هل يواجه الدولار الأميركي تهديدا حقيقيا كعملة احتياط عالمية!


لسنوات طويلة جرى الحديث عن انتهاء هيمنة الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية، وتسارع هذا الحديث أكثر منذ العام 2014، مع فرض عقوبات غربية بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، ما دفع روسيا لبدء التخلي عن الدولار في معاملاتها التجارية مع دول كبرى بينها الصين.

صحيح أن التقارير عن تلاشي الدولار كعملة احتياط موجودة منذ 50 عامًا على الأقل، لكنها لم تحدث بعد، كما يقول ديفيد موريسون، كبير محللي السوق في تريد نيشن. ولكن الواقع تغير.

مادة اعلانية

أميركا الآن ليست كما كانت في السابق. على مستوى الداخل فإن سقف الديون يواصل انفجاره، والقطاع المصرفي يواجه أزمة هي الأعنف منذ الأزمة المالية العالمية، وأفلست 3 بنوك في غضون أسبوعين فقط. الاقتصاد أيضا في مواجهة أعلى معدلات تضخم منذ 40 عاما، والفيدرالي الأميركي يقوم بتشديد السياسة النقدية منذ العام الماضي ورفع أسعار الفائدة إلى نحو 5%، والدولار عند أعلى مستوى في 20 عامًا، وهذا عامل يضغط على الأسواق الناشئة ويدفع بنوكها المركزية للبحث عن بدائل للتخلص من الدولار المرتفع.

رغم المشاكل التي يواجهها الاقتصاد، إلا أن الدولار لايزال هو العملة المهيمنة على أسواق الديون، و90%، من تجارة الفوركس تشمل العملة الأميركية، كما تمتلك البنوك المركزية نحو 60%، من احتياطياتها من العملات الأجنبية بالدولار الأميركي. كما يتم إصدار فواتير نحو نصف التجارة الدولية والقروض وسندات الدين العالمية بالدولار.

هذا كله ليس شيكا على بياض من العالم لأميركا، إذ يتغير الوضع سريعا. روسيا والصين تشكلان تحالفا لمواجهة هيمنة الدولار على التجارة العالمية، وقد تعهد بوتين أثناء استقباله رئيس الصين في موسكو باستخدام اليوان الصيني في التسويات مع دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وأعلنت البرازيل والصين الأسبوع الماضي أنهما اتفقتا على استخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري فيما بينهما، بدلًا من استخدام الدولار. وسمح البنك المركزي الهندي قبل أيام للبنوك المركزية في 18 دولة بتسوية المدفوعات بالروبية.

هذا التوجه يشمل دولا حليفة لأميركا. قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يجب على أوروبا تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي خارج الحدود الإقليمية. وذكر ماكرون أنه يجب أن تقاوم أوروبا الضغوط التي تسعى لتحويلها إلى تابعة لأميركا.

الخبراء أيضا يرون أن الوقع يتغير. جيم أونيل الاقتصادي السابق في بنك غولدمان ساكس يقول إن "الدولار يلعب دورا مهيمنا بقدر أكبر مما ينبغي في القطاع المالي العالمي". أيضا كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي روبن بروكس، يقول إن "العديد من المستثمرين لا يزالون يعتبرونه (الدولار) الخيار الأقل قبحًا في عالم قبيح للغاية".

كل هذه الأجواء تضعنا أمام عدة حقائق وسيناريوهات، أن أميركا الآن سياسيا واقتصاديا ليست هي أميركا ما بعد الحرب العالمية أو حتى تلك التي كانت في تسعينينات القرن الماضي، وأيضا القوى العالمية بما في ذلك الصين وروسيا والدول المتحالفة معهما.

بعد حرب أوكرانيا تمت معاقبة روسيا وجمدت الحكومات الغربية 300 مليار دولار من احتياطياتها في 2022، وطردت البنوك الروسية من نظام "سويفت" وهذا سرع مساعي قوى مثل روسيا والصين إلى البحث عن بدائل بعد "تسليح" الدولار.

يقول جيسون هولاندز، المدير الإداري لمنصة الاستثمار Bestinvest، إن ما يسمى بـ "تسليح الدولار" قد هز العديد من البلدان، وليس روسيا فقط. الدول الراغبة في مواصلة التجارة مع روسيا، مثل الهند والصين، بدأت في استخدام الروبية واليوان بدلاً من ذلك، مما أثار الحديث عن إلغاء دولرة النظام التجاري الدولي".

رغم هذه التحركات فالدولار لن يختفي من الوجود كعملة احتياط عالمية بين عشية وضحاها، ولكن مساعي وقف سيطرته عالميا تسير بخطى حثيثة، والتهديد حقيقي مع توقعات تفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين على الولايات المتحدة في عام 2030.

سيعتمد التسارع بانتقال العالم من الدولار كعملة احتياط عالمية على التطورات الجيوسياسية وتغيرات الاتجاهات الاقتصادية عالميا، وقدرة أميركا على التخلص من المشاكل الداخلية وخفض مستوى الديون، إضافة إلى تحركاتها سياسيا على الصعيد العالمي ومدى الرضا الدولي عن سياساتها. وبينما من المرجح أن يظل الدولار عملة احتياطي عالمية مهيمنة على المدى القريب، إلا أن هناك تحديات حقيقية لوضعه على المدى الطويل لا يمكن تجاهلها.

تاريخ الخبر: 2023-04-10 12:19:09
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 99%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية