كيف يمكن أن تتجاوز الأغلبية تداعيات أزمة الأسعار؟


لقد تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن أزمة الأسعار كانت حكاية ظرفية عابرة، تم توظيفها بشكل سياسي محكم ضد الحكومة الحالية، وربما نجح الذين فعلوا ذلك في عكس تداعياتها على الأغلبية الحالية وعلى تماسكها وانسجامها. هذا النجاح في التشويش على الأغلبية وزرع بعض بذور الشك وسطها، كانت له أسباب ذاتية بالأساس، دفعت بعض القياديين مع بداية هذا الأزمة إلى التسرع في محاولة الانعزال عن الآخرين والتميّز عنهم ومحاولة تبرئة النفس كما هي العادة اعتقادا منهم أن السفينة تغرق. والحال أن الأمر لا يعدو أن يكون سوء تقدير للمشهد السياسي ومستقبله، الذي يبدو أنه بعيد عن كل عمليات الرجم بالغيب التي تحدثت عن التعديل الحكومي.

لقد تأخرت الأغلبية الحكومية بعض الشيء في عقد اجتماعها الأخير، الذي شددت خلاله من جديد على تماسكها واستعدادها للاستمرار في الوفاء بالتزاماتها وإنجاز أوراشها المعلنة في التصريح الحكومي. ولعلّ السبب في هذا التأخير هو ظاهرة تسم الحكومة الحالية بشكل أكثر من سابقاتها. يمكن تسمية هذه الظاهرة بالخجل السياسي. فبسبب كثرة الأوراش والالتزامات والمشاريع تشعر هذه الحكومة في لا وعيها السياسي أنها عاجزة أو غير مؤهلة لأنها جاءت في ظرفية أزمة بكل الأبعاد والمقاييس. جاءت بعد أزمة جائحة كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة التضخم وارتفاع أسعار المحروقات العالمي.

ومن فرط إحاطة خطاب الأزمة بظرفية نشأة هذه الحكومة وتنصيبها، غدا هذا الخطاب اللاواعي الخجِل من اتخاذ المواقف السياسية الواضحة والجريئة يكبّل مسؤوليها وأعضاءها، ويدفعهم إلى التواري أحيانا أو التهرب أحيانا أخرى، من رفع شعاراتها الأساسية ورهاناتها الكبرى. نعم إنها حكومة اجتماعية وحكومة ليبرالية في الوقت نفسه، وليس في ذلك أي تناقض أو مفارقة، وما يلزم هو صياغة الخطاب التواصلي الملائم والفعال لإبلاغ هذه الرسالة للعموم وللطبقة السياسية ولوسائل الإعلام. ومن مكونات هذا الخطاب السياسي الصريح الذي يجب أن ترفعه هذه الحكومة هو عدم تحميلها مسؤولية الظرفية الاقتصادية الدولية التي انعكست على الاقتصاد الوطني وعلى القدرة الشرائية للمغاربة. ليس هناك ما يُخجل في أن توجه الحكومة الحالية رسائل واضحة بهذا الخصوص للجميع.

لكن على باقي مكونات الأغلبية الأخرى التي انضمت إلى حزب التجمع الوطني للأحرار في هذه التجربة، أن تخرج أيضا من دائرة الحذر المبالغ فيه من دفع ضريبة المشاركة السياسية. حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، شاركا في هذه الأغلبية منذ تشكيلها وهما مسؤولان عن الكثير من القطاعات الحكومية، ولا ينبغي لا أخلاقيا ولا سياسيا أن يظلا هكذا في الظل بعيدا عن أي مساهمة في بلورة الخطاب السياسي للحكومة وتصديره للواجهة، فقط لأنهما أو لأن أحدهما يخاف على مستقبله الانتخابي. التاريخ لا يرحم، وحكومة عزيز أخنوش بما لها وما عليها كانت بمشاركة هذين الحزبين، وكل الوقائع والمسؤوليات ستظل موثقة في ذلك.

واليوم بعد أن تراجعت أسعار الكثير من المواد التي أثارت الجدل، وبدأت الأسواق تنزع نحو الاستقرار، من سيتحمل مسؤولية كل ما جرى من تضليل واستهداف ومناورات واضحة؟ لقد كان من المفروض أن يلتئم اجتماع مكونات الأغلبية في أوج هذه الأزمة أو حتى في بدايتها من أجل الحفاظ على خط الانسجام والتناغم الحكومي، لأن الأهم ليس هو مواجهة الإكراهات الظرفية التي ستزول عاجلا أم عاجلا، وإنما هو الانخراط فيما هو آت من مشاريع وبرامج سيتطلب تنزيلها وتنفيذها أيضا الكثير من الالتزام والجرأة والشجاعة السياسية من الأطراف جميعها. ولعلّ الخيط الناظم الذي يجب أن يوحد نهج هذه المكونات الرئيسية للأغلبية هو البدء أولا بتوحيد الخطاب السياسي وعناصره الكبرى، من أجل الدفاع عنه بشكل صريح ومباشر دون مواربة أو شعبوية أو تردد.

تاريخ الخبر: 2023-04-14 18:26:51
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية