مفاجآت التعداد السكاني


تحتل التعدادات "الإحصاءات" السكانية وبياناتها التفصيلية أهمية كبرى للدول ومشاريعها وخططها الاقتصادية والتنموية. وتستنبط من التعدادات بيانات واسعة عن أعداد السكان وتوزيعاتهم الجغرافية وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية والسكانية وأخرى غيرها. وتستخدم بياناتها كأساس لمعظم المسوحات والدراسات التي تقوم بها المؤسسات الإحصائية حتى الخاصة. لهذا تتوخى الدول من خلال مؤسساتها الإحصائية شموليتها للسكان والمساكن والمناطق الجغرافية في جميع أرجاء البلاد، كما تبذل جهودا حثيثة وتجند أعدادا كبيرة من العاملين وتخصص مبالغ ضخمة للقيام بها على أفضل وجه ممكن. وخرجت أخيرا نتائج تعداد المملكة السكاني المجرى في 2022. وجاءت نتائجه مغايرة للتوقعات، وحفلت بعديد من المفاجآت التي من أبرزها تراجع تقديرات إجمالي عدد السكان والمواطنين بالذات مقارنة بالتقديرات الماضية المبنية على تعدادات سكانية سابقة.

كان إجمالي عدد سكان المملكة حسب تعداد 2010 السكاني نحو 27.2 مليون نسمة، بلغ عدد المواطنين من بينهم نحو 18.8 مليون نسمة، بينما كان عدد غير السعوديين نحو 8.5 مليون نسمة. وأفترض بناء على الإحصاء السابق أن يتجاوز سكان المملكة 35 مليون نسمة العام الماضي، وأن يصل عدد السعوديين إلى نحو 25 مليون نسمة بمعدل نمو سنوي 2.5 في المائة. لكن نتائج الإحصاء الأخير المجرى 2022 جاءت صادمة لبعض الناس، حيث بلغ عدد سكان المملكة نحو 32.2 مليون نسمة، من بينهم نحو 18.8 مليون مواطن، أما المقيمون فقد قفز عددهم إلى 13.4 مليون نسمة، وذلك على الرغم من إجراءات السعودة ورفع الرسوم على المرافقين.

مادة اعلانية

بناء على التعداد الأخير راجعت الهيئة العامة للإحصاء بيانات تعداد 2010 وخفضت إجمالي عدد السكان في 2010 إلى 24 مليون نسمة، والسعوديين إلى 14 مليون نسمة "بنسبة إنقاص تقارب 25 في المائة مقارنة بتقديرات تعداد 2010". وهذا يطرح كثيرا من التساؤلات عن التعدادات السابقة، كما يستدعي شرحا وافيا من الهيئة عن أسباب مراجعة وتعديل بيانات التعداد السابقة، كما أنه يخفض الثقة بالبيانات السابقة المبنية على التعدادات المجراة قبل 2022.

لعل من أبرز الأسباب الممكنة للتعديلات الأخيرة على بيانات التعداد السابق ونتائج التعداد الأخيرة عن إجمالي عدد السكان وجنسياتهم، هو الحرص على توافق وانسجام بيانات تعداد السكان مع بيانات الجهات الرسمية الأخرى، كوكالة الأحوال المدنية ومديرية الجوازات. وتتوافر لدى وكالة الأحوال المدنية بيانات شاملة عن أعداد المواطنين وبعض خصائصهم السكانية بدقة كبيرة، لهذا يمكن جعلها أساسا لأعداد السعوديين. ويعتقد أن الأغلبية الساحقة من المواطنين مسجلة في بيانات الوكالة، حيث يندر هذه الأيام وجود مواطنين دون وثائق إثبات وطنية. أما بالنسبة إلى المقيمين فإن بيانات مديرية الجوازات تغطي معظمهم، ولكن هناك أعدادا لا يستهان بها من الوافدين غير النظاميين. ومع هذا يمكن الاسترشاد ببيانات المديرية كنسبة كبرى من إجمالي عدد الوافدين في المملكة. من جانب آخر، يعزى جزء من ارتفاع عدد السكان غير السعوديين خلال الأعوام الأخيرة إلى الاضطرابات الإقليمية والضغوط الاقتصادية في الدول المجاورة التي أدت إلى تدفق أعداد كبيرة من سكان دول المنطقة، خصوصا سورية واليمن إلى المملكة.

إن انخفاض عدد السكان عن المقدر سابقا ليس سيئا بالمرة، كما يظن البعض، لأنه سيحسن كثيرا من المؤشرات التي تقتضي قسمة الإجماليات على عدد السكان. ويأتي نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي كأبرز المؤشرات التي ستحسن، لهذا سيقفز مركز المملكة عدة مراكز بين دول العالم في معدل الناتج المحلي للفرد. كما أن من الممكن تحسن عديد من مؤشرات العمل والصحة والتعليم وإنفاق الجهات الحكومية للفرد. إن ضخامة عدد السكان قد تكون عاملا مساعدا إذا استغل جيدا، لكنه يمثل عقبة كأداء في التصدي لعديد من التحديات، كالفقر وعدالة توزيع الدخل وتوفير خدمات التعليم والرعاية الصحية والخدمات الحكومية بوجه عام.

يحاول كثير من الدول رفع تقديرات عدد سكانها، وذلك بالمبالغة في التعدادات. ويفترض بعض الدول عدم شمولية التعدادت السكانية جميع السكان، لهذا تضيف إلى نتائجها النهائية نسبة معينة قد تصل إلى 15 في المائة. كما تضخم دول أخرى سكانها عن طريق إضافة مواطنيها المقيمين في دول أخرى لأكثر من عام إلى سكانها. عموما، فإن توخي الدقة في التعدادات السكانية أمر ضروري وحيوي ومطلوب، نظرا إلى أهميته للإحصاءات والبيانات والمسوحات الأخرى التي تؤثر وتوجه السياسات العامة وتوزيع الموارد. إن تعديل بيانات التعدادات السابقة إذا اتضح أنها غير دقيقة أمر ضروري وصحي ويجعلها أكثر انسجاما وتوافقا مع الواقع.

لم يكن انخفاض إجمالي عدد سكان المملكة، وتضخم أعداد المقيمين، المفاجأتين الوحيدتين في التعداد الأخير، حيث تمخضت عنه مفاجآت أخرى، من ضمنها تراجع حجم الأسرة والأسر السعودية بوجه خاص، وتراجع خصوبة المرأة السعودية بوجه لافت. أما على أساس المناطق، فقد احتلت منطقة الرياض المركز الأول في إجماليات عدد السكان والسعوديين والوافدين بين مناطق المملكة. وكانت منطقة مكة المكرمة تحتل المركز الأول في إجمالي عدد السكان والوافدين سابقا.

ختاما، من اللافت للنظر أن دولة كالنرويج توقفت عن إجراء التعدادات السكانية منذ عقود عدة، لأن البيانات السكانية تتوافر بشكل شبه يومي من خلال الإدارات الحكومية ذات العلاقة.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2023-06-11 09:18:35
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية