بإذن الله لن ينجر السودان لحرب أهلية (1)


عبد الرحمن الغالي

وقع المحذور وليس هذا وقت التلاوم، هذا أوان توجيه المصيبة وتحويلها لفرصة وتحويل المحنة لمنحة. وقبل ذلك محاصرة الحرب لتظل في نطاقها السياسي العسكري حتى تنتهي.
وبما أن دفع المفاسد مقدّم على جلب المصالح فلتتجه أنظارنا وقلوبنا نحو دفع المخاطر التي تسعى بعض الأطراف لجر الناس إليها. وللتجه عقولنا للعمل على إبطال تلك المخاطر.
من حسنات الوضع الراهن حتى الآن أن الحرب:
1. بين شريكين عملا سوياً مع نظام الانقاذ وانقلبا عليه سوياً مسايرةً للثورة ثم انقلبا على الثوار في اعتصامهم المجيد وقتلوهم شر قتلة، ثم اتفقا سوياً مع القوى السياسية على الوثيقة الدستورية ثم انقلبا سوياً على الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021 ثم اختلفا مع بعضهما مما أوجد المشهد الحالي. وخلاصة هذه النقطة أن الاصطفاف هنا مع هذا الطرف أو ذاك إذا حدث إنما هو اصطفاف سياسي حسب تقدير كل فرد أو جهة ولكنه ليس بأي حال اصطفاف جهوي أو فكري أو اثني. فكلا الطرفين مسؤول عن الابادات الجماعية التي حصلت في مناطق السودان المختلفة لا سيما في مناطق النزاعات المسلحة. وهنا ينصب حديثي عن قادة هذه القوات مع الاختلاف البين في طبيعة وتركيبة القوات نفسها مهما كان اختلال تكوين الجيش أو استشراء التمكين الحزبي فيه.
2. والحسنة الثانية أن الصوت الغالب إلى الآن هو إدانة هذه الحرب وعدم الوقوف العلني مع اي طرف من أطرافها وهذا يحمد للشعب السوداني المعلم في المقام الأول ثم قواه الشبابية والمدنية والتقليدية والسياسية.
3. صحيح أن هناك مشفقين من انزلاق البلاد لحرب أهلية أو الانقسام على أسس إثنية أو جهوية ولكن هناك من يطرق على هذه النقطة لا سيما من قِبل وسائل اعلام وأطراف خارجية كأنما تريد جر البلاد لهذه الفتنة ولكني أقول:
أولاً: يجب على كل القوى السياسية والمدنية أن توضح بجلاء وتركّز على أن هذه الحرب سياسية بين أطراف مسلحة بغض النظر عن كونها صراع حول السلطة أم حول وضعية القوات العسكرية، ولا علاقة لهذه الحرب بأية ذيول جهوية أو اثنية. فهولاء القادة جميعهم كانوا يد الدولة الباطشة ولن تجد في المناطق التي تعرضت لبطشهم من يتعاطف معها. فالدعم السريع كان مشاركاً وفاعلاً أساسياً في الحرب في تلك المناطق ولذلك لا يمكن أن ينسب لإقليم دارفور بل لقد ذاق سكان الاقليم من بطشه ما ذاقوا.
ثانياً: كلنا يعلم أن مكونات دارفور الاجتماعية المختلفة لم تنساق ( تنْسَق) وراء الحرب التي وقعت في 2003 ونذكر هنا ونشكر موقف الادارات الأهلية – لا سيما العربية- الرافض للدخول في الحرب هناك. هذا يعني بوضوح أن الحرب الدائرة الآن لن تحدث اصطفافاً اثنياً أو عرقياً كما يروج البعض أو كما يحذر البعض وهذه نعمة كبرى. فالحرب في دارفور 2003 لم تكن أهلية ولم تنخرط القبائل ضد بعضها بل كانت حرب حركات مسلحة تقاتل ضد الحكومة المركزية لجأت الانقاذ إلى الاستعانة بمكونات نقيضة لمكونات الحركات المسلحة ولكن القبائل العربية نأت بنفسها عن تلك الفتنة .
ثالثاً: مكونات اقليم دارفور متغلغلة في النسيج الاجتماعي السوداني لأسباب كثيرة منها الأسباب التاريخية حيث مزجت المهدية قبائل السودان ومجموعاته في أمدرمان وفي هجرة القبائل وفي تحركات الجيوش واستقرار بعض مكوناتها في مناطق السودان المختلفة ، فاستوطن أهل دارفور وكردفان والشمال وغيرهم في كل السودان فعلى سبيل المثال استقرت مجموعات كبيرة في النيل الأبيض حتى الجبلين والقيقر وفي النيل الأزرق وشرق السودان في القضارف وما جاورها وخشم القربة وحلفا الجديدة وكسلا وبورتسودان الخ. هذا اضافة لاستمرار الدولة الوطنية السودانية التي جمعت خدمتها المدنية والعسكرية وتنقلاتها في مزج النسيج الاجتماعي السوداني وربطه برباط الزمالة والسكن والتصاهر . فأمر دارفور مختلف أشد الاختلاف عما حدث في جنوب السودان فدارفور هي السودن وهي موجودة في كل السودان.
4. دعوتي للجميع – ومهما كانت المواقف السياسية- أن نبتعد عن المبالغة في اظهار الخوف من الانزلاق للحرب الأهلية ومن اللجوء للاصطفاف الاثني أو الجهوي فهذه الحرب لا علاقة لها بالجهات والاثنيات.
5. ومع ذلك علينا ألّا نستبعد استثمار أصحاب الأجندة الشريرة المتربصة بالسودان لا سيما من الخارج فيجب محاصرتها بالتأكيد على المعاني التي سقناها لتفويت الفرصة على الاطراف التي تسعى لجرنا نحو النموذج الليبي أو اليمني أو السوري لا قدّر الله.
6. أما ما يحدث الآن فهوأمر حذرنا منه ونعلم ذيوله الاقليمية والدولية وتشابكاته . ولو كان في نشر الكلام الآن منفعة لنشرناه ولكن نأمل بعد أن وقعت الواقعة أن نفكر كسودانيين في انجع الطرق لتقليل الخسائر ووضع السودان في الطريق الذي يجعل من الحرب فرصة لبناء سودان جديد متحرر من أعباء وأغلال الماضي وسلبياته السياسية مثل اختلال المشاركة السياسية واختلال التنمية والتشاكس السياسي والانتهازية والذاتية والشلليات والخضوع للأجنبي وغياب الديمقراطية والانقسامات الطائفية وغيرها من الأمراض.ومن أمراض القوات المسلحة : التسييس والاختراق الحزبي وهيمنة التمكين وتعدد الجيوش والانغماس في اليسياسة والتجارة وتعدد الجيوش وانتشار السلاح في أكثر من يد الخ. ومن الأمراض والاجتماعية والمجتمعية وكل ذلك سنفصله في وقته المناسب ان شاء الله .
7. وغني عن القول أن كل هذه المآسي المتسبب الرئيسي فيها انقلاب الجبهة القومية الاسلامية التي أتت بما يسمى بنظام الانقاذ.
8. واجبنا الآن قفل الطريق أمام النموذج الليبي السوري اليمني وفتح طريق الازدهار كما نهضت دول عديدة من رمادها.
نسأل الله أن يطفئ هذه الحرب بالكيفية التي تجعل منها جراحة ناجحة أو مخاضاً عسيراً ينتج واقعاً معافى. قال تعالى ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ولحكمة يعلمها تكررت هذه الآية ست عشرة مرة في القرآن العظيم.
اللهم إنا قد كرهنا الحرب فاجعل فيها – وقد قدّرتها – خيراً كثيرا فإنك تعلم ولا نعلم وتقدر ولا نقدر.
اللهم الطف بالسودان واشف المرضى وارحم الموتى وصبّر كل من فقد، وأمّن روع جميع السودانيين فأنت بهم وأرحم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

تاريخ الخبر: 2023-05-02 03:23:30
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

"لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:22
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

بطائرات مسيرة.. استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في إيلات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

5 نصائح للوقاية من التسمم الغذائي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:47
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

بعد 3 سنوات من الحكم العسكري.. تشاد تجري انتخابات رئاسية الي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:48
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية