المفقودون في سوريا: عائلات تخوض رحلة البحث عن العدالة لمعرفة مصير أبنائها

  • نادية الهريمي
  • بي بي سي نيوز عربي- واشنطن
التعليق على الصورة،

ياسمين كان لديها ستة أشقاء قتلوا جميعا وتبقى واحد يعيش في ألمانيا

عندما بدأت الأزمة السورية، قامت ياسمين وعائلتها في تنظيم احتجاجات سلمية في مسقط رأسهم دير الزور.

وتقول عن أسباب الخروج في هذه الاحتجاجات، "أنا البنت الوحيدة بين ستة شباب. خمسة منهم استشهدوا. ولم يبق لي سوى أخ موجود بالقرب من فرانكفورت"

في عام 2012، قُتل شقيق ياسمين، زهير أثناء مشاركته في مظاهرة ضد النظام. في نفس العام، اختفى شقيقها عُقبة عندما تم اعتقاله من قبل المخابرات الجوية السورية. ازدادت بعدها التهديدات والمداهمات على منزلهم، لكن الأسرة قررت البقاء في دير الزور بانتظار إطلاق سراح عُقبة آملين أن يكون على قيد الحياة. في ذلك الحين، فقدت ياسمين ثلاثة من أشقائها، وبقيت الأسرة في انتظار إطلاق سراح عقبة.

"يمكن لو عرفنا مصيره من البداية لكنا خرجنا. ولم نخسر كل هذه الخسائر ونحن ننتظر مصيره."

على الرغم من عدم معرفة أي شيء عن عُقبة منذ لحظة اعتقاله، اعتقدت ياسمين وعائلتها أنه سيتم إطلاق سراحه في نهاية المطاف.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • سيرجيو بوسكيتس يغادر برشلونة في نهاية الموسم بعد رحلة استمرت 18 عاما
  • اشتباكات السودان: شهادات عن رحلة الهروب الصعبة من الخرطوم إلى القاهرة
  • القمة العربية 2023: بشار الأسد يرفع راية النصر من السعودية
  • القمة العربية 2023: الأسد يحضر قمة الجامعة العربية وسط معارضة غربية لعودته - الغارديان

قصص مقترحة نهاية

"لم نتصور حجم البشاعة في المعتقلات وأن الموضوع أصبح تصفية وقتلا ممنهجا وقتلا تحت التعذيب"

في عام 2014 دخل التنظيم المعروف باسم الدولة الإسلامية دير الزور وبدأ باستهداف ياسمين التي أصبحت الآن تعيش معاناة مضاعفة، الجهل بمصير شقيقها والخوف والقلق المزمن على سلامتها وسلامة أطفالها. وفي النهاية اضطرت لاتخاذ القرار الصعب بمغادرة سوريا إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا، على أمل أن ينضم عقبة إليها يوما ما.

"شهادات صادمة" يرويها معتقلون سابقون في السجون السورية

التلغراف: أطفال محرومون من ضوء الشمس داخل سجون في شمال شرقي سوريا

أسرة فتى أسترالي مسجون في سوريا تتلقى نبأ وفاته

"في منتصف مارس/ آذار الفين وخمسة عشر، اكتشفت صورة عقبة بين صور قيصر وتأكدت بأنه قتل. كانت ملامحه واضحة لم يكن أبدا مجال للشك"

صور قيصر هي مجموعة من الصور، يقدر عددها حوالي 55 ألف صورة، لـ11 ألف شخص يُعتقد أنهم لقوا حتفهم في معتقلات النظام السوري. تم تسريب الصور من قبل مصور منشق عن النظام لُقب باسم "قيصر".

التعليق على الصورة،

صور قيصر تضم 55 ألف صورة، لـ11 ألف شخص يُعتقد أنهم لقوا حتفهم في معتقلات النظام السوري

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

أنشأت ياسمين جمعية عائلات قيصر في ألمانيا لمساعدة العائلات التي فقدت أحباءها وتُطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين في السجون السورية ومحاسبة المسؤولين عن مقتل أحبائهم.

وتقول عنها ياسمين: "يسألوني الناس ما هي العدالة بالنسبة لك؟ أكيد الذي دُمر لن يتصلح. لكن العدالة بالنسبة لي عندما أرى سوريا تعيش الحلم الذي حلمناه في البداية. سوريا دولة ديمقراطية، دولة حريات ودولة مساواة تتحقق."

لم تتفاجأ ياسمين بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والحكومة السورية. لكنها أيضا لا تعتقد أن الدول العربية أو الجامعة العربية يمكن أن تلعب دوراً في تحقيق العدالة للسوريين خاصة الذين يتهمون النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لكنها تعول على المحاكم الأوروبية والدولية.

"حتى لو صدر حكم رمزي بإدانة النظام، فنحن نثبت رسالة أن هذا النظام مجرم"

توجد حالياً قضايا جنائية ومدنية ضد الحكومة السورية أو أفراد مرتبطين بالنظام في محاكم في الولايات المتحدة والسويد وهولندا، وألمانيا وفرنسا والنمسا. لكن بالنسبة للعديد من السوريين مثل ياسمين، هذا لا يكفي، فهم يأملون بإنشاء محكمة دولية لمحاسبة كبار المسؤولين في النظام السوري.

ولكن رغم كل ما مرت به ياسمين فهي تأبى أن تفقد الأمل.

"أحيانا أعاني من انفصام شخصية تجاه سوريا. أحيانا هي سوريتي، هي بلدي، هي حبيبتي. وأحيانا لا أحبها، لأن سوريا البلد الذي خسرت فيه كل شيء. لكن إن تغيير النظام، تعود سوريا حلوة وغالية. أحيانا أسمع داليدا عندما تغني "كلمة حلوة وكلمتين، حلوة يا بلدي." بلدي حلوة رغم كل شيء.

لدى ألمانيا أكبر عدد من القضايا ضد عناصر من نظام الأسد. وأشهرها محاكمة أنور رسلان الذي كان رئيس فرع أمن الخطيب. رسلان كان أول مسؤول رفيع في النظام السوري يُدان بجرائم ضد الإنسانية ويُحكم عليه بالسجن المؤبد عام 2022.

معاناة من لندن

تتأثر خلود وتبكي حين تتحدث عن شقيقها أحمد الذي اختفى منذ أكثر من عشرة أعوام. ففي ليلة هادئة في داريا اقتحمت قوات حكومية منزلهم في منتصف الليل واعتقلوه.

التعليق على الصورة،

خلود مازالت في رحلة البحث عن العدالة لمقتل أخيها أحمد في سوريا

"اقتحموا بيتنا بأعداد كبيرة وخطفوه من البيت. وإلى الآن نحن لا نعرف عنه أي خبر... إذا كان حيا أو ميتا"

كان أحمد حينها، طالب ماجستير في السنة الثانية، بالإضافة إلى عمله مع الهلال الأحمر، لمساعدة السوريين الفارين من القصف في حمص آنذاك.

"لا توجد أي قناة رسمية أستطيع الذهاب إليها لأسأل أين أخي. النظام ينفي كليا أنه قام بعمليات الاعتقال وينفي كليا أنه قام بتعذيب وقتل المعتقلين. هو لا يريد أن يوفر أي دليل أنه قام باعتقال أي أحد"

طرقت خلود وعائلتها كل باب ممكن ودفعوا كل رشوة طُلبت منهم، لكن كل جهودهم باءت بالفشل. حتى أنها اتصلت بمنظمات دولية مثل الصليب الأحمر، لكن قيل لها إنهم غير قادرين على مساعدتها بسبب القيود التي يفرضها النظام السوري عليهم.

"للأسف لا ثمن للمعتقل. المعتقل هو الوحيد الذي يدفع الثمن هو وأهله، لأنه هو ما له ثمن. ثمنه فقط الرصاصة التي تقتله أو الزنزانة المتعفنة التي يعيش فيها. ولكن أكثر من ذلك، ليس لده ثمن سياسيا."

لم تتفاجأ خلود من قرار الجامعة العربية بتطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أنها تشعر بالإحباط من عدم مسائلة سوريا عن الأسرى المفقودين أو الضغط عليها لإطلاق سراح السجناء السياسيين.

"برأيي الحكام العرب مجرمون جميعهم ومرتكبو انتهاكات ضد حقوق الإنسان في بلادهم. لذا لن يأتي أي منهم ليقول إن النظام السوري مجرم. برأيي أيضا أنه من مصلحتهم أن ينضم الأسد لجامعة الدول العربية وعندما أخرجوا سوريا من الجامعة العربية كان بسبب الضغط الدولي خلال الربيع العربي. للأسف العالم لم يعد مهتما."

لا تعتقد خلود أنها سترى العدالة التي تسعى إليها أثناء حياتها وليست متفائلة بأن يراها الجيل القادم.

"العدالة التامة تعني أن يصبح هناك تغيير سياسي، ومحاكم محلية مع قضاة نزيهين، على أرض سورية. كنا نتوقع أنه من الممكن أن نصل للعدالة مثل ما حصل في البوسنة بعد عشرين عاما. لكن، ها نحن اليوم بعد

12 سنة ولا نستطيع رؤية الضوء. فقدنا الإيمان حتى بفكرة العدالة المُطولة."

لكن خلود تعتقد أن المحاكمات والقضايا العديدة التي ترفع في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمنح الكثير من السوريين دفعة أمل في أن قضيتهم لا تزال قائمة وأن هناك من يريد مساعدة المعتقلين في العالم.

"بالنسبة لي، هذه المحاكم تقوم بتوثيق ذاكرتي وذاكرة المعتقلين وذاكرة الضحايا. أنا شهدت في أكثر من محاكمة، لذا أعتقد أن حكايتي وُثِقت بطريقة قانونية ورسمية أمام شهود. فإذا مت أو ماتت ذاكرتي، تكون شهادتي قد وُثِقَت للتاريخ."

انتقلت خلود إلى المملكة المتحدة عام 2017 حيث تعمل حالياً كصحفية وناشطة في مجال حقوق الإنسان وتقوم بحملات للإفراج عن السجناء السياسيين. تظل مشاعرها تُجاه وطنها معقدة ولا تعتقد أنها تستطيع العودة حتى يتغير نظام الحكم.

"أصبحت أكرهها. هي مثل شخص أحببته كثيرا وأعطيته أغلى ما عندي، لكن هي رمتني كأني قُمامة. أنا أعرف أن اللوم ليس عليها، وسوريا ليست بشار الأسد طبعا، لكنها أحزنتني ولا أستطيع العودة إليها الآن، هذا العتب يأتي من فرط المحبة لسوريا. لأنني لم أتوقع أن تعاملني هذه المعاملة".

معظم القضايا المتعلقة بسوريا في المحاكم الأوروبية ضد أفراد مرتبطين بالنظام وتجري في محاكم جنائية. لكن في الولايات المتحدة، القانون هناك يسمح بالقضايا المدنية فقط والتي لا يمكن رفعها إلا ضد الحكومة السورية وليس ضد أفراد مرتبطين بها، عن الجرائم المرتكبة ضد مواطنين أمريكيين.

"تعذيب روتيني"

ولد عبادة مزياك في الولايات المتحدة لوالدين من أصول سورية، وعندما كان في الرابعة من عمره انتقلت العائلة للعيش في دمشق.

التعليق على الصورة،

مئات الآلاف المعتقلين في سوريا ومئات الآلاف من المفقودين غير معروف مصيرهم

كان طالباً جامعياً عندما بدأت الاحتجاجات ضد الحكومة السورية في عام 2011. واعتقل حينها للمرة الأولى وتم احتجازه لمدة 35 يوماً للاشتباه في مشاركته في تلك المظاهرات. ثم في أوائل عام 2012، تم اعتقاله مرة أخرى من مطار دمشق الدولي، بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية.

"أستطيع القول أنه تم اختفاءي قسريا من المطار في دمشق. وغير معروف السبب. عِلماً بأن أهلي قاموا بالاستفسار قبل سفري عما إذا كان اسمي موجودا على أي لائحة أمنية. ولم يبد أن هناك أي إشكال. ولكن عندما وصلت إلى سوريا تم إخفائي. "

تم نقله إلى سجن تحت سيطرة فرع المخابرات الجوية السورية. هناك حاول معرفة سبب اعتقاله لعل القضية تكون مجرد تشابه بالأسماء.

"قلت للمسؤول أنا كنت معتقلا سابقا ربما هناك تشابه بالأسماء أو خطأ ما. عندها، قام من الكرسي الذي كان يجلس عليه ومسكني من رقبتي وخنقني. ثم دفعني إلى الأعلى وهو يقوم بخنقي وقال نحن لا نعتقل، نحن فقط نوقف. بسبب هذا الفرق البسيط بالمصطلحات كنت سأخسر حياتي بين يديه."

يقول عبادة إن التعذيب كان روتينياً في السجن. ويصف سماع حراسه وهم يجلدون ويعذبون سجناء آخرين.

"تم تجريدي من ملابسي بشكل كامل وتفتيشي ومن ثم قاموا بضربي وركلي ثم قاموا بضربي بالعصي. يعني كان هناك كل أنواع الضرب على جسم عار تقريبا من أي لباس"

قال عبادة إن المحققين أحضروا ابن عمه من الدرجة الثانية، الذي كان أيضا مُحتجزاً، وأجبروا عبادة على مشاهدة وسماع صراخ ابن عمه عندما قام الحراس بتعليقه على السقف من الأصفاد التي على يديه... عملية تعذيب تعرف باسم "الشبح".

"هذا التعذيب حدث أمامي. رأيت كيف يتعذب بهذه الطريقة. ثم تم تهديدي بأنني سأكون في نفس الوضع. أمضيت الليل وأنا أسمع أصوات الناس وهي تتعذب. فكان شيئا مؤلما ومُخيفا جدا. في تلك اللحظة تتمنى أن تنشق الأرض وتقوم بابتلاعك حتى لا تستمر برؤية هذه المناظر."

تم الإفراج عن عبادة بعد 23 يوماً بعد أن تمكنت عائلته من دفع رشوة لمسؤول كبير في النظام، حسب قوله. والآن يعيش في الولايات المتحدة ويقاضي الحكومة السورية في دعوى مدنية في محكمة اتحادية في العاصمة واشنطن.

لم ترد الحكومة السورية على هذه الدعوى ومن غير المرجح أن يكون لها حضور في الجلسات المتوقع عقدها مطلع العام المقبل.

التعليق على الفيديو،

القمة العربية 2023: كيف يرى عمر الشغري تطبيع الدول العربية مع بشار الأسد؟

أنكر النظام السوري مرارا أنه مارس التعذيب، على الرغم من الأدلة الكثيرة التي جمعتها منظمات مثل منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة لتثبت العكس.

من الصعب تنفيذ أي حكم قد يصدر في الولايات المتحدة ضد الحكومة السورية. لكن عبادة يقول إن هذا ليس هو الهدف الحقيقي وراء القضية.

"إذا أقر القضاء الأمريكي أن النظام السوري مذنب في عملية اعتقال ممنهج ضدي وضد آخرين، فذلك سيوثق ظلم النظام واستبداده في سوريا. وهي مثل رصاصة جديدة على جسد النظام الحاكم في سوريا. لا أعتقد أن هذه الرصاصة هي التي ستكون الرصاصة القاتلة، ولكن رصاصة بعد رصاصة بعد رصاصة بعد رصاصة... كل هذه ستجعل النظام السوري متهالكا وضعيفا جدا ولن يستطيع أن يقف أمام المجتمع الدولي ليقول إن له شرعية أمام العالم، سواء العربي أو الغربي أو الأمريكي"

يأمل عبادة أن تقوم قضيته والقضايا الأخرى بتغيير وجهة نظر الدول المطبعة مع النظام السوري وانضمامهم إلى صفوف المطالبين بالعدالة لآلاف الأشخاص الذين ما زالوا في السجون السورية.

"يوجد مئات من الآلاف المعتقلين في سوريا ومئات الآلاف من المفقودين. هذا يعني أن الكثير من السوريين فقدوا أولادهم وأزواجهم وأحبابهم. عندما نقول إن هناك أكثر من مائة وخمسة وثلاثين ألف سوري في عداد المفقودين فإن هذا يعني أن هناك مائة وخمسة وثلاثين ألف عائلة... أب، وأم، وأخت، وأخ. ويعني مائة وخمسة وثلاثين ألف عائلة تتوجع وتتألم. وبالتالي إنه شيء محبط عندما نسمع عن المحاولات لإرجاع شرعية نظام قتل وشرد شعبا وأمة. "