استضافنى فى مكتبة بالدور الثاني الذي يعد بكل المقاييس الأكثر جمالا ورونقا بالمبنى العتيق بأحد مداخل حى الوليدية الشعبى شرق أسيوط، رحب بالقول صباح النور والسرور ٠٠مرحبا بكم ٠٠ جلست على أحد المقاعد الخشبية الضخمة للانترية الاسيوطى الذي تتراص مقاعدة واريكاته ملتصقة بجدران الصالة الممتدة طولا فيما تفترش أرضها باتقان قطع فنية بديعة من السجاد والكليم الأسيوطي اليدوي، كما تتزين الجدران بالاعمال الفنية الإبداعية ذات الطراز البسيط تكاد تغمض عيونها وتخلد للسكون لترتاح فى هذا المناخ المعبق برائحة التراث ووقارة، و لتروى وتحكي ابداعات فنان صعيدى وانعكاساتة الفنية على الحارات الضيقة في البيئة الاسيوطية ٠٠
ايقظنى من غفوتى الحالمة فنان الصعيد وبادر بقولة :
انا باعتبر الفن التشكيلى له دور مهم جدا فى حراك التنمية الفكرية والثقافية فى اى مجتمع ودورة يبدو واضحا بالأكثر فى الدول عميقة الجذور ولها تاريخ وتراث ٠٠ فالفن التشكيلى هو الذى سجل تاريخ مصر . لولا المنحوتات والرسومات اللى على جدران المعابد فى مصر القديمة ماكنش حد عرف هذا التاريخ العظيم ٠٠ فالفن التشكيلى هنا ضرورة ودعم الفنان التشكيلى اصبح اكتر إلحاحا ٠٠ لأننا نحتاجه حاليا.
اولا: لو عايزين عملية التنمية الثقافية ومن ناحية تانية علشان يسجل جزء من تاريخنا المعاصر ٠٠واردف: واحنا عندنا فنانين تشكيلين معاصرين٠٠ لكن ارتبطوا بالقاهرة ٠٠ولهم بصمة عالمية .

جلست استمع بشغف فأوضح بالقول : اتولدت فى صيف 1941 لأسرة لديها ايضا ثلاث فتيات وابن أكبر اسمه محمد فريد، كانت والدتى دائمة التغنى بجمال قريتها واهلها البسطاء الطيبين ٠٠ ووصف الآثار التى لاتزل باقية من الزمن القديم بالمساخيط والكفار تقصد وصف الموميات والتماثيل القديمة التى تسكن المغارات الموحشة فى الجبل ٠٠ وعاشت اسرتنا بالطرف الشمالى لمدينه أسيوط بالقرب من شاطيء الترعة الابراهيمية وبيتنا ذو ملامح متميزة وسط مجموعة صغيرة من البيوت ابوابها خشبية عالية ذات منحوتات مجسمة وغاءرة
لعناصر و رموز شعبية كالعروسة والحجاب والسمكة والنخلة ، والحارات
الصعيدية الشعبية لاتزل عامرة بالقيم الإنسانية والاعراف والتقاليد وتراثها الشعبى وبعض المفاهيم، لذلك انا عايش ومستمتع بما
اعملة، الناس هنا عندها كم من الحب والعلاقات الإنسانية الدافئة يمكن يندر وجودها فى دول العالم ٠

ودة كلة سجلته فى لوحاتى.. مثلا الطقوس اللى بتعمل عند ميلاد طفل يعلقوا للأم خيط مشدود به جريدة نخيل بعدد سبع سعفات والعملية دى تسمى ( المشاهرة ) اعتقادا بان ذلك يمنع الحسد ٠٠ واول مايكتمل قرص القمر يخرجوا بالطفل ويوجة وجة الصغير ناحية قرص القمر ٠٠ (ضحكت انا للتو وواصلت الاستماع الى حديث فناننا الشيق ).

استكمل الحديث ٠٠ اذ كانت والدتى تحرص على ممارست تلك الطقوس، حيث كانت تقتلع بعض الأعشاب التى كانت تنمو عشوائيا على شاطيء الترعة الابراهيمية وتمارس به طقسا مصريا قديما اسماة المسيحيون ( اربعاء ايوب ) وهو عيد مصري قديم يسبق عيد شم النسيم وهو
ايضا عيد مصرى قديم واسم الأعشاب نبات الرعرع او الرعريعة كنا نغتسل ( تحك اجسادنا ) بهذا الرعرع اعتقادا من امهاتنا بأن ذلك يجلب الصحة للابدان وان هذا نبات الرعرع الذى اغتسل به النبى ايوب حتى شفى من مرضة وان هذا النبات يشفى من الأمراض الجلدية، ( سبت النور ) الذى يسبق عيد شم النسيم ارتبط برسم عيون الصغار اولاد وبنات الحارة الشعبية بالكحل علشان العيون تنور ٠٠ ولم تكن والدتى تنسى مطلقا ان تكسر واحدة او اثنين من ثمرات البصل لتلقية على باب بيتنا وغرفنا اعتقادا منها ان ذلك كفيل بطرد الارواح الشريرة ٠

افاض الفنان التشكيلى سعد زغلول بحديثة حتى السيدات المتعلمات والمثقفات كذاك بيحاولوا بقدر ما مايتخلوش عن هذا
الموروث عندك مثلا رقم ” سبعة ” يضرب بجذورة العميقة ضمن الموروثات التقليدية انا عملت لوحات عن السبوع والختان وسبوع
المأتم والأفراح وسابع ارض ٠٠ كمان الألعاب الشعبية طفل مثلا يعمل كرتونة ويحملها بالبضايع ويثقبها ويجرها بالحبل ٠٠ طفل يعمل كرة بالشرابات القديمة ويلعب بها ماتش مع اصدقاؤه ويعمل العارضة من الحجاة يأخذ إطارات السيارات القديمة ويلفها ويجري خلفها
يعنى حتى طفل الحارة بيصنع لعبته يبتكر ويعمل لعبته من لاشيء ٠

انهيت دراستى بمعهد المساحة 1960 م وحرصت على استمرار التواصل مع اساتذتى الذين احتضنوا موهبتي بالرعاية منذ المرحلة
الإبتدائية لا انسي فضل الاستاذ بشاي سعد بشاي والذى ضمنى لمجموعة الرسم٠٠ واذكر انة فى نهاية المرحلة الإعدادية وانا فى الرابعة عشر من عمرى اقامت مدرستى معرضا للوحاتى ٠٠ وفى المدرسة الثانوية اوصوا بى الاستاذ فؤاد عشم اذ كان فنانا دارسا خريج مدرسة الفنون الجميلة واحد الرواد لم يقصر الرجل يوما عن الاهتمام بموهبتى، حتى اصبحت تلميذه الخاص ولازمته طويلا حتى اجدت قواعد استخدام الألوان والتشريح والتصميم ٠٠ تعلمت من الفنان فؤاد عشم عفوية اللمسة ونقاء اللون واهمية الضوء ٠
دى تجربتى الذاتية مادخلتش فى بوتقة الاكاديمين، صحيح بقى لى استيل معين لكنى بانطلق ( حرا ) فى كل الاتجاهات تجريدى-
تعبيري- تاثيرى- عملت معازض للوحاتى فى معظم انحاء العالم ٠

فى ربيع 1992 م جاءت لزيارة مدينة أسيوط رغم تحذيرات سفارتها من السفر اليها بسبب الجماعات الإرهابية سيدة بريطانية تحمل صورة التقطتها من احد متاحف لندن لقطعة من
نسيج التلى، جاءت لتبحث عنه فى موطنة الأصلى أسيوط ٠٠ لكنها فشلت فى الحصول على اثر لهذة الصناعة البيئية التى انقرضت منذ
ثلاثينات القرن الماضى ٠٠وللصدفة البحتة التقت السائحة بصديقى الفنان بخيت فراج وكان يعمل مدرسا للفن بكلية التربية واهدانى الصورة التى تركتها له الخواجاية ٠٠ وقد اذهلنى تصميم تلك
القطعة وما تحوية من عناصر فاءقة الجمال ٠٠
وبدأت رحلتى لإحياء تراث التلى بالبحث فى الازقة والحواري حتى وصلت الى الحاجة ( زينب 75 سنة ) فى منزلها المتهالك والتى كانت تعمل مع الست عزيزة الشعرانى زوجة رئيس جامعة أسيوط الدكتور سليمان حزين ٠٠ والتى تركت وضعها بعد انتقال زوجها للقاهرة ٠
بحثت عن العجوز زينب وبجهد كبير وصلت اليها، وقد مدت يدها الى( الخن ) فتحى فى الجدار الرطب تحتفظ فية بعلبة من الصفيح
فتحتها بالجهد لتسترد هذة العجوز ابرتها ٠٠ وبدأت رحلتى بالبحث عن الخامات فى القاهرة وبمنحة من الصندوق الاجتماعى بدأنا
فى تدريب 15 الفتاة ٠٠ بدأت قرية شندويل/ سوهاج تسرع الخطى فى إنشاء جمعية اهلية متخصصة فى تسويق منتجات التلى ومن خلالها تم تدريب فتيات القرية التى اصبحت تصدر انتاجها محليا وعالميا٠