أثار اعتزام نتفليكس أن تعرض برنامجا وثائقيا عن الملكة كليوباترا ملكة مصر في الفترة البطلمية؛ وسبب الاعتراض أنهم أتوا بممثلة إفريقية الملامح واللون بشكل خالص، وهذه الحالة ليست الوحيدة في إنتاج أفلام من هذه الشاكلة، إذ سبق أن أنتج مسلسل عن الحرب الطروادية يحكي قصة الإلياذة، وجاء في هذا المسلسل البطل آخيل بلون وملامح إفريقية وغيرها من أعمال مستغربة قلبت فيها إلى سوداء إفريقية وكنت أظن أن حدوث تلك الأعمال الدرامية إنما هي نزوات درامية، ثم تبين لي أن هذه الأحداث في هذه الفترة خصوصا تمثل وبشكل مدروس حالة من توجيه السخط ضد الآخر المتمثل بالعالم القديم. يقول الخطاب "يا أفارقة أميركا ليس الأميركي الأبيض هو فقط من ظلمنا واضطهدنا واستعبدنا وإنما هناك من مارس ذلك وقام كذلك بسرقة تاريخنا وتراثنا وهو موجود في العالم القديم أوروبا وإفريقيا وآسيا، فالمسيح رجل إفريقي ثم سرق منا وأصبح ذا ملامح شرق أوسطية، ومحمد نبي الإسلام كذلك وكليوباترا وآخيل كذلك. الآن السياسة الأميركية تحاول شيطنة العالم القديم حتى الحلفاء منهم. ولو تأملنا الحرب الروسية الأوكرانية لوجدنا أن أكثر المتضررين منها هم الأوروبيون. وقبل ذلك أتت أزمة القروض المسممة من أميركا فاجتاحت أوروبا ومنطقة الشنقن وتدفق اللاجئين على أوروبا برا وبحرا، وآخر ضربة لأوروبا خروج المملكة المتحدة من السوق الأوروبية.
فأميركا تحاول بشتى الطرق ضرب جميع التكتلات الاقتصادية. كما حصل مع النمور الآسيوية والسوق الأوروبية وغيرها أن مشاكل الولايات المتحدة الأميركية تكمن في ذاتها، فهي مثقلة بتناقضات وجودية ضاغطة تتمثل في العنصرية والفوارق الطبقية الصارخة والدولار العاري والدين العام.
وكل سبب من هذ الأسباب من الممكن أن يتسبب بتفكك الأمة ويهدد ترابطها مما ينعكس على الوثوق الاستراتيجي العميق سلبا.
إذا فهمنا ذلك نعود لحالة العنصرية ما ذكر عن حالة نتفلكس والسطو الممنهج.
إن من وضع خطة تجريم العالم القديم في ذهنية الأمريكان ذوي الأصول الإفريقية كان يهدف إلى كسر العلاقة الجذرية مع الأصول والجذور والاكتفاء بالعلاقات الآنية التكتيكية، ولا يبعد أن يكون ذلك ضمن خطة لغزوا أوروبا ومناطق نفوذ أوروبا، فإضعاف أوروبا هو ما نلاحظه، ومثل هذه الأفلام تمهد الداخل الأميركي لمثل هذه الخطوة ضد أشقاء يحمل لهم الشعب الأميركي كثيرا من الود ويعتبرهم دائما شركاء، وأميركا الآن تبحث عن خصم بمقاسها وهيمنة اقتصادية بمواصفات متاحة لأميركا ولا يوجد متاح متيسر أفضل من دول أوروبا التي ساهمت أميركا بنهضتها بعد الحرب العالمية الثانية، وستقوم سياسة أميركا على ممارسة سياسة خطف الغنائم، وكمثال على ذلك خطف صفقة الغواصات لأستراليا من فرنسا ومغازلة المصانع الألمانية وإغرائها بالتحول إلى أميركا وضرب أنبوب الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا وغيرها أمور أخرى كانت أميركا تنتهز ظروف الحرب الأوكرانية الروسية للاستحواذ على الصناعات الأوروبية والصفقات المهمة.
إن بدايات الاستحواذ والسيطرة على مقدرات الشعوب يجب أن تتم في مناطق النفوذ القريبة وهي خطة هتلر كما بينها في كتاب كفاحي وطبقها بعد ذلك في حروبه الخاطفة في أوروبا، ويستثنى من ذلك حربه ضد الاتحاد السوفييتي التي تسببت بسقوطه.
الآن حرب النفوذ وخطف المكاسب تمارسها أميركا بغير جيش مقاتل ينتمي لدولة، وبلا عقيدة عسكرية ومثل هذه الحالة في أميركا تفعل القوة الناعمة لتوجيه الخطاب نحو ما يصب في صالح الامبريالية الأميركية المترنحة والمتداعية، واقتصر الدور الأميركي على الدعاية وتزييف الوعي.
آخر الكلام
يقول ابْن مَرْيَم عبد الله بن إِسْمَاعِيل البَجَلي الْكُوفِي
أرى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام
فَإِن النَّار بالزندين تورى
وَإِن الْحَرْب أَولهَا كَلَام
لَئِن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
