المرأة والصحافة
المرأة والصحافة
فايز فرح
منيرة ثابت قادت ثورة علي التقاليد ودعت إلي المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات السياسية
لعبت المرأة دورا كبيرا وخطيرا في رحاب صاحبة الجلالة الصحافة في العالم كله بعامة, وفي مصر بخاصة. رأينا أقلاما للمرأة تبحث عن الحقيقة, وتتعمق في حياتنا الاجتماعية لتجد حلا لكل مشاكلها, وتبث حب الوطن وعشق مصر في نفوس الشباب.
استطاعت المرأة المصرية أن تجد لها مكانا مرموقا علي أرض صاحبة الجلالة الصحافة, وأن تصبح عضوا في نقابة الصحفيين الغراء بل عضوا في مجلس الإدارة وأن تدافع عن كل الصحفيين وعن كل الشعب بفكرها الراجح, وثقافتها الوفيرة ورأيها العاقل.
في تاريخنا المعاصر برزت أسماء صحفيات استطعن الخوض في معارك الصحافة وتحقيق انتصارات كبيرة للشعب ورجل الشارع والمجتمع الشامل.
وهل ننسي السيدة نبوية موسي, أول من حصلت علي شهادة البكالوريا سنة 1907 من الفتيات وكفاحها من أجل المرأة, بل احتملت السجن من أجل رسالتها في تحرير المرأة واستقلال الوطن, فشاركت في ثورة 1919 وأنشأت مجلة ترقية الفتاة, وألفت كتاب المرأة والعمل, وأسست مدارس بنات الأشراف.
وهل ننسي عميدة الصحفيات السيدة منيرة ثابت التي حصلت علي شهادة الثانوية العامة, ولم تكتف بها وكانت أبواب التعليم العالي موصدة أمام المرأة ففكرت كيف تستطيع التعلم؟ فالتحقت بمدرسة الحقوق الفرنسية في القاهرة, وكانت هذه المدرسة تتيح للملتحقين بها فرصة الدراسة في فرنسا لاستكمال الدراسة, وفعلا سافرت إلي باريس وكانت أول فتاة مصرية تحصل علي درجة ليسانس الحقوق من هذه المدرسة وأول محامية تترافع أمام المحاكم المختلفة وأول فتاة مصرية تصدر جريدة يومية باللغة الفرنسية أطلقت عليها اسم الاسبوار أي الأمل, صدر أول عدد منها في 7 نوفمبر 1925.
الطريف أن كاتبنا الكبير فكري باشا أباظة كتب مقالا تحت عنوان الثائرة منيرة ثابت يقول فيه: تحقق حلم الآنسة الثائرة منيرة ثابت وصدرت جريدة الأمل. صدقوني لقد اعتراني نوع من الحقد يوم صدور هذه الجريدة, لقد استصدرت بقلها بكثير رخصة جريدة أسبوعية اسمها الزقازيق ولكن لم تظهر جريدتي إلي اليوم وظهرت جريدتها, معني ذلك أن همتها فوق همتي, وأنها من دعاة العزم والإقدام, وأنا من دعاة التردد والإحجام!
كانت منيرة ثابت تكتب مقالاتها تحت عنوان: خواطر ثائرة ومن خلال هذه الخواطر قادت ثورة عارمة علي التقاليد البالية, ودعت إلي المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات السياسية, واهتمت بفتح أبواب التعليم بشتي درجاته للبنات حتي الجامعة وأن يكون مجانا أيضا, واعترضت علي وجود بيت الطاعة وتعدد الزوجات وقالت إن بيت الطاعة هو سجن حقيقي للمرأة وعذاب أبدي.
الأهم من ذلك أيضا دعوتها إلي إنشاء نقابة الصحفيين, فقد رأت في هذه النقابة بيتا يلتقي فيه أهل الصحافة وعلاقة أسرية طيبة تجمع بين أبناء المهنة الواحدة, كانت أول من تدعو لهذا منيرة ثابت وحدها قصة عناد وتحد منذ البداية إلي النهاية, ففي البداية وقفت أمام سعد زغلول تناقشه وتقول له.. جئنا نطلب إليك أن تمنح المرأة المصرية حق الانتخاب, وسمح له بدخول البرلمان, ودخول الوزارة, فقال لها سعد زغلول: إن تقاليدنا لا وتسمح بذلك, فانبرت منيرة قائلة: إن التقاليد منعت أن يصبح الأفندية وزراء, وأنت جعلت اثنين منا الأفندية وزراء, ثم أنك رئيس وزراء ثورة واجبك أن تمنح المرأة حقوقها السياسية.
ظلت منيرة تناضل من أجل انتشار مجلتها وهي تعاني من المرض الذي أقعدها في السنوات السبع الأخيرة من حياتها, وكانت حريصة علي أن تحررها وتقوم بكل الأعمال فيها حتي أغلقت بسبب الديون الطاحنة, وظلت بطلتنا الصحفية النابهة منيرة ثابت تنتقل من مستشفي إلي آخر حتي رحلت عن حياتنا عام 1967.
الأسماء كثيرة والشخصيات عديدة للسيدات الفضليات اللائي خدمن في رحاب صاحبة الجلالة وكن فدائيات من أجل الكلمة الصادقة والبحث عن الحقيقة والعمل لمصلحة الشعب والمجتمع والمرأة.
وهل ننسي كريمة السعيد وأمينة السعيد والدكتورة مي زيادة اللبنانية الفلسطينية ومقالاتها في صحف المحروسة والأهرام والهلال ودفاعها الرائد عن المرأة والمجتمع وصالونها الثقافي الرائد في القاهرة سنة 1915 والسيدة ابتهاج قدورة والفاضلة هدي شعراوي وغيرهن كثيرات, ثم أيقونة الصحافة المعاصرة سناء البيسي.
هذه الجولة مع الصحفيات الفضليات اللائي سعدت بهن صاحبة الجلالة كان سببها الانتخابات الأخيرة لنقابة الصحفيين وعدم نجاح أي سيدة مرشحة مما يدل علي أن التفكير الذكوري يسيطر حتي علي الصحفيين مما يدعو للأسف بل للحزن.
حتي نعتبر الإنسان الرجل والمرأة متساويان ونتعامل معهما بصدق واحترام لإرادة الله في خلقه ونشرك المرأة في كل انتخاباتنا وحياتنا حتي نحقق نجاحا أكيدا في الحياة.