أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 21 مايو/أيار 2023 عن سيطرة الجيش الروسي على مدينة أرتيوموفسك (باخموت) في مقاطعة دونيتسك، بعد قرابة 225 يوماً من المواجهات الطاحنة مع القوات الأوكرانية.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 21 مايو/أيار 2023 عن سيطرة الجيش الروسي على مدينة أرتيوموفسك (باخموت) في مقاطعة دونيتسك، بعد قرابة 225 يوماً من المواجهات الطاحنة مع القوات الأوكرانية.

وعملت روسيا منذ صيف عام 2022 على السيطرة على مدينة باخموت، لكنها واجهت مقاومة شرسة من القوات الأوكرانية إذ خاضت الأخيرة حرب شوارع داخل المباني السكنية التي غادرها قرابة 70 ألف نسمة من سكانها.

ولضراوة المواجهات باتت باخموت تعرف بـ"ستالينغراد الأوكرانية"، نسبة إلى المواجهات الطاحنة بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي في مدينة ستالينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية.

وبدا لافتاً حجم الاهتمام الإعلامي بمعارك باخموت، إذ وصفها الرئيس الأوكراني زيلينسكي بـ"قلعة الصمود". بالمقابل حازت المدينة على أهمية رمزية واضحة بالنسبة إلى الجانب الروسي، الذي سعى لإظهار قدرته على الواقع الميداني، والتحول من خسارة بعض المناطق في جنوب وشرق أوكرانيا إلى التقدم والاستيلاء على مواقع جديدة.

وساهمت مشاركة قوات فاغنر الروسية ذائعة الصيت في معارك باخموت، بمزيد من تسليط الضوء عليها، وخاصة بعد المقاطع التي بثها زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين خلال الأسابيع الماضية، واتهم فيها وزارة الدفاع وهيئة الأركان الروسيتين بالخيانة لعدم إمداده بالسلاح، وهدد بالانسحاب من باخموت.

"حسابات خاصة لطرفَي المعركة"

يجمع الخبراء على الأهمية العسكرية والجغرافية المحدودة لمدينة باخموت، التي لا تتناسب مع الاهتمام الإعلامي الذي حظيت به المعركة. فهي وإن كانت قريبة من المركز الإداري لمقاطعة دونيتسك، لكنها تبعد قرابة 600 كيلومتر عن العاصمة كييف، بالمقابل فهي بوابة مهمة لتقدم روسيا باتجاه المقاطعة.

ويتفق الباحث في العلاقات الدولية المتخصص في الشؤون الروسية والأوراسية أحمد دهشان مع الرأي الذي يعطي باخموت أهمية محدودة، ويُرجع اهتمام كل من روسيا وأوكرانيا الإعلامي بهذه المواجهة إلى حسابات خاصة.

ويرى دهشان أنه يوجد اتفاق غير معلن بين كييف وموسكو على تضخيم معركة باخموت، حتى وصل الحال لتسميتها ستالينغراد جديدة.

ويعتقد الخبير في الشؤون الروسية والأوراسية، أن كييف بعد أن شنت الهجوم المعاكس على القوات الروسية، واستعادت خاركييف وإزيوم وخيرسون في سبتمبر/أيلول 2022، لم يعد بإمكانها الاستمرار بتنفيذ هجمات جديدة بسبب الاستنزاف.

وفي هذا الصدد يضيف دهشان في حديثه لـTRT عربي، "أن الجيش الأوكراني كان بحاجة توجيه الأنظار الداخلية والخارجية إلى مواجهة تؤكد أن مقاومة الهجوم الروسي لم تتوقف، تجنباً لتفكك الجبهة الداخلية الأوكرانية وتفادياً لنفاذ الدعاية الروسية داخل مؤسسات كييف التي تقوم على الترويج للهدنة ووقف القتال، إذ من الممكن أن تؤدي مثل هذه التطورات لتراجع الدعم الغربي لأوكرانيا".

وأشار دهشان إلى وجود هدف عسكري تكتيكي رغبت أوكرانيا في تحقيقه عبر توجيه الأنظار لمعركة باخموت، يتمثل بالحصول على الوقت الكافي لتدريب المقاتلين الأوكرانيين على الأسلحة الغربية والاستعداد لهجوم جديد ضد روسيا.

وبحسب الخبير، فإن روسيا أيضاً استهدفت تحقيق عدة مكاسب من خلال معركة باخموت، مثل إظهار احتفاظها بالقدرة على الهجوم بعد أن تحولت القوات الروسية إلى موقف المدافع منذ أيلول/سبتمبر 2022، مشيراً إلى أن نمط الصراع المجمد قد يذكي الخلافات في أوساط المؤسسات الروسية، ويجعلها تطفو على السطح.

ويعتقد دهشان أن روسيا أرادت إعطاء الوقت الكافي لعمليات التعبئة العسكرية وتدريب المقاتلين من خلال الزج بقوات فاغنر في معركة باخموت، وتجنيب الجيش الرسمي الخسائر والتركيز على إعداده للمواجهة في مناطق أخرى.

أثر سقوط باخموت

يعتقد الخبراء أن سقوط باخموت لن يكون له أثر كبير في مجريات المعارك في أوكرانيا من الناحية الميدانية، وهذا ما أيده الباحث في العلاقات الروسية الدولية باسل الحاج جاسم الذي يعتبر أن معركة باخموت هي مجرد تفصيل صغير ضمن حرب كبرى وطويلة.

وأفاد الحاج جاسم في حديثه لـTRT عربي أن معركة باخموت التي حظيت باهتمام إعلامي كبير متعلق بالروح المعنوية والاعتبارات النفسية، كانت نتيجتها الأساسية والمؤكدة هي إطالة أمد الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ استغرقت المواجهة قرابة تسعة أشهر، فحالت دون توسيع روسيا لحدود سيطرتها، وبالمقابل أخّرت هجوم الربيع المضاد الذي كانت تعد له أوكرانيا بهدف استرداد أراضٍ جديدة من القوات الروسية.

وحسب الحاج جاسم، فمن المحتمل أن يمهد استيلاء القوات الروسية على باخموت لنقل المواجهات إلى مناطق أخرى أكثر أهمية، وخاصة إذا ما أتمت كل من القوات الأوكرانية والروسية الاستعدادات العسكرية اللازمة.

واتفق الباحث أحمد دهشان مع الرأي القائل بأن سيطرة روسيا على مدينة باخموت لن يكون لها تأثير كبير في مجريات المعركة، مشيراً في تصريحه لـTRT عربي أن سواء سقوطها بيد القوات الروسية أم استعادة القوات الأوكرانية لها لن يغير من موازين القوى على الأرض، أو يحدث تغييراً في مجرى الحرب.

وبالتوازي مع سقوط باخموت بيد القوات الروسية، تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لتزويد أوكرانيا بحزمة مساعدات عسكرية جديدة تبلغ قيمتها 375 مليون دولار أمريكي، ستشمل مدفعية وذخيرة وراجمات هيمارس.

كما تصاعد الحديث عن جهود بريطانية وهولندية من أجل بناء تحالف دولي بهدف مساعدة أوكرانيا بالحصول على طائرات أمريكية من طراز F16، وتدريب طيارين أوكرانيين على استخدام هذا النوع من المقاتلات، وهو مطلب قديم لكييف، قد يسرع سقوط باخموت من تحقيقه.

ومن غير المستبعد أن تستكمل روسيا جهودها العسكرية للسيطرة على المزيد من المواقع في إقليم الدونباس، إذ إن باخموت تشكل بوابة للتقدم باتجاه مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك، وهذا ما يرجحه أغلب الخبراء المتابعين للحرب الروسية - الأوكرانية.

TRT عربي