الواقعية الثورية


نضال عبدالوهاب

يهتم بعض أصدقاءنا من الذين هُم في ضفة الإتفاق الإطارئ والعملية السياسية بتمرير خطاب أن الواقع المُعقد في السُودان يحتاج خطاب “منطقي” للحل وهو ما يتمثل في تقديراتهم في ذات العملية السياسية التي شارفوا علي بلوغ نهاياتها بأُسلوب(أخنق فطس)… يري هؤلاء الأصدقاء أننا نحن الـ(حالمِون) لرغبتنا ودعوتنا وعملنا لإستمرار الثورة ، في أننا نسير بالسُودان في إتجاه لطريق مسدود نسبةً لكبر حجم التحديات لواقع ملئ بالتعقيد … لذلك فالإنتقال والوصول للديمُقراطية ومافيها وبينها من عدالة إنتقالية و إصلاح أمني وعسكري و تعديلات تشريعية ودستورية ستأخذ وقتاً وكمثال أورده صديقنا (مهدي رابح) من ضفة العملية السياسية في حزب “المؤتمر السُوداني” أن التجربة الكينية أخذت عقوداً وسنوات في التفاوض والإنتخابات للوصول للحالة المُستقرة… نموذج كينيا هو نموذج مصنوع نعم … وقد تمت فيه عمليات تزوير للإنتخابات والتي يُصاحبها العنف الجسدي والجنسي الفظيع ، ولا يزال هذا العنف المرتبط بالإنتخابات ونتائجها مُستمراً إلي الآن منذ ١٩٩٢ ، هذا غير الواقع الإقتصادي المأزوم والفساد المُستشري جداً في نظام يُصنف ديمُقراطياً…

إن التركيز علي خيار العملية السياسية بإعتباره الوسيلة الآمنة للإنتقال الديمُقراطي علي عيوبه ، يتقاضي عن حقائق مهمة وأساسية وهي أنه وبحسب الواقع الحالي في السُودان فإن تزوير الإنتخابات والوصول للديمُقراطية الهشة والضعيفة هي الإحتمال المؤكد… وذلك لأسباب معلومة وهي عدم إحداث أي إصلاحات حقيقية في ظل وجود العسكر الديكتاتورين أنفسهم وفي ظل وجود الإسلاميين وعناصر النظام السابق وفي ظل عدم وجود إستقلالية إقتصادية للشعب والناخبين مع تفشي الجهل وقلة التعليم ، كل هذه مسار لإتجاه مُحدد ولذلك ظللنا نري الثقة الكبيرة التي يتحدث بها العسكر وأنصار النظام السابق للذهاب للإنتخابات… ومع كل هذا فالثورة المُضادة ومصالحها تدعم خيار الإنتخابات والديمُقراطية الهشة… هذه هي بإختصار ماستكون عليه مآلات نتائج العملية السياسية الحالية ، وحتي المتفآئلون منهم من أن هذه العملية ستؤتي أؤكلها بالتدرج للإنتقال الديمُقراطي مع الأستمرار في الإصلاح ، فهذا أيضاً غير صحيح لأن الديمُقراطية الهشة والضعيفة تفتح باب الديكتاتورية من جديد ولعل عدم أستمرار الديمُقراطية في السُودان نفسه وقطع الطريق أمامها بالإنقلابات هو إحدي نتائج عدم إكتمال الثورات السابقة وقطع الطريق أمامها بالتعجيل بإنتخابات دونما إصلاح عميق وحقيقي أثناء مراحل الإنتقال نفسها، ولعل الجميع هنا يتفق علي مقدار الخراب الذي أحدثه نظام الإسلاميين والمؤتمر الوطني في حكمهم الأطول في السُودان…

فتكرار ذات الخطأ بقطع الطريق علي الإنتقال الديمُقراطي أو مفاوضة نظام إنقلابي للإتيان بالديمُقراطية محض تكذيب للواقع والتجارب المُماثلة في كُل العالم… وحتي مسألة الإعتماد علي قوي ودول أجنبية في الحل ليس صحيحاً ( كوسطاء) لهم نفوذ لجهة مُراعاتها فقط لمصالحها وعدم حرصها الأكيد علي خلق ديمُقراطيات قوية ومُستقلة قد لا تتفق ومصالحها…

الواقعية الثورية هي إستكمال مراحل الثورة والإنتقال وإعطاءه الوقت الكافئ للإصلاح… فمن يحدثوننا عن تخيل ديمُقراطية مُتدرجة تأتي عن طريق مايتم الآن من عملية سياسية في السُودان ويقولون أن نتائجها يُمكن أن تثمر لعقود وسنوات ، فلما إذاً التعجل؟؟ و القبول بقطع الثورة بحسبان أنها لا قيّد زمني لها وقد تطول لأعوام!…

وحتي العملية السياسية الحالية لايمكن أن تتجه لمؤتمر دستوري حقيقي يحتاجه بشدة الإنتقال لعدم الحرص عليه ولا هو من أؤلوياتها ، وكذلك الإصلاح الأمني والعسكري فهذا تُرك تنفيذه لذات القوي الإنقلابية المختلفة فيما بينها والمُنقسمة حوله ولاتُريده ، و أيضاً الإصلاح التشريعي والعدلي ، فلا طريق واضح له ومجلس تشريعي يُمثل الثورة وله من الصلاحيات والوقت للإصلاح المعقول… إذاً الحديث عن أن “الحل” في العملية السياسية يرّد عليه واقعها نفسه وآلية تنفيذها…

عمِل السُودانيون وإنتظروا سنوات طويلة لكي يصلوا للواقع الثوري الحالي ، لذلك فالتفريط فيه جريمة عظيمة ، وكذلك فإن الإستمرار فيه وجعله الوسيلة الأساسية للتغيير والأنتقال الديمُقراطي هي الأسلم ولأنها ثورة سلمية تُحقق نتائجها بمزيد من الضغط الشعبي وشل النظام الإنقلابي وإجباره علي القبول في نقل السُلطة و الدخول في إصلاحات حقيقية خلال فترة الإنتقال ذاتها ، أما مسألة التخُوف والتخويِف من الحرب الأهلية وفقدان الدولة ، فهذا يفتح باب السؤال لمصلحة من سيكون هذا السيناريو مقبولاً ، والإجابة لا أحد عدا أنصار النظام السابق ، ولا حتي دول الثورة المُضادة والإقليم والعالم يُناسبها أو ستدعمه وتقبل به…. إذاً الواقعية الثورية هي رؤية تُناسب ظروف بلادنا التي أرهقتها الأنظمة العسكرية والحروب والنزاعات و تدخلات الثورة المُضادة… وهي تُناسب سُودان المُستقبل بإعتبار أن المُعدلات العُمرية يطغي عليها وبنسبة كبيرة العنصر الشبابي ومن هم في بدايات العشرين من العُمر… وهذه هي ذات الفئية التي تُصرّ علي إستمرار الثورة…

ختاماً فإن الواقعية الثورية ليست ترفاً ولا شعارات وليست ( للحالمين) بل هي التي لايُمكن وطبقاً لظروف وتعقيدات الوضع في السُودان جعل الحل يتجاوزها ويتخطاها لحلول ( فقيرة) ومُتعجلة ومحكوماً عليها بالفشل الأكيد…

التحدي الحقيقي أمام كُل راغب في التغيير في بلادناً هو جعل زخم الثورة قائماً الإستمرار فيها والعض عليها بالنواجز…

تاريخ الخبر: 2023-03-26 12:24:46
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:34
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 82%

لقجع يعلن انطلاق مشاريع مونديال 2030

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:27
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 72%

هيئة للصيادلة تحذر من الانقطاع المسترسل لبعض الأدوية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

جائزة أفضل لاعب إفريقي في "الليغ1".. حكيمي ضمن القائمة النهائية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

بعد 20 عاما خلف القضبان.. منير الرماش يغادر السجن

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

زوج ابتسام بطمة يتعرض لموجة من السخرية بسبب “ترند”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:38
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 80%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية