دراسة في أرباع الناقوس (٢)


بقــــــــلم: م. منـــــــــــــــير وصـــــــــــفي بطـــــــــــــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

أستكمل معكم أعزائي القراء الدراسة في أرباع الناقوس.

عن أسلوب الشِعر وأوزانِهِ في الأدب المصري القديم يقول المؤرخ الكبير سليم حسن: “تَتَكَوَّن القِطعة (الشِعرية أو النثرية) عادة من ثلاثة أسطُر أو أربعة …..ولابد أن المقطوعات الشِعرية المصرية المُرَكَّبة من أسطر كانت تُشبِه في توقيعِها الرُباعيات القبطية (يقصد نظام الأرباع التي تعتمد عليها أغلب ألحاننا القبطية)”، ثم يستمر في بحثه فيقول: “ولقد جَرَّهُم غرامُهُم بالترادف والإزدواج إلى التَرَصُّد للمَمدوح قبل ذِكر اسمِهِ بِسَرد عِبارات مختلفة تشير إليهِ، وتَدُل عليهِ فيَسبِق اسمُ المَمدوح جُمَل التعظيم، مثل (المديح لك) أو (التعبد لك) تتبعها نُعُوت وأسماء، وأسماء أفعال وجُمَل موصولة للتعريف بالمَمدوح وللتَذكِرَة بِجَميل أفعالِهِ”.

وبمقارنة ما قاله المؤرخ سليم حسن مع دراستنا لأرباع الناقوس، نجد أن الأقباط ربما استفادوا، فاستعاروا من أساليبهم البلاغية ما يناسبهم لكتابة نصوص ألحانهم، بنفس الخصائص المصرية القديمة، وكأنهم بهذا “عَمَّدوا” لُغَتَهُم المصرية بروح المسيحية، فَطَوَّعوا أساليبهم لتَخدِم المفاهيم الإيمانية، فالخاصية الأولى في الأدب المصري وخاصة الشِعر، ما نراه فعلاً في أرباع الناقوس، بدايةً من اسم اللحن وهو (أرباع)، حيث يَتَكَوَّن كلُّ رُبع من أربعة “ستيخون” (أي جُملة).

كذلك نَجِد الخاصية الثانية في الأدب المصري – على حد قول المؤرخ سليم حسن – دخول بعض الكلمات اليونانية (الأجنبية) في اللغة القبطية (المصرية)، وهذا واضح في أرباع الناقوس حيث أن الكلمات الآتية: “بنفما”، “تي ترياس”، “أوموؤسيوس”، “شيرى”، “إكليسيا”، “أنجيلوس”، “بارثينوس”، “بين سوتير”، وغيرها، هي كلمات يونانية، والفَرق هنا أن الأقباط لم يستخدموا هذه الكلمات للتزيين مثل أجدادهم، ولكنهم استخدموها ليُعطوا المَعنى الأدق للمفاهيم الإيمانية، والتي توضحها اللغة اليونانية.

أما الخاصية الثالثة في الأدب المصري فإننا نجدها متوافقة كذلك مع أرباع الناقوس ومع ألحان أخرى عديدة، وهي كلمات التمجيد والمديح التي تسبق الأسماء، وطبيعي أن نُعطِي المَجد والتَعظيم أولاً لربنا يسوع المسيح مع الثلاثة أقانيم، ثم نُعطي التَحِيَّة للقديسين مسبوقة بكلمات المديح، مِثل (العذراء الحمامة الحسنة التي ولدت لنا الله الكلمة)، وأنها (أم القدوس)، وفي تَحِيّة الملاك ميخائيل نُلَقِّبه (بالعظيم) و(رئيس جنود قوات السموات)، وعَن الملاك غبريال أنه (المُبَشِّر المُختار)، والملاك روفائيل أنه (مُفَرِّح القلوب)، أماعن يوحنا المعمدان فنَسبِق اسمه بعدد من الألقاب (السابق)، (العظيم)، (الكاهن) (نَسيب عمانوئيل)، وعن القديس مرقس الرسول أنه (الإنجيلي)، وأنه (ناظر الإله)، و(مُبَدِّد الأوثان)، و(المُبَشِّر العظيم)، وهكذا مع باقي أسماء القديسين الذين يَذكُرهم لحن أرباع الناقوس.

من كل هذا يتضح أن أرباع الناقوس مُؤَلَّفَة تتوافق مع الأساليب المصرية القديمة لأدب أجداد الأقباط، فقد استخدموا الأساليب الأدبية، مع إخضاعِها لما يُناسِب عقائدهم المسيحية وإيمانهم، وكأنهم صَبَغوا أدبَهُم المصري القديم بالصِبغَة الروحية المسيحية.

أرباع الناقوس طقسياً:

إن أرباع الناقوس مجموعة من التسابيح يُعزَف معها آلتي الناقوس والمثلث، ويُصاحبها طقوس خاصة في رفع بخوري عشية وباكر، وتُقال بطريقتين: طريقة سنوي على مدار السنة، مع بعض المناسبات مثل: شهر كيهك، وبَرَامونَي الميلاد والغطاس، وسبوت وآحاد الصوم الكبير، وفي سبت لعازر وصلاة التجنيز العام واللقانات وسبت النور، ولها طريقة أخرى فرايحي، تُقال في الأعياد السيدية الصُغرَى والكُبرَى، وفي كل يوم 29 من الشهر القبطي (ماعدا شهري طوبه وأمشير)، وفي فترات الأيام الفرايحي مثل: الفترة من النيروز وحتى عيد الصليب، وفي الخَمسين المقدسة، وفي كل المناسبات تضاف أرباع خاصة.

ولأرباع الناقوس مُقَدِّمة، لها أرباع تُقال من الأحد وحتى الثلاثاء وتسمى “آدام”، وأرباع أخرى تُقال من الأربعاء وحتى السبت وتسمى “واطُس”.

التفسير الخاص بطَقس رفع بُخورَي عشية وباكر:

يقول المُفَسِّرون أن البخور هو علامة حضور الله في المكان،كما ذُكِرَ في سفر الرؤيا: أن الأربعة والعشرين قسيساًيَحمِلون جاماتٍ من ذهب مملوءة بخور هي صلوات القديسين، ويَذُكر أيضاً الملاك الذي معه مِبخرة ليُقَدِّم البخور مع صلوات القديسين على مذبح الذهب أمام العرش،وهذا فعلاً مايفعله الكاهن في رفع البخور حيث يَدور حول المذبح عكس عقارب الساعة، رمز لأننا في هذه الحالة نكون في السماء خارج حدود الزمن، والطَواف حول المذبح مع تصاعُد البخور مع الصلوات و التسبيح بأرباع الناقوس يمثل حضور الله وسط الكنيسة مُحاطاً بملائكتِهِ وقديسيهِ،وصلواتنا وطلباتنا تكون بواسطة المذبح الذي من عنده نبدأ وإليه ننتهي.

وفي هذا الطقس يبدأ الكاهن بصلاة سرية تُسَمَّى (رفع البخور)، فيها يطلب من الله استجابة هذه الصلوات والطلبات كما استجاب قديماً لرجال الكهنوت، واضعاً في الشورية خمسة أيادي من البخور، إشارة إلى الخمس ذبائح التي لهابيل ونوح وملكي صادق وهارون وزكريا، وكلها رمز لذبيحة المسيح والذي نُقَدِّم له هذه الصلوات، من خلالها يُقَدِّم السجود والتمجيد لله المثلث أقانيم، وهنا توافُق جميل مع ما يُسَبَّح به في أرباع الناقوس، خاصة في المُقَدِّمة حيث نُعطي المجد لله “تعالوا فلنسجد للثالوث القدوس ….نحن الشعوب المسيحيين لأن هذا هو إلهنا الحقيقي”، كما نختتم أرباع الناقوس “لكي نُسَبِّحَكَ مع أبيك الصالح والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور”.

وفي حالة التبخير يُعطِي الكاهن البخور في حركات ثُلاثية يَجمَعُهم بحركة دائرية، إشارة إلى الله المثلث الأقانيم مُتَّحِدين في الجَوهَر، ثم يُصَلِّي الكاهن وأمامه الشماس ثلاث أواشي (صلوات) موضوعها عن سلام الكنيسة، وسلام رُعاتِها، وسلام رَعِيَّتِها.

وفي أثناء الدورة حينما يكون وَجه الكاهن مُتَّجِهاً للشرق تكون صلواتُهُ مُخَصَّصَة للمسيح تبارك اسمه، وعندما يَتَّجِه وجهُهُ ناحية الغرب تكون طلباتُهُ من أجل الشعب.

وعند خروج الكاهن إلى أمام باب الهيكل يُعطِي أيضاًالبخور في الأربعة إتجاهات رمز الصليب، ففي إتجاه الشرق يُقَدِّم السجود لله قائلاً: “أمام الملائكة أُرَتِّل لك وأسجد نحو هيكلك المقدس”، ثم يُعطِي التَحِيَّة للعذراء ويوحنا المعمدان في إتجاه أيقوناتِهِما، كذلك يُعطي البخور في اتجاه الغَرب للملائكة والقديسين، ويُقابل هذا الطقس التسبيح بأرباع الناقوس المُخَصَّصَة للعذراء والملائكة ويوحنا المعمدان والرسل والقديسين “السلام للكنيسة بيت الملائكة…..”،ونتذكرالعبارة التي تُقال في القداس الإلهي “الذي ثَبَّتَقِيام صُفُوف غَير المُتَجَسِّدين في البَشَر”.

إن طقس رفع البخور مع أرباع الناقوس يُمَثِّل إفتتاحية الصلاة، التي فيها نُقَدِّم السُجود لله، والتَحِيَّة لصُفوف السمائيين الذين يتواجدون معنا في الكنيسة في هذه الفترات المباركة المقدسة، يتشفعون لأجلنا ويُشَجِّعوننا كي تَكمُل صلاتُنا بالصورة اللائقة لحضور الله في الكنيسة.

وللمقال بقية بإذن المسيح.

رابط اللحن بصوت المعلم بولا منير

تاريخ الخبر: 2023-05-18 09:21:53
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:54
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية