«بريكست» وسباق جون راين على لقاح كوفيد | صحيفة الاقتصادية


عندما وجدت السيدة جون راين، الرئيسة التنفيذية لوكالة الأدوية في المملكة المتحدة، نفسها في قلب استجابة بريطانيا لفيروس كوفيد - 19 قبل ثلاثة أعوام، كانت الوتيرة والضغط المستمران يحملان نوعا قاتما من ألفة الموقف.
تقول "إنها استحضرت حياتها عندما كانت طبيبة مبتدئة قبل أكثر من 40 عاما، ما تطلب منها الاعتماد على احتياطيات مشابهة من النشاط والمرونة".
في إحدى المرات، كانت هي الطبيبة المسؤولة عندما تم إحضار مجموعة من 30 شخصا إلى المستشفى، وجميعهم تسمموا بأول أكسيد الكربون على متن قارب. "إذا كانت لديك 30 حالة دخول في الوقت نفسه، فهذا يشبه ما كان يحدث في كوفيد. لذا فإنك تتعامل مع الموقف، بالقدر نفسه من الضغط. أعتقد أنه إذا كنت قد تدربت في المجال الطبي، فإن هذه، إن شئت، طريقة عمل قسم الطوارئ. أنت تدخل في هذا الجو".
كان في قصة قيادتها للوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية أمران شديدا الأهمية، أولا، رسم مسار جديد للوكالة بعد أن أجبرها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" على إيقاف التعاون مع وكالة الأدوية الأوروبية، ثم تحديد الوتيرة الدولية في الموافقة على لقاحات وعلاجات كوفيد المنقذة للحياة.
كانت راين قد تولت منصب الرئيس التنفيذي المؤقت في أيلول (سبتمبر) 2019 -أصبح منصبها دائما في أوائل 2021- وكان "التحدي في ذلك الوقت هو فتح الفرص أمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
شعرت بأن لدى المنظمة فرصة لتسريع طريقة تطوير العقاقير وتقديمها للمرضى عبر التركيز على أصول المملكة المتحدة، بما في ذلك القاعدة العلمية القوية، وكنز بيانات "العالم الحقيقي" التي يوفرها نظام الصحة العامة "من المهد إلى اللحد".
في الشهر الماضي، أتى هذا الطموح بثماره في إعلان حكومي بأن الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية ستدير عملية موافقة مبسطة على الأدوية والأجهزة المتطورة على أمل جذب شركات الأدوية العالمية لتطوير أدويتها في المملكة المتحدة.
لكن قبل ثلاثة أعوام، كان لا بد من تأجيل جزء كبير من هذا العمل لأن الجائحة العالمية فرضت تحولا جذريا في الأولويات. تقول "في كانون الأول (ديسمبر) 2019 أو كانون الثاني (يناير) 2020، كنا نستيقظ على تحد مختلف تماما".
منذ وقت مبكر جدا من الجائحة، أدركت إمكانات دورها كمنظمة في وقت كانت فيه شركات تصنيع اللقاحات والأدوية تتسابق لتطوير منتجات توفر الاحتمال الوحيد، مهما كان بعيدا، لطريق العودة إلى الحياة الطبيعية. وأدركت أنها يمكن أن تكون "جزءا فاعلا للغاية من الحل".
عقدت راين أول اجتماع لها مع شركات تصنيع الأدوية في أوائل آذار (مارس) 2020، في الوقت الذي كان فيه معظم العالم لا يزال غافلا عن الخسائر الهائلة التي قد تتسبب فيها الجائحة.
لقد اتخذت القرار المحوري بأن تراجع الوكالة البيانات الصادرة عن الشركات في الوقت الفعلي، عند ظهورها، بدلا من انتظار اكتمال مراحل التجارب، كما يحدث عادة مع الأدوية الجديدة.
بينما كان العلماء يجاهدون لتحطيم جميع الأرقام القياسية السابقة لمدى السرعة التي يمكن بها جلب العلاجات المنقذة للحياة إلى السوق، تمكنت راين وزملاؤها من فحص المرافق وعرض البيانات وتحليلها قبل التجارب السريرية "لذلك كنا نعمل إلى جانب الشركات في كل خطوة". كما شددت على أن هذا العمل تم بنسبة من "المخاطرة"، دون التأكد من أن أيا من اللقاحات أو العلاجات ستثبت فاعليتها.
كانت الحاجة إلى طمأنة البريطانيين بأن العلاجات المرتقبة ستكون آمنة أمرا بالغ الأهمية منذ البداية. كانت المحادثات المبكرة مع شركات تصنيع الأدوية هي "حول جميع العناصر التي تحتاج إليها جهة التنظيم لطمأنة العامة والمهنيين الصحيين بأنه قد تم استيفاء المعايير"، كما تشير.
استغرقت كل من وكالة الأدوية الأوروبية وهيئة الغذاء والدواء الأمريكية وقتا أطول بكثير لإعطاء موافقاتهما الأولى. هل شعرت بأنه كان من المبرر المضي قدما مع وجود بيانات أقل، نظرا إلى البيئة المجهدة وسريعة التحرك؟
صححت كلامي قائلة "ليست بيانات أقل، بل بيانات كافية. وأعتقد أن مجموعات البيانات، ولا سيما المتعلقة باللقاحات، كانت قوية وتم تحليلها جيدا وتبين الفاعلية الرائعة حقا وسجلات الأمان التي كنا نعلم أنها ستكون مناسبة للتطعيم الشامل".
تعززت ثقتها بمعرفة أن الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية قد شرعت في حملة "التوعية القوية"، مع تشجيع العامة البريطانيين على تقديم تقاريرهم الخاصة حول اللقاح، بما في ذلك أي آثار جانبية. لقد أعطى هذا، وغيره من أشكال جمع البيانات وتحليلها، الوكالة "القدرة على فهم المخاطر والمنافع في العالم الواسع"، حسبما تقول.
في ذلك الوقت، كانت هناك إشارات في أوروبا والولايات المتحدة إلى أن المملكة المتحدة قد تسرعت في الأمر. فهل ساورها الشك في نهجها؟
تصر راين على أنها لم تواجه أي "شك في نفسها" أو "لحظات تراجع فيها نفسها"، موضحة أن القرارات التي تتخذها الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية لا تتعلق بالأحكام المطلقة المتعلقة بالسلامة بقدر ما تتعلق بالتحليلات الدقيقة للمخاطر والفوائد. "كان فهم بيئة المخاطر التي كنا فيها واضحا للغاية حقا. لذلك، فإن فهم أحكام المخاطر التي كنا نصدرها في هذا السياق، والبيانات التي كانت لدينا، وجميع الخبرات المقترنة بخطط التحرز الآمنة للغاية، يعني أنه يمكننا اتخاذ هذه القرارات في أقرب وقت ممكن".
كيف تصورت التحدي الإنساني والتنظيمي لقيادة الوكالة خلال هذا الوقت الصعب تاريخيا؟ تتذكر أولا وقبل كل شيء "تحديد الأولويات بشكل مستمر".
كانت تعمل وزملاؤها في بيئة متوترة للغاية، حيث كان وزراء الحكومة يعتمدون بشدة على اللقاحات لتمهيد الطريق لإنهاء عمليات الإغلاق: هل شعرت يوما بالضغط السياسي؟
تقول بحزم "لم يكن هناك سوى الاحترام المطلق للاستقلال التنظيمي. وكنت سأصرخ بصوت عال وبشدة لو كان هناك ما هو غير ذلك. القاعدة غير المكتوبة هي أن الجهة التنظيمية ستقدم المشورة للحكومة دون خوف أو محاباة، ولم يكن هناك في أي وقت أي ضغط على الأحكام أو وقت اتخاذ القرارات".
التعامل مع أزمة بهذا الحجم جلب، حتما، رؤى جديدة حول أساليب عملها. كان أحد الدروس الدائمة التي تعلمتها هو أهمية "عدم تبديد النشاط على الأشياء المثيرة للاهتمام، لكن ربما غير المستعجلة أو المهمة".
نما ملفها الشخصي بشكل كبير خلال الأزمة، عبر ظهورها مرات عديدة في مؤتمرات صحافية تلفازية. كما تلمح إلى أنها لم تكن تسعى أبدا إلى جذب انتباه الجمهور، لكنها فعلت ذلك طواعية من أجل التأكد من أن البريطانيين يفهمون العمل الذي ينطوي عليه ضمان سلامة اللقاحات.
أشارت النمذجة الأولية إلى أن نحو نصف البريطانيين فقط سيقبلون اللقاح، لذلك تحول تركيزها إلى كيفية إقناع نسبة أكبر بتلقي اللقاح.
قالت "إنه كان من الضروري معالجة الأسئلة التي يطرحها العامة، مثل، (هل تم اختبارها على أشخاص مثلي)؟".
في النهاية، كانت المملكة المتحدة من البلدان الأعلى مستوى في تلقي اللقاح في العالم، وهو إنجاز تنسبه جزئيا إلى المستوى العالي من انفتاح الوكالة حول عملياتها، ونشر بيانات وفيرة عبر الإنترنت حول سلامة اللقاحات وفاعليتها. "بأمانة، لم تكن هناك أسرار. كان كل شيء ينشر ليدركه الناس"، كما تقول.
تشدد راين على الطبيعة الجماعية للجهد، حيث تنسب الفضل إلى مئات الآلاف من الأشخاص الذين قدموا تقارير عن الآثار الجانبية للقاحات.
من الواضح أنها في مكانها المناسب بصفتها منظمة وأنها مصممة -جزئيا من أجل إقناع العلماء الموهوبين بالنظر إلى التنظيم كجزء من مسار حياتهم المهنية- على مواجهة التصورات المسبقة بأن الدور ينطوي ببساطة على التفاعل مع التطورات العلمية الجديدة بدلا من لعب دور نشط في تعظيم إمكاناتها.
"عندما نرى شيئا ما قادما، مثل الثورة الرقمية ومثل الذكاء الاصطناعي، بالنسبة إلينا كمنظمين لا نرى أن العلم يقود التنظيم، بل إنه يمكننا قيادة العلوم والتكنولوجيا".
يتطلب كل تطور جديد، مثل الظهور المرتقب للقاحات السرطان، من الجهات التنظيمية اكتساب المعرفة والبصيرة للوصول إلى الاستنتاجات "المتناسبة مع المخاطر". من بين موظفيها، وكثير منهم من العلماء والأطباء، تقول "كل شخص هنا مبتكر في حد ذاته".
تصف راين أسلوبها الإداري بأنه "متوازن وعادل ومراع ويعتمد على الاستماع، لكن مع توقعات عالية"، مضيفة بحزم "وتم تحقيق تلك التوقعات".
لقد كانت هذه سمات مطلوبة جدا خلال ذروة الجائحة. مع ذلك، بالنظر إلى الوقت الذي قضته في محنة الاستجابة لكوفيد، فإنها تعتقد أن حياتها العملية تغيرت إلى الأفضل من بعض النواحي لأنها اضطرت إلى التخلي عن أي شيء خارج نطاق المهمة الرئيسة لمحاربة الجائحة. "لقد مكنتني من التركيز بشكل دائم على هدف مطلق واحد".
كما تفتخر بالإرث الخالد للفترة التي لم تعشها فحسب، بل ساعدت على تشكيلها. "لقد أنقذ الوصول إلى هذه اللقاحات نحو 20 مليون شخص حول العالم، وإذا لعبنا دورا في ذلك، فهذا جوهر الحياة. إن ذلك الهدف الفريد هو ما جعل الدور القيادي لا يقدر بثمن".

3 أسئلة لجون راين .. من قدوتك في القيادة؟
فيونا كالديكوت، طبيبة نفسية أسست مجموعة من المبادئ لحماية خصوصية المرضى في الخدمة الصحية الوطنية، التي توفيت مع الأسف. كانت قادرة على تغيير الأشياء إلى الأفضل من خلال دورها المهني، وقيادتها الأكاديمية، وفي الوصول العام إلى البيانات وحمايتها، إنها شخص كان لديه عدد من الفرص واستغلها تمام الاستغلال. أنا وصية إرث كالديكوت، فأنا مسؤولة كبيرة في منظمة صحية، مكلفة بضمان حماية معلومات الرعاية الصحية واستخدامها بشكل صحيح. هناك آلاف من الأوصياء على إرث كالديكوت، لذلك تتم العناية ببياناتك أينما كانت.
ما الذي كنت ستفعلينه لو لم تكوني رئيسة الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية؟
ألن يكون من الجميل أن تكون قائد فرقة موسيقية؟ ألن يكون من الجميل أن نقول "أين الأبواق، هيا؟" إنها تحكم مطلق ويظهر أفضل ما لدى فريق ضخم".
ما أول درس لك في القيادة؟
كان لدي رئيس عندما كنت جزءا من مجلس إدارة تنفيذي، وكنت أدافع عن قضية معينة. أخذني جانبا، وقال "استمعي لزملائك، وسيخبرونك بالإجابات"، يا لها من نصيحة عميقة. لهذا السبب أحاول دائما، بوعي شديد، في كل فرصة الاستماع، لأنك إذا لم تفعل ذلك فسيعرف الناس ذلك.

تاريخ الخبر: 2023-04-06 06:23:10
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 40%
الأهمية: 46%

آخر الأخبار حول العالم

انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:25:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

بين فيتنام وغزة – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:22:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:00
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية