ويتمتع بذاكرة جيدة متى استدعى المعلومة وجدها حاضرة، زلق اللسان لا يتلعثم ولا يتردد، يسرد الكلام كأنه يقرأ من كتاب، زكى الفؤاد بهى الطلعة، شديد الوقار وقوى المهابة، أزهرى بحق ووسطى بعلم يفند آراء المتطرفين وينسفها نسفًا، حتى ينكشف لك باطل وعوار ووهن ما كانوا عليه».

وأشار إلى أنه كتب عدة كتب ومصنفات جيدة، من أهمها موسوعته الموسومة بـ«جمهرة أعلام الأزهر فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين»، مختتمًا بوصفه بأنه «عالم موسوعى تراثى معاصر، ووطنى شديد الانتماء إلى وطنه».

تاريخ الخبر: 2023-03-25 21:21:36
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية