حكايات الحنة وليلة الحنة في التراث الشعبي


ليلة الحنة ليلة محفورة في ذاكرة العروسين باعتبارها السابقة على الزفاف وارتبطت باحتفالات خاصة مستمدة من الأصول المصرية القديمة
ومن هذا المنطلق كانت دراسة الدكتور محمد إبراهيم طارق عبد الفتاح أستاذ التاريخ الإسلامى بآداب بنى سويف عن الحنة في التراث المصري، النبات المصرى القديم الذي استمر في التراث المصري مرتبطًا .بالفرحة التي تسبق ليلة الزفاف

ويشير الدكتور محمد إبراهيم طارق عبد الفتاح أن الحكاية بدأت فى أسطورة إيزيس وأوزوريس عندما عمد ست إله الشر إلي قتل أوزوريس ومزق جسده إلى 14 قطعة ووزعها على أقاليم مصر، فجمعت زوجته إيزيس قطع جسده من كل أنحاء مصر، فكانت كلما جمعت قطعة امتلأت يدها بالدماء، وعندما انتهت من جمع القطع كانت يدها قد صبغت باللون الأحمر، فاعتبر المصريون القدماء أن هذا رمزًا لوفاء الزوجة، فحرصت الفتيات بعد ذلك علي تلوين أيديهن بالحنة قبل الزفاف رمزًا أيضا للوفاء وانتقال العروس إلي حياة جديدة مع زوجها وقد استخدم المصري القديم الحنة أيضا كمسحوق في تحنيط جثث الموتي، وفي صبغ الشعر المشيب وفي علاج الرأس والأقدام.

ويلقي خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم أول من خضّب رأسه بالحنة في مكة المكرمة، كذلك استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الحنة ونصح بها الصحابة والمسلمين للمداوة والزينة حيث ورد عنه ( إن أحسن ماغيرتم به الشيب، الحناء والكتم) رواه الترمذي في صحيحه، كما ورد عنه صلي الله عليه وسلم ( سيد ريحان أهل الجنة الحناء) لذلك ارتبطت الحنة في المخيل الجمعي لدي عامة المسلمين بالقداسة وبالسنة النبوية والتبرك بها، حتي عمد البعض إلي فرشها تحت جسد المتوفي تبركًا بأنه سيكون من أهل الجنة، كذلك تحدث علماء العرب عن فوائد الحنة أمثال ابن سينا وذكر أنها تساعد في شفاء التقرحات والحروق والجراح المفتوحة وآلام المفاصل وآلام الرأس وتساعد في القضاء علي قشرة الرأس وإطالة الشعر.

ويوضح الدكتور ريحان أن الحنة ارتبطت في التراث المصري الشعبي بأهل النوبة وأسوان بأنها زينة العروسة وزينة الأعياد والمناسبات، فكان لها طقوس وعادات لديهم بدءًا من ارتداء( الجرجار) وهو ثوب من التل الأسود الخفيف، يقال أنه صمم قديمًا لمسح أثر أقدام المرأة اثناء سيرها فلا يتبعها أحد، ثم (الخمرة والدلكة) أما الخمرة فهي عبارة عن خشب الصندل والصفرة وهي نوع من أنواع الأسماك والمسك، أمّا الدلكة فهي عبارة عن عدة أنواع من الحبوب حيث تمزج بطريقة معينة مع الماء الساخن وزيت السمسم وزيت الزيتون لتصبح في قوامها كالصلصال لتعطير العروس وقد اعتاد أهل النوبة وأسوان علي عمل ليلة الحنة وهي الليلة التي تسبق ليلة الدخلة بأيام، إذ تقوم (الحنانة) وهي أمرأة كبيرة السن بتحنية العروس بالحنة ورسم أشكال نباتية وهندسية علي الأيدي والأرجل، ويمنع في تلك الليلة حضور العريس خوفًا من الفأل السيئ، ويقام له احتفال من جانب أصحابه فقط, ويوضع في كفه قرص صغير من الحنة على سبيل البركة بهذا الزواج.
انتشر الاحتفال بليلة الحنة بعد ذلك في كل أرجاء مصر مع وضع لمسات خاصة بكل محافظة، ففي السويس كانت تقام ليلة الحنة على أنغام السمسمية، أمّا في الريف والأحياء الشعبية فكانت تحضر صينية بها الحنة المخمرة وترشق الشموع في وسطها مع الورود، ليتم الرقص بها أمام الضيوف الذين يبادرون بوضع النقوط داخل الصينية، ثم تلف الصينية علي المعازيم لمن يريد أن يحني يديه كفأل حسن لمن لم تتزوج بعد.

ويتابع الدكتور ريحان من خلال الدراسة أن الاحتفال بليلة الحنة تطور في العصر الحديث إلي استخدام عدة أنواع من موديلات الملابس ( هندي- فلاحي –إفريقي –اسكندراني – خلخال) يتم ارتدائها وتغيرها مع الرقصات المناسبة لكل زي ( شرقي – اسكندراني – دبكة لبناني – إفريقي – نوبي ) علي أنغام الدي جي، وسط حضور أصدقاء العروسة وأقاربها، كما تم الاستعانة بكتالوجات من الرسوم التي ترسم بها الحنة للعروسة ( ورد – قلب – دائرة – كتابات رومانسية ).حتي أصبحت ليلة الحنة مناسبة مهمة تحرص عليها كل الفتيات وأحيانًا تكون بديل عن ليلة أو فرح ليلة الدخلة التي يمكن للعروسين الإكتفاء فيها بكتب الكتاب والزفة بالسيارات لبيت الزوجية
استخدام الرسم بالحنة يختلف تمامًا عن استخدام الوشم إذ أن الوشم هو عملية غرز إبرة أو مسلة أونحوها في أي مكان بالجسم وخروج الدم من الموضع الذي تم غرز الإبرة فيه، ثم وضع مادة الكحل في موضع خروج الدم حتي يخضر، ويقال لمن يقوم بهذا العمل (واشمة) ولمن يقع عليها فعل الوشم ( المستوشمة) أمّا عن استخدام الحنة في صبغ الشعر وتلوينه فقد استخدم البعض دم الغزال أو نبات الكركدية لإعطاء اللون الأحمر،أمّا اللون البني الفاتح فيكون بإضافة الكركم والبابونج، أمّا اللون الأصفر فبإضافة بودرة الزعفران الصفراء مع الكركم، وتعد الحنة الأسواني أفضل أنواع الحنة استخداما لأنها تعطي اللون البرتقالي، أمّا عن طرق غش الحنة لزيادة وزنها فقد لجأ البعض بإضافة الرمل أو مسحوق الملوخية أو نبات الصفصاف .

وارتبطت الحنة في الغناء المصري بالكثير من الأغاني التي تعبر عن الفرح والسرور ففي الأمثال (إن كان في أيدك حنة أجلطها لأقرب الناس ليك) (جيت أتاجر في الحنة كترت الأحزان ) (علي أيده نقش الحنة) ( بياع الحنة بيفرح بكثرة الأفراح) ( تاجرنا في الأكفان مامات ميت تاجرنا في الحنة كترت الأحزان) (اللي معاه حنة يحني فلس جحشه) ( اللي عندها الحنة تتحني والل عندها القمل تتفلي) ( الوجة حنة والقفا كنة) أمّا في الغناء فقد تعددت الأغاني بدءًا من الأغنية الشهيرة لشادية (ياحنة ياحنة ياقطر الندي .. ياشباك حبيبي ياعيني جلاب الهوي) التي ارتبطت بزفاف ابنة خمارويه قطر الندي والتي أقيم لها فرح أسطوري كلف الخزانة المصرية في العصر الطولوني 2 مليون دينار ذهب، ثم مرورًا ببعض الأغاني التي ارتبطت بالتراث الشعبي(الليلة الحنة وبكرة الدخلة وبعده الصباحية .. مبروك ياعريس مبروك ياعروسة واتهني انت وهي ) ورائعة عبد العزيز محمود ( كعبه محني وكفه محني .. والورد اللي في خده محني … حتي شفايفه بلون الحنة لون الفرح ولون الجنة.. حنة ورد وريحته ماورد وهو معدي .. شمع وقايد في طبق حنة .. ندر عليا إن حن عليا لحني إديا وانقش اسمه بحنة عليها )ورائعة محمد رشدي ( كعب الغزال يامتحني بدم الغزال) كذلك ظهرت بعض الأغاني في الريف ( يا ام العروسة هاتي الحنة هاتي .. ولا انتي ناسية إن الحنة الليلة دي .. يا أم العروسة هاتي الحنة قومي عروستنا قالت دا النهاردة يومي)أمّا في التراث النوبي فكانت الأغنية الشهيرة في أفراحهم( الليلة الحنة وبكرة الدخلة .. زغرطوا يابنات واسقوا الشربات .. يابنات الحنة ). لقد كانت الحنة وستظل رمزًا للفرح والسرور في المجتمع المصري، طالما هناك أعراس وطالما هناك تجمل وتزين، لتعبر عن قيمة تراثية بسيطة يستطيع بها البسطاء التعبير عن فرحهم بعيدًا عن الموضات الغربية والحفلات الصاخبة التي لاتناسب الذوق المصري.

تاريخ الخبر: 2023-04-28 21:22:45
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:15
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية