كانت مجرد أرض صحراوية بمنطقة المقطم تحاصرها الرمال من الجهات الأربع، لكنها تحولت إلى ربوة جميلة، تحمل معالم جنة صغيرة اسمها «حى الأسمرات»، جنة يتزايد توهّجها خلال شهر رمضان بفضل الأجواء التى يعيشها السكان ولم تكن متاحة فى مناطق إقامتهم السابقة.

«الأسمرات» مشروع بدأ عام 2014 حينما قررت الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن يكون القضاء السريع على العشوائيات على رأس اهتماماتها، ومن هنا جاء أول مشروع سكنى حقيقى لسكان العشوائيات «حى الأسمرات»، على غرار «الكومباوندات»، ويقسّم على 3 مراحل، كانت البداية لانطلاق عدة مشروعات سكنية أخرى فى مناطق ومحافظات مختلفة.

جاءت المرحلة الأولى لحى الأسمرات على مساحة 65 فداناً وتشمل 6258 وحدة سكنية، فضلاً عن إنشاء مدرسة تعليم أساسى و240 محلاً تجارياً، بينما المرحلة الثانية، تقع على مساحة 61 فداناً وتشمل 4722 وحدة سكنية، وتضم مدرسة للتعليم الأساسى و110 محلات تجارية، بتكلفة مليار و600 مليون جنيه.

تضمنت المرحلتان «وحدات علاجية، ملاعب رياضية، نقطة للشرطة وأخرى للإسعاف، مكتباً للبريد»، فضلاً عن أسواق حضارية لتوفير احتياجات المواطنين بشكل كامل، كل هذا وأكثر تم تخصيصه لقاطنى العشوائيات الخطرة من مناطق الدويقة وعزبة خير الله وإسطبل عنتر.

وبعد نجاح المرحلتين الأولى والثانية، تم تنفيذ المرحلة الثالثة من مشروع حى الأسمرات المتمثلة فى إنشاء 7298 وحدة سكنية بإجمالى 124 عمارة، بتكلفة 1.75 مليار جنيه، لتوفير مسكن آمن لـ31000 نسمة، إذ يتكوّن كل عقار من 60 وحدة سكنية ومصعدين، و4 خزانات مياه علوية، بمساحة إجمالية للمشروع 65 فداناً.

أسواق حضارية ومحلات تجارية لتوفير السلع ووحدات صحية تقدم خدماتها 24 ساعة وملاعب مفتوحة أمام الشباب

وضمت المرحلة الثالثة الكثير من الخدمات التى كانت بعيدة تماماً عن سكان العشوائيات، بداية من المدينة الشبابية الرياضية «نادى اجتماعى ورياضى»، و4 ملاعب متعددة الاستخدام وملعب كرة قدم، و3 حمامات سباحة، ومسجد وكنيسة، ومجمع للمدارس «تعليم أساسى، ثانوى صناعى»، ومبنى التضامن الاجتماعى «بنك ناصر، مركز رعاية المسنين، وحدة اجتماعية، رعاية الطفولة والأمومة، قاعات متعددة الاستخدام».

وتضم المرحلة الثالثة من الأسمرات 5 حضانات للأطفال و4 وحدات صحية، ومجمعاً للمخابز، ومنافذ لبيع السلع، مستهدفة تسكين 7298 أسرة من مناطق العشوائيات «السحيلة، إسطبل عنتر، المدابغ، بطن البقرة، كوم غراب، الشهبة، وادى فرعون، بيت الرزاز، منشأة ناصر، الحطابة، عرب اليسار» وغيرها من المناطق العشوائية.

كان هناك تحد آخر أمام هذا المشروع القومى العملاق، إذ رأى البعض من المتشائمين أن مشروع الأسمرات لن يبقى كما هو عليه، وسيتحول مع الوقت إلى عشوائيات جديدة، ولكن هذا ما لم يحدث مطلقاً، وهنا كان الدور المشترك من الأهالى الذين حافظوا على مكانهم الجديد، مع الإشراف الرقابى من الجهات المعنية من الدولة.

ما يميز الأسمرات عن غيرها فى الأجواء الرمضانية، أن كل ما بها «جديد فى جديد»، وهو ما يراه الأهالى ميزة كبيرة خاصة لأطفالهم، أن ينشأوا فى بيئة أفضل لهم، ترتقى بمستواهم التعليمى والفكرى والثقافة، مقارنة بالعيش فى العشوائيات التى كانت مقراً لكل ما هو عكس ذلك تماماً، بحسب ما قاله «الأهالى» لـ«الوطن» فى جولتها داخل الأسمرات.

حنفي: عشت في إسطبل عنتر.. وانتقال أسرتي لهذا المكان نقلة كويسة علشان ولادنا يتربّوا في جو نضيف

العيشة فى الأسمرات خاصة فى الأجواء الرمضانية جعلت الأهالى يستعيدون ذكرياتها فى أماكنها القديمة، ومنهم محمود حنفى، أب لـ3 أبناء أعمارهم من 6 إلى 8 سنوات، إذ يرى أنه الآن يطمئن على أبنائه فى الأسمرات، وسط بيئة ترتقى بهم.

انتقل «حنفى» مع أسرته من منطقة «إسطبل عنتر» إلى حى الأسمرات منذ 7 سنوات، مر عليه خلال هذه المدة 6 مواسم رمضانية، فى كل عام كانت أفضل مما سبق فى وجهة نظره، إذ يخرج فى الصباح للعمل «سائق تمناية»، ويعود آخر النهار قبل الإفطار ليتشارك مع أسرته الافطار والأجواء الرمضانية.

«بنخرج نروح المدينة الشبابية والملاعب والأجواء بتخلى ولادنا أحسن» هكذا وصف الأب عيشته فى الأسمرات، معلقاً: «اتنقلنا نقلة كويسة، مكان نضيف وجو نضيف ولادنا يتربوا فيه»، فضلاً عن تعاون الجهات الأمنية داخل الأسمرات.

أما أسرة محمد السيد، العامل البسيط، فتقضى أجواءً رمضانية خاصة، إذ اعتاد الأب لطفلين، أن يساعد زوجته فى إعداد الإفطار، بعد عودته من العمل، ويقف معها يساعدها: «بجهّز السلطة والحاجات الصغيرة فى الأكل».

بعد تناول الإفطار، تنزل الأسرة للتنزه وأخذ جولة داخل حى الأسمرات، خاصة أنه فى الليل يختلف كثيراً عن النهار: «الجو عندنا بالليل جميل جداً»، وفى بعض الأحيان يذهبون إلى النادى لتسلية الأطفال هناك.

أم حمادة: إحنا عايشين في العالي والقعدة هنا بالدنيا

بينما «أم حمادة» السيدة الخمسينية، بالنسبة لها الأجواء الرمضانية فى الأسمرات، جلسة سمر مع جارتها من نفس سنها أمام مدخل العقار، إذ تنزلان معاً بعد صلاة التراويح، وكل منهما معها كرسى من المنزل، وتجلسان أمام المدخل تتسامران فيما تشاهدانه من حلقات المسلسلات المفضلة، وفى أمورهما الحياتية، وتحضير وجبات الإفطار فى اليوم التالى.

«مبقتش بقدر أمشى كتير بس القعدة دى بالدنيا» هكذا وصفت «أم حمادة» حالها هى وجارتها، معتبرة أن جلستها معها أمام «مدخل العمارة» أفضل من أى متنزه آخر، خاصة أن الهواء منعش ولطيف فى حى الأسمرات، ذلك المكان المرتفع قليلاً عن غيره.

وتستمر هذه الجلسة حتى قبل توقيت السحور، إذ تصعد كل منهما إلى شقتها، لتجهيز طاولتها استعداداً لصيام اليوم التالى، وفى كثير من الأحيان تتشاركان الأطباق التى تحمل ما لذ وطاب، إذا كان أى منهما لديها شىء مميز وتحبه الأخرى «شوية فول مدمس عمايل بيتى أو شوية مخلل معمولين خصوصى»، كحال غالبية الأمهات المصرية وحكايتهن مع الطبق الدوار بين شقق العمارة.

أما الشباب فأجواؤهم الرمضانية مختلفة عن الكبار، فبعد الفطار يجتمع «وليد» مع أصدقائه من الأعمار العشرينية، ويحضر كل منهم «البمب والصواريخ» التى هى عادة عند كثير من الشباب فى هذه الفئة العمرية، وفى أحيان أخرى يجتمعون على لعبة جماعية «كوتشينة أو دومينو أو طاولة»، وفى أحيان أخرى «تمشية كورة» أسفل المنزل، وعند تجميع الفرقتين ينتقل هذا التحد إلى أرضية ملاعب الأسمرات، لتكون المباراة وأرضية الملعب هى الفاصلة بينهما.

اللافت فى أجواء رمضان داخل حى الأسمرات، أنها لم تغفل أحداً سواء كان كبيراً أو صغيراً أو حتى طفلاً، الجميع يجد ما يقوم به من أنشطة وترفيه، هذه الميزة تحدّث عنها الأهالى باستفاضة، إذ كانوا محرومين منها فى أماكنهم القديمة، خاصة أن العشوائيات لا تعرف غير العشوائية.