محمد الباز يكتب: إمام التفكير.. أوقات عصيبة.. إهدار دم نصر أبوزيد بحكم المحكمة

نحن الآن فى المحكمة، فريق محمد صميدة عبدالصمد فى مواجهة فريق نصر حامد أبوزيد والمحامين الذين قرروا أن يدفعوا عنه تغوّل المكفرين عليه. 

لن أزعجكم كثيرًا بالتواريخ، فهى بلا قيمة إلا بالأحداث التى ترتبط بها، وقد يكون من المهم هنا أن ندوّن تتابع الأحداث التى شهدتها القضية التى لا يعرف كثيرون أسرارها، ولا إلى ما انتهت إليه. 

عندما كنت أجهز لهذه الزيارات الجديدة إلى نصر حامد أبوزيد، فوجئت بأن هناك مَن لا يعرف أن التفريق بينه وبين زوجته تم بحكم محكمة، فقد كانوا يعتقدون أنها فتوى أو رأى قال به أحد خصومه، وكم كان مفزعًا أن يعرفوا أن الأمر كان بحكم قضائى نهائى وبات!، بل إن محكمة النقض، وهى أعلى سلطة قضائية بالبلاد، أيدت الحكم، لتغلق الباب بذلك أمام أى محاولات للخروج من حصار هذا الحكم. 

فى ١٦ ديسمبر ١٩٩٣ كانت جلسة المرافعة الأخيرة فى قضية نصر أبوزيد، بعد عدة جلسات عبثت بأعصاب الجميع. 

فى هذا اليوم نظر القاضى ثلاث وأربعين قضية، وكانت قضية نصر هى الأخيرة، واستمر النظر فيها أضعاف الوقت المستغرق فى القضايا الأخرى، لأنها كانت القضية الوحيدة فى الأحوال الشخصية التى يرفعها رجل ضد آخر، فالمعتاد فى قضايا الأحوال الشخصية أن ترفعها امرأة ضد رجل أو العكس. 

فى هذه الجلسة قدّم صميدة مذكرة بدفوعه، وطالب بأن يقدم الأزهر المستندات التى لديه، لأن شيخ الأزهر منوط به المحافظة على الدعوة الإسلامية. 

وقدّم المحامى رشاد سلام، الحاضر عن أبوزيد، مذكرة دفاع، ودفع ببطلان حضور المدعين للجلسات لانتهاء دورهم برفع الدعوى، فهم ليسوا خصومًا، لأن النيابة العامة هى الخصم فى دعوى الحسبة، وعلى ذلك يكون طلبهم بإدخال الأزهر طرفًا باطلًا، لأنهم لا يملكون هذا الحق، وطالب برد كل طلباتهم، لأنهم لا صفة لهم فى الدعوى، وطالب بردها، وشاركه بقية هيئة الدفاع فى ذلك. 

وقدّمت المحامية أميرة بهى الدين، الحاضرة عن ابتهال يونس، مذكرة تطالب برد الدعوى، وكذلك الأستاذة تهانى الجبالى والأستاذ أحمد سيف الإسلام حمد، وقدّم الدفاع خطاب مجلس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة إلى رئيس الجامعة برفضه قرار اللجنة وتقرير القسم وتقرير مجلس كلية الآداب، وحُجزت القضية للنطق بالحكم. 

فى ٢٧ يناير ١٩٩٤ عُقدت المحكمة برئاسة القاضى محمد عوض الله وعضوية القاضيين محمد جنيدى ومحمود صالح ووكيل النائب العام وائل عبدالله وسكرتير الجلسة.

استند الحكم فى رفض الدعوى إلى حكم محكمة النقض الصادر سنة ١٩٦٦، والذى جعل من لائحة المحاكم الشرعية وأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة ما لم يرد قواعد خاصة واجبة التطبيق نص عليها قانون المحاكم الشرعية، دون تفرقة بين قواعد موضوعية أو إجرائية، فإن هذا المنطوق للحكم يتصادم مع أحكام قانون ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥ بإلغاء المحاكم الشرعية، وكذلك يغاير قانون المرافعات لسنة ١٩٦٨، وكذلك بعد صدور دستور سنة ١٩٧١ فإن تطبيق قاعدة أرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة، فهذا إعمال لأحد المذاهب قضائيًا دون أن يصدر بها قانون، ونص المادة الثانية من الدستور بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع هو خطاب للمشرع، وليس للقاضى أن يعمله مباشرة دون صدور تشريع، وبصدور قانون الإجراءات لسنة ١٩٦٨، الذى نص فى مادته الثالثة على «ألا يقبل أى طلب أو دفع لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة يقرها القانون، والمصلحة التى يقرها القانون فى هذا الصدد هى مصلحة حماية حق من أبدى الطلب أو الدفع أو حماية مركزه القانونى الموضوعى، ويجب أن تكون هذه المصلحة مباشرة». 

ورأى القاضى أن هذه الدعوى رفعت بحسبانها دعوى حسبة، لم يدع رافعوها أى مصلحة مباشرة وقائمة يقرها القانون، ولم تكن أحكام لائحة المحاكم الشرعية أو أى قانون آخر قد أوردت أحكامًا تنظم شروط قبولها، وقانون المرافعات لم ينظم أوضاع هذه الدعوى فى أحكامه. 

لكل ما تقدم حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالتفريق بين نصر أبوزيد، وإلزام رافعيها بالمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. 

فى ١٠ فبراير ١٩٩٤ قدّم محمد صميدة عبدالصمد استئنافًا على الحكم، فقد قرر ألا يستسلم. 

فى ٢٦ يوليو ١٩٩٤ عقدت محكمة استئناف القاهرة أولى جلساتها للنظر فى طعن صميدة عبدالصمد ضد حكم المحكمة الابتدائية. 

فى الجلسة الأولى قدّم خليل عبدالكريم، محامى نصر أبوزيد، مذكرة دفاع تمسك فيها بكل الدفوع التى طرحها فى محكمة أول درجة، ورد على أسباب الخصوم، فقال: إن حكم محكمة النقض فى ٣٠ مارس سنة ١٩٦٦، الذى يستندون إليه، أصبح بعد صدور دستور سنة إحدى وسبعين غير مواكب للبيئة التشريعية الجديدة، وإن ما ورد فى قوانين الأحوال الشخصية من أحكام هو الواجب التطبيق حتى لو كان يخالف أرجح الأقوال فى مذهب أبى حنيفة. 

دفع خليل عبدالكريم كذلك بأن الخصوم يخلطون بين مفهوم الولاية فى دعوى الحسبة، فهى غير مفهوم المصلحة بالمعنى الحديث، كما أن حكم محكمة النقض أشار إلى النيابة فى مسألة إثبات النسب للمولود، ولم يذكر وجود نيابة مفترضة فى الحسبة، ثم إنه لا يوجد محتسب أو ديوان مظالم كما ورد فى الاستشهادات التى كانت حول رفض العلاقة من البداية، وهو ليس فى حالة زواج، كما بين د. نصر ود. ابتهال. 

فتحت المحكمة الباب لتقديم مذكرات. 

قدّمت نيابة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية مذكرة فى ١٩ يناير ١٩٩٥. 

وقدّم الأستاذ سيف الإسلام عبدالفتاح حمد مذكرة دفاع ركزت على الجوانب الإجرائية. 

وقدّمت النيابة فى ١٢ فبراير مذكرة ثانية قالت فيها: إنه لا يمكن القول بارتداد المستأنف ضده الأول بحيث يجب التفريق بينه وبين زوجته، وأما بالنسبة لتعريض المستأنف ضده بالدين الإسلامى ومقدساته فى كتاباته، فإنه يجوز مساءلته قضائيًا.

عقدت المحكمة جلسة فى ١٨ مايو رد فيها الأستاذ خليل عبدالكريم على مذكرة النيابة الأولى، وعقدت المحكمة جلسة فى ٢٩ مايو تعذر فيها المداولة، فأجلت المحكمة إلى يوم الأربعاء ١٤ من يونيو للنطق بالحكم. 

المشهد فى الجلسة الأخيرة كان مهيبًا، سأترك لكم نصر يصفه: دخل رئيس المحكمة المستشار فاروق عبدالعليم مرسى، العائد منذ مدة قصيرة من السعودية، بلحيته الكثة، يرتدى زيًا يشبه أزياء أهل باكستان، وعضوية السيدين نورالدين يوسف ومحمد عزت الشاذلى وبحضور السيد رئيس النيابة محسن عبدالرحمن وأمين السر أحمد عبدالحميد عبدالجواد، وحضر الجلسة الأستاذ محمد صميدة عبدالصمد، والأستاذ أيمن البدرى، عن المحامية أميرة بهى الدين عن د. ابتهال يونس. 

قبلت المحكمة الاستئناف، وقيد الحكم بالتفريق بين نصر وابتهال. 

استندت المحكمة إلى أن حكم المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى هو حكم فى مسألة موضوعية تتعلق بأصل الحق فى الدعوى، مما يجعل محكمة الدرجة الأولى قد استنفدت ولايتها بالفصل فى النزاع، ومن ثم تتصدى محكمة الاستئناف للفصل فى الموضوع. 

وقالت فى الحيثيات: إن المحكمة الابتدائية تختص بدعاوى الفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها، ومن ثم فإن دعوى التفريق بين الزوجين بسبب ردة أحدهما تختص بها المحكمة، ويكون البحث فى حصول الردة من عدمه مسألة أولية تختص بها المحكمة، والمحكمة تفرق بين الاعتقاد الذى يكون داخل الإنسان وبين الردة التى لها كيانها الخارجى، ولا بد أن تظهر هذه الأفعال بما لا لبس فيه، النيابة العامة فى مذكرتها للمحكمة كان عليها أن تقول إن كتابات المستأنف ضده لا تشكل فى نظرها ردة، أو تقول إنها تشكل ردة موضحة أسباب الرأى الذى تقول به أو تطلب طرق إثبات، غير أنها لم تفعل. 

حكمت المحكمة حضوريًا بقبول الاستئناف شكلًا وبإلغاء الحكم المستأنف ضده، ورفض الدفوع المبدأة من المستأنف ضدهما بعدم الاختصاص الولائى، وبعدم انعقاد الخصومة، وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة، وباختصاص المحكمة ولائيًا بقبول الدعوى، وفى الموضوع بالتفريق بين المستأنف ضده الأول والمستأنف ضدها الثانية، وإلزامهما بالمصاريف عن الدرجتين وعشرين جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة. 

أين كان نصر أبوزيد فى هذا اليوم؟ 

كان يواصل عمله فى الجامعة، يتابع أعمال الامتحانات، وبمجرد أن عاد إلى بيته وجد الصحفى الكبير عادل حمودة يتصل به تليفونيًا، ويسأله: ماذا ستفعل؟ 

يقول نصر: لم أكن أعرف ماذا يقصد، وكأنه شعر بذلك منى، وفى نبرة صوت بها بعض الاندهاش سألنى إن كنت لم أعرف أن المحكمة قد حكمت اليوم بالتفريق بينى وبين ابتهال، شعرت أنا وابتهال بنوع من الغضب، أنهيت المكالمة معه واتصلت بالأستاذ خليل عبدالكريم، المحامى، لأعرف منه ما حدث، فأكد لى الخبر، وقال بنبرة بها أسى: أرجو ألا تعتبرنا قصرنا. 

عاتبه نصر بشدة، فهو يعرف مدى تعبه وجهده فى البحث والتنقيب فى المراجع وفى كتب التراث، ما يساوى مجهود رسالة دكتوراه. 

يضيف نصر: لم نتوقع هذه المفاجأة، ولا أعرف كيف ينفذ حكم كهذا؟ هل أترك الشقة أم تتركها ابتهال؟ وهل ينفذ بانتزاعنا من بعضنا بعضًا بالقوة؟ حاولنا التغلب على شعور الغضب وهول المفاجأة. 

اجتمع الأصدقاء من كل حدب وصوب لمساندة نصر، وكانت المفاجأة فى موقف الدولة الرسمى. 

وزير التعليم د. حسين كامل بهاء الدين تواصل معه، وقال له: هذه ليست قضيتك وحدك، هى قضيتنا جميعًا، ولن نقف مكتوفى الأيدى، وسوف نتولى إجراءات النقض، ونحن لا ندافع عنك، إنما ندافع عن المجتمع. 

واتصل الدكتور أسامة الباز من الخارج يعرب عن مساندته، ويؤكد لنصر أنه لن يكون وحده.

بعد الحكم الأول كانت الدولة قد رفعت الحراسة التى خصصتها لنصر، لكن بعد حكم الاستئناف أعادت الحراسة مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت أشد، فقد كانت تتحرك معه فى كل مكان. 

التصرف الغريب كان من عميد كلية الآداب، يقول نصر: اتصلت بعميد الكلية أطلب منه أن يختار أحد الأساتذة ليصحح أوراق الامتحان، للوضع الذى أنا فيه، لكنه أصر على أن أقوم بتصحيحها، حتى لا يتصور الطلبة أن الكلية جزء مما يحدث. 

لم يتحمل نصر البقاء فى مصر، سافر مع ابتهال إلى مدريد، وفى المكتبة القومية هناك جلس ليكتب ردًا فكريًا على حيثيات حكم الاستئناف، تاركًا الرد القانونى للقانونيين. 

كان من بين ما قاله نصر فى رده: وضع القاضى تعريفًا للردة بأنها «الرجوع عن دين الإسلام، والمرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر، وركنها التصريح بالكفر، إما بلفظ يقتضيه أو بفعل يتضمنه بعد الإيمان»، والمقصود بالكفر «يلزم أن يكون ما صدر عن المدعى بردته مجمعًا على أن يخرجه من الملة عند كل علماء المسلمين وأئمتهم مع اختلاف مذاهبهم الفقهية». 

يضيف نصر: للأسف لم يلتزم القاضى بالتعريف الذى استقاه، فبالعودة إلى المصادر التى أشار إليها الحكم يمكن أن نكتشف أن حدود الأفعال والأقوال التى تدخل فى حيز الردة تنحصر فى المرتد فعلًا: مَن أتى بفعل السجود لصنم أو إلقاء المصحف فى قاذورة، أما المرتد قولًا فهو مَن جرت على لسانه كلمة الكفر بما هو داخل فى حيز الإيمان، وهو كل ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال، فالقاضى يقرأ النصوص قراءة حرفية، ويعزلها عن سياقاتها فى الماضى، فالفقيه القديم حينما قال بمقولة المعلوم من الدين بالضرورة يخرج من منظومة فكرية متكاملة، بها الفقه وعلم الكلام والفلسفة، فالعلم الضرورى يقصد به الذى ليس فى حاجة فى علمه إلى نظر أو استدلال، بلغة عصرنا البديهيات. 

ويؤكد نصر: محتوى الإيمان الذى يعد الارتداد أو الخروج عنه كفرًا هو: ما يعلمه المسلم علمًا ضروريًا، أى دون حاجة إلى نظر أو استدلال أو تفكير فيه، وليس فى كل ما أورده القاضى من أقوال قول واحد ينكر علمًا ضروريًا، أى بديهيًا فى الدين، فليس ثمة قول ينكر أن الله واحد، وأن محمدًا، صلى الله عليه وسلم، نبيه ورسوله، أو ينكر الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج، أو يحرّم حلالًا أو يحل حرامًا، وإنما كل ما ورد هو من قبيل الاجتهادات النظرية الاستدلالية، بل إن الحكم انحرف انحرافًا واضحًا عن التعريفات المستقاة من كتب الفقه، وذلك حين عاد ليدمج فيها تصوراته الشخصية لتمهد له السبيل لإصدار حكم الردة. 

تناول نصر فى رده موقف الحكم من كتاباته، مسألة مسألة، وعرض وجهات نظر الشيخ الإمام محمد عبده فيها، وبيّن عجز القاضى بسبب منهجه الحرفى فى فهمه للنصوص عن فهم المعانى التى كتبها، ومن ثم انتزاع الاجتهادات من سياق الأدلة فى مسائل الميراث وملك اليمين والجزية وعالمية الإسلام، وقدم الحكم قراءة مبتسرة للنصوص تنتزعها من سياقها قصدًا ليُحملها معانى لا تحتملها. 

بعد صدور حكم محكمة الاستئناف بالتفريق بين نصر أبوزيد وزوجته بدعوى ارتداده، تقدّم فريق من المحامين عنهما بطعنين، ٤٧٨ و٤٨١. 

ويوم ٨ أغسطس ١٩٥٥ قدمت النيابة العامة طعنًا على الحكم إلى محكمة النقض رقم ٤٧٥ لسنة ٦٥ قضائية، طالبت فيه بقبول الطعن شكلًا، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وتم إعلان المطعون ضدهم المحامى محمد صميدة عبدالصمد وآخرين، الذين صدر حكم الاستئناف لصالحهم، فقدّموا دفاعًا يوم ١١ سبتمبر وطلبوا فيه برفض الطعن، ورأت غرفة المشورة بمحكمة النقض أن الطعون جديرة بالنظر، فحددت لنظرها جلسة ٢٢ من أبريل ١٩٩٦، أمام الدائرة المدنية والتجارية والأحوال الشخصية برئاسة المستشار محمد مصباح شرابية وعضوية فتحى محمود يوسف وسعيد غريان وحسين السيد متولى وعبدالحميد الحلفاوى. 

أرسل المحامى العام الأول لنيابة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية المستشار محمود عبدالعال عبدالرسول خطابًا إلى فضيلة المفتى محمد سيد طنطاوى فى ٥ مارس ١٩٩٦، يطلب الإفادة عن الرأى الشرعى فى مذكرتين. 

فى اليوم التالى مباشرة جاء رد المفتى الذى قال فيه: 

«حيث إنه لم يحدث أثناء نظر الدعوى أو الاستئناف أن الدكتور نصر أبوزيد الذى حُكم بالتفريق بينه وبين زوجته، نوقش فى مؤلفاته أو معتقداته شخصيًا فى التهم الموجهة إليه، فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يجب قبل الحكم بالتفريق بين إنسان مسلم وزوجته أن يناقش هذا الإنسان مناقشة دينية دقيقة ومتصلة فى معتقداته ومؤلفاته وجميع ما صدر عنه أو اتهم به، لاحتمال رجوعه عما صدر عنه أو اُتهم به، أو لاحتمال أن ما قاله يقبل التأويل الصحيح ولو من بعض الوجوه، ونظرًا لخطورة الحكم بالتفريق بين مسلم وزوجته، نرى أنه لا يكفى صدور الحكم لمجرد قراءة ما كتبه، بل لا بد من إنذاره أكثر من مرة بوجوب حضوره أمام الهيئات القضائية المختصة لمناقشته فيما اُتهم به مناقشة علمية متأنية ومفصلة يشترك فيها جميع الأطراف الذين تهمهم أمثال هذه القضايا الخطيرة التى هى قضايا حياة أو موت». 

عُقدت جلسة المحكمة فى ٢٢ أبريل ١٩٩٦، ودافع عن نصر أبوزيد وابتهال يونس المحامون منى ذوالفقار وزوجها على الشلقانى وأحمد الخواجة وعبدالعزيز محمد وعبدالمنعم الشرقاوى، وقررت المحكمة حجز القضية للحكم فى ٢٤ من يونيو ١٩٩٦. 

ما بين التاريخين سعت الحكومة إلى تغيير فى قانون الإجراءات، بالقانون ٨١ لسنة ١٩٩٦ وأقر فى ٢٢ من مايو ١٩٩٦ ويقضى بإلزام جميع المحاكم ومحكمة النقض أن تحيل من تلقاء نفسها ودون رسوم ما يكون لديها من مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة، والتى لم يصدر فيها أى حكم، إلى النيابة العامة المختصة وفقًا لأحكام القانون، وذلك بالحالة التى تكون عليها الدعوى، وتقضى من تلقاء نفسها واحترامًا للنظام العام، بعدم قبول أى دعوى لا يكون لصاحبها مصلحة شخصية مباشرة فيها، وقائمة يقرها القانون ما دام لم يصدر فيها حكم بات. 

نظم القانون مسألة الحسبة، بحيث تكون عن طريق النيابة العامة فقط. 

تقدّم دفاع نصر بطلب إلى المحكمة، فى الثانى والعشرين من مايو، بفتح باب المرافعة بعد صدور القانون، لكن المحكمة مدت الأجل للحكم إلى ٥ أغسطس ١٩٩٦، ورفضت إعادة فتح الباب لمرافعة الدفاع. 

يوم الإثنين ٥ أغسطس ١٩٩٦ أصدرت المحكمة حكمها بتأييد حكم التفريق وبرفض الطعون فيه، مستندة إلى أنه لا توجد فى القانون المصرى قاعدة قانونية خاصة تمنع أو تقيد إقامة دعوى الحسبة فى وقت رفع الدعوى، وحتى القانون الجديد أدخل نظام إجراءات دعوى الحسبة مما يعد إقرارًا من المشرع بوجودها، وإن كان القانون الجديد يتطلب أن يكون رافع الدعوى ذا مصلحة، فإنه وقت رفع الدعوى كان صاحب مصلحة فى القانون القديم، فقد رفعت الدعوى وصدر حكم نهائى فيها قبل صدور القانون، فأحكام هذا القانون الجديد لا تنطبق على الدعوى، وكانت قد حجزت قبل القانون المذكور، ولذا فإنه لا مبرر للاستجابة له. 

أكملت المحكمة حيثيات حكمها بقولها: الطعن بالنقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض، وما يعرض عليها ليست الخصومة التى كانت أمام محكمة الموضوع، بل ينصب الطعن على محاكمة الحكم الذى صدر، ولمحكمة الموضوع السلطة التامة فى فهم الواقع وتقدير الأدلة، ومنها المستندات المقدمة فيها، والموازنة بينها، وترجيح ما تطمئن إليه منها وتراه متفقًا مع واقع الحال فى الدعوى، وحكم الاستئناف بالتفريق قدّم مما ورد بأبحاثه التى لم ينكر صدورها عنه، أن ما عناه بالنصوص على النحو الذى ذكره نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن آراءه التى ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضًا منها هى من الكفر الصريح الذى يُخرجه من الملة، بما يُعد معه مرتدًا عن الدين الإسلامى، ويُوجب التفرقة بينه وبين زوجه، ما دام قد ألم بآرائه التى انطوت عليها مؤلفاته عن بصر وبصيرة، ولا على الحكم إذا لم يأخذ بتقرير مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة، وتقرير مجلس قسم اللغة العربية بها، إذ لم يتعرضا لما حوته مؤلفاته من آراء تعد مساسًا لأصول العقيدة الإسلامية، إن النص لا يعدو أن يكون جدلًا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع فى الدعوى وتقدير الأدلة، وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة، «إن حد الردة لم يكن معروضًا على محكمة الموضوع، واقتصر الحكم على التفريق بينهما باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة، ومن ثم فإن ما أثير فى هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم، ومن ثم فإنه يكون غير مقبول». 

رفضت المحكمة الطعون الثلاثة وألزمت الطاعنين بالمصروفات وثلاثين جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة، وهكذا ظل معلقًا فى رقبة نصر حكم طارده خلال سنوات تغريبته التى كانت خروجًا بلا عودة.. حتى عندما زار مصر مرات قليلة وقرر أن يستقر فيها بعد بلوغه الخامسة والستين، كانت الروح قد فارقت الجسد تمامًا. 

غدًا.. التغريبة الإجبارية.. تذكرة خروج بلا عودة لنصر أبوزيد

تاريخ الخبر: 2023-04-18 21:21:09
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

إيقاعات الجاز تصدح بطنجة بحضور مشاهير العازفين من العالم

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:24:52
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 52%

«نزاهة»: إيقاف 166 فاسداً في 7 وزارات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:23:39
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

الصين: وصول رواد فضاء المركبة الفضائية “شنتشو-17” لبكين

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:24:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية